رواية تشكيليّة ولوحة روائيّة

4fd1e859-47f3-4130-a59a-ad8888edf6f0

المحرر الثقافي

يعرف مقرّبون من «سليم بركات» الشاعر والكاتب والروائيّ السوريّ، أنّه يمارس الرسم أيضاً، لكنّه لا يعترف. ففي روايته الأخيرة «سبايا سنجار» الصادرة صيف هذا العامّ عن «المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر». يختار «بركات» اسم «سارات» لبطله وهو رسّام نعيش من خلاله عالمين، الواقعيّ والمتخيّل، الواقعيّ كتوثيقٍ من أحداث سبي النساء الإيزيدات في جبل سنجار، ومتخيّل كاستحضار شخصيّات ميّتة.
يلتقي «سارات» خمس فتيات إيزيديّات من جبل سنجار كنّ سبايا لدى تنظيم «الدولة الإسلاميّة في العراق والشام»، ويسير خطّ رئيسيّ في الرواية فيما يحاول الرسّام إنجاز لوحة عن مأساة ذلك «الجبل الحزين»، ومن خلال الحوار معهنّ، يورد «بركات» المعلومات عن المعتقدات الإيزيديّة بموسوعيّة، شارحاً بعدها الروحيّ، وعلاقتها بالأديان وخاصّة الإسلاميّ. كذلك يدرس ظاهرة تنظيم «الدولة الإسلاميّة في العراق والشام»، كما يفصّل في بنية الأنظمة الاستبداديّة مثل إيران وتركيا، وفي بلده سورية، دون أن يذكر اسمه. ويهجو النظام العالميّ برمّته بادئاً بروسيا وأميركا.
يتعرّف الرسّام على شخصيّات أخرى، منها من هم في تنظيم «الدولة…» أحدهم يصطحب معه كلاباً، سنجد ربطاً لذلك مع خاتمة الرواية. ويتنقّل الروائيّ بين العالمين المتخيلّ والواقعيّ بحرفيّة فنّيّة، مازجاً الألم الشخصيّ بالموضوعيّ.
في الجانب الخاصّ الواقعيّ لشخصيّة الرسّام «سارات» نتعرّف على زوجته «ناتالي» المرأة الغربيّة التي لطالما خانها، فطلّقته، لتكتمل عزلته كما يقول عن نفسه: «في رسومي، الجبل في عزلة، السحاب في عزلة، النهر في عزلة، كثرةٌ مدهشة من العزلات في عزلتي».
يتناول «بركات» الثيمات الأساسيّة في الحياة من سياسة وجنس ودين، وذلك بمستويات مختلفة متعمّداً التضادّ، ولا يبدو مهمّاً أن نصل إلى «حلول» بل أن نرى اللوحة كفسيفساء من المواضيع والشخصيّات التي لا تبتعد عما نعيشه في واقعنا الحاليّ من أنواع التطرّف أو العسف.
ذلك كلّه بطريقة تنبع من لبّ رواية «سبايا سنجار» إذ تجمع على لسان الرسّام – الكاتب بين الفنّ التشكيليّ والأدب الروائيّ.
ربّما تشكّل الأسئلة التي يتركها «بركات» في خاتمة روايته قمّة عمله بعد نسجه للحدث والشخصيّات على امتداد يزيد عن 400 صفحة، فهنالك كلاب أسطوريّة يتجوّل بها رجