د. حمزة الرستناوي لـ “زيتون”: الإقصاء والإرهاب هو اعتلال ومرض عابر للعقائد والمجتمعات

خاص زيتون

“عقيدة المظلومية الشيعية عمرها 1400 عام، ولكنّا نشهد الآن للآسف ظهور عقيدة المظلومية السنّية، بما يؤذن بخراب حاضر قادم”

تختبئ خلف مقالاته، وأفكاره هدوء لا يتقنه الكثيرون، وابتسامة لطيفة لا تغيب عن وجهه، يمتهن طبّ الأعصاب، شاعر ومفكر، يكرّس حياته لخدمة الإنسان. حمزة الرستناوي، مواليد بلدة مورك في ريف حماة 1974، صدر له خمس مجموعات شعرية، آخرها كان (الديكتاتور ذو الرقبة الطويلة) التي صدرت من مصر لهذا العام، وصدر له في مجال الإسلاميات التطبيقية والتنوير الديني ثلاثة كتب هي: 1-أضاحي منطق الجوهر «دراسة في تطبيق مقايسات المنطق الحيوي على عينات من الخطاب الإسلامي المعاصر». 2-تهافت الاعجاز العددي في القرآن الكريم. 3-الإعجاز العلمي تحت المجهر.إضافة إلى كتاب جديد قيد الطبع بعنوان (في البحثِ عن منطقِ الحياة: لماذا الأمُّ تحبُّ أولادَها و تكرهُ الفلاسفة؟). جريدة زيتون تلتقي الرستناوي لتناقش معه بعض النقاط:

بدايةً أي الأمكنة حاضرة أكثر في ذاكرتك، ولمَ؟14877077_1143093429106044_749269571_n
أٌحبّ البساطة في كل شيء، أحب الطبيعة والإنسان وعبق التاريخ.. الريف.. رائحة الأرض.. مرابع الطفولة في قريتي مورك، حيث المشتل الذي قطعت أشجاره آثام الشبّيحة، أحنّ الى ملاعب الطفولة وتل الشيخ علي في مورك! أحنّ إلى جلسات السمر مع الأصدقاء.. على ضفاف الفرات.. على شاطئ بحر القنفذة (البحر الاحمر).. على ضفاف العاصي وصديقي الشاعر طالب هماش.. إلى مزرعة ضياء (أبو مروان) صديق الثقافة ونحن نقطف خضار الأرض لتجهيز صحن السلطة.. أتذكر شجرة التين في كفرنبل في دار صديقنا الروائي عبد العزيز الموسى.. أتذكر السهرات تحت دالية العنب في دار صديقي الشاعر ماجد الأسود.. وأتذكر الجلّاس الأثري لدار الشاعر عبد الرحمن الابراهيم.. وقصر العريض الأثري القريب من الغدفة حيث كنّا نسهر على ضوء القمر.. أحبّ المقاهي تضجّ بالحياة مع لفيف من الأصدقاء.. مقهى النوفرة.. نادي الصحفيين في دمشق.. مقهى الواحة ومنتدى النخيل في الرقة..وخان مراد باشا في معرة النعمان من أكبر متاحف لوحات الفسيفساء في العالم..أكثر مكان يأسرني هو آثار البارة: وخصوصاً آثار مدينة سيرجيلا.. وهي تسمية سريانية تعني (سراج الله) آثار الرويحة.. بعودا.. شنشراح..أفاميا.. وقصة قناة العاشق.

في أي مجال ترى نفسك أكثر الطبيب، أم الشاعر،أم المفكر؟
أجد نفسي في كل هذه المجالات، أو الفضاءات، ففي المشفى أسعى أن أقدم كلّ جهدي للمريض، فلا أجمل من أن تقوم بمعالجة مريض ليتعافى، ومن ثم يشكرك بكلمة، أو حتى بابتسامة، أما في الشعر فأكتشف ذاتي، ووجودي، هو صرخة في وجه عالم يائس، ومنهار، وحلم بفعل حين يستعصي أداء الفعل، أما في مجال الفكر فالمقاربة مشابهة لمنظور المقاربة العلمية في مجال الطب، فنحن إزاء ثقافة عربية إسلامية مريضة في حالة اعتلال، وأسعى لاستكشاف أوجه وعلل قصورها، وتقديم رؤى، وخيارات لتجاوز هذا القصور.

يلاحظ قراؤك من خلال مقالاتك التي تنشرها في العديد من المواقع والصحف العربية، التركيز على بناء دولة عادلة، ما هي معايير الدولة التي تطمح لها؟
لا يوجد معايير خاصّة بي، بل هي معايير عامة الناس للعيش عبر المجتمعات والعصور، دولة تلتزم بأولويات الحياة والعدل والحرية، دولة تقوم على المواطنة المتساوية، وسيادة القانون، وهذا عمليّاً غير ممكن من دون استخدام تقنيات سياسية من قبيل الديمقراطية والعلمانية وفصل السلطات، وتداولية السلطة، مع التذكير هنا بكون العلمانية المقصودة أعلاه هي علمانية اجرائية تفصل الدين عن السلطة السياسية، وليس علمانية تفصل الدين عن المجتمع، علمانية تحترم عقائد الناس ولا تتدخّل بها.

كيف تقرأ واقع الثورة السورية خلال سنواتها الخمسة؟ وما قراءتك لمصير الثورة؟
لا مجال للتفاؤل في المستقبل القريب والمتوسط، وذلك لضعف القوى الحيوية الفاعلة في ميزان القوى، قد لا تنتصر ثورة خلال خمس سنوات هذا أمر ممكن جداً، ولكن ينبغي وجود مؤشرات يُبنى عليها للانتصار. لم تستطع الثورة / المعارضة السورية تقديم نموذج ايجابي لسلطة بديلة، لا بل إنّ مجرّد التلفظ بكلمات علمانية وديمقراطية قد يُعدُّ جرماً في مناطق سيطرتها، والهوية الوطنية السورية تزداد تمزّقًا بالشرخ الطائفي، ولم تظهر حتى الآن قوى حيوية منافسة للسلطة الأسدية ضمن المجتمعات الموالية للسلطة أو المجتمعات الحاضنة للثورة، بالتأكيد يوجد أسباب موضوعية تفسّر فشل الثورة السورية.. لا تعود فقط لقصور القوى الثورية أو قصور السوريين أنفسهم، ولكنّ هذا هو توصيف الحالة سريريّاّ.
من الضرورة بمكان الامتناع عن وصف الثورة السورية بالفشل بمعزل عن وصف النظام الاستبدادي الأسدي الذي قامت عليه هذه الثورة بالفشل أيضاً، وبحُكم مُشدّد، فأن تصل الأمور إلى درجة قيام ثورة على سلطة حاكمة (كانت تُمسك بمفاتيح البلاد والعباد لنصف قرن) هذا هو الفشل بعينه، خصوصاً أن الحامل الشعبي لهذه الثورة الآن هم من كان في الأمس الحاضنة الشعبية للنظام من فلاحين وطبقات فقيرة، الثورة السورية خصوصاً وثورات الربيع العربي قد تكون خميرة لثورات قادمة إن استفدنا من دروسها.
صدر لكَ كتاب «أضاحي منطق الجوهر: تطبيق مقايسات المنطق الحيوي على عينات من الخطاب الاسلامي المعاصر»، ولديك مدرسة منطقية خاصة بك؟ حبذا لو تطلعنا باختصار عنها؟ 14886079_1143093502439370_912092421_n
في هذا الكتاب الصادر 2009 حاولتُ الاشتغال على آلية لفهم وقياس مصالح وصلاحيات الخطاب الإسلامي المعاصر في عيّنات تضم: أسامة بن لادن والخميني والقرضاوي والبوطي والتيجاني السماوي وابن باز وجودت سعيد ومحمد شحرور وفرج فوده والآغاخان. وذلك عبر مرجعية يتفهم ظواهر الإيمان وينظر إليه من زاوية الحياد الإيجابي.
المنطق الحيوي، يعمل على إغناء هذا الإيمان ويحثّ المؤمنين على تجاوز مصالح القصور النظري والعملي في خطابهم واستبدالها بما هو أكثر حيوية وانسجاماً مع بداهة وجودهم كبشر قبل أن يكونوا مؤمنين.
أما بخصوص مدرسة دمشق للمنطق الحيوي فأنا مشارك فاعل فيها، وهي مدرسة فكرية ذات حدوس عملية اجتماعية سياسية، أسسها الفيلسوف السوري د. رائق النقري عام 1967 وزملائه عقب الهزيمة العربية الشاملة في نكسة حزيران، حيث نظرت هذه المدرسة إلى هزيمة حزيران بما يتجاوز كونها هزيمة عسكرية فقط إلى كونها هزيمة حضارية ناتجة عن سيادة أنماط التفكير الأحادي بصيغه الماركسية، الإسلامية، القومية، وتقوم المدرسة على مفهوم الشكل الحيوي كطريقة لتفهُّم الوجود، وتؤمن بإمكانية تطوير صلاحيات الكائن بالاستناد إلى مرجعّة البداهة الحيوية الكونية للمصالح المشتركة، وهي ليستْ مدرسة بالمعنى الإداري، بل ينبغي النظر إليها كَنَسَبْ ومشروع فكري متجدِّد.
هل تعتبر مراعاة حقوق الانسان والمواثيق الدولية في الحالة السورية الآن ملزماً لجميع أطراف الصراع؟ هل يمكن ذلك في ظل تنامي العنف والانتقام؟
التقيد بمعايير حقوق الانسان هو احترام للذات والإنسان الذي في داخلنا قبل أن يكون احتراماً للآخر. إنّ أي صراع بين قوى سياسية وعسكرية لا يتمتّع فيه أحد الأطراف بأفضلية أخلاقية وحضارية هو حرب أهلية وصراع عبثي سيّان فيه من يربح أو يفوز! أعرف تماماً مقدار التوحش في الصراع السوري، ولكن الظلم يستدعي الظلم، فقط العدل يؤسس لأوطان كريمة بينما الانتقام دورة مفرغة تنتهي بمزيد من الألم المعاناة، أذكّر هنا بأن عقيدة المظلومية الشيعية عمرها 1400 عام وهي تقوم أساساً على الانتقام لمقتل الحسين، ولكنّا نشهد الآن للآسف ظهور عقيدة المظلومية السنّية، بما يؤذن بخراب حاضر قادم، بدل أن نرتقي إلى فكر حقوق الانسان والمُواطنة المتساوية يرجع بنا الزمن القهقري إلى حروب داحس وغبراء، وحروب الحسين ومعاوية!

برأيك، هل يتعارض الإسلام مع الإعلان العالمي لحقوق الانسان؟
لا يمكن إعطاء إجابة بالإثبات أو النفي، هذا يتوقف على مفهومنا للإسلام، وعلى طبيعة الإيمان الإسلامي الذي نعتقد به، فلا يوجد شكل واحد أو تفسير واحد للإسلام، بل هناك أشكال متعددة من الإسلام متفاوتة الحيوية، ربطا بأولويات الحياة والعدل والحرية، الالتزام بها. وهنا يمكن القول وبقوة أن الفهم الحيوي للإسلام، أي روح الاسلام -أو أي عقيدة دينية اخرى- تتوافق مع الميثاق العالمي لحقوق الانسان، ولكن الفهم الحيوي للإسلام -القليل الحضور حالياً- لا يكون بالبلاغة والأماني والتمجيد، بل يكون عبر تجاوز القصور المُمكن والظرفي والاضطراري والمتوقع والحاضر في اعتقادات وسلوكيات المؤمنين.

هل التطرف والإقصاء والإلغاء مصاب به فقط الإسلاميون دون غيرهم؟
كما أن هناك سلفية إسلامية سنية أو سلفية إسلامية شيعية، هناك سلفية بعثية، سلفية ماركسية، سلفية ليبرالية،سلفيّة يهودية..أيُّ مبدأ أو مذهب قابل لإساءة الفهم وتحويله لطرح عنصري وإقصائه للآخر، ليستْ المليشيات الشيعية بأقلّ إرهاباً وتطرفاً من المليشيات السنّية مثلاً، وقصف المدارس والمستشفيات مثلاً الذي يقوم به النظام والاحتلال الروسي هو إقصاء وعمل إرهابي لا علاقة للإسلاميين به. يمكن القول بأن الإقصاء والإرهاب هو اعتلال ومرض عابر للعقائد والمجتمعات.

و ماذا تقول في حدّ الردة؟14877113_1143093449106042_175287020_n

ما يُسمى بحد الردّة يتنافى مع أولويات العدل و الحرية و بداهات حقوق الانسان , و هو اعتداء على حقوق المسلمين قبل غيرهم, و ليس له من غرض عبر التاريخ و الحاضر الاسلامي سوى ارهاب المخالفين للسلطات و ترويعهم ..هو حدّ سياسي و ليس ديني , فمثلا تحت مُسمّى الردّة تستطيع داعش أو غيرها قتل ملايين المسلمين المعارضين لها سياسيا, و ما يُسمى بحدّ الردّة يتنافى مع البداهة القرآنية ( لا اكراه في الدين) و مع بداهة ( من شاء فليؤمن و من شاء فليكفر) و مع بداهة ( لكم دينكم و لي دين)

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*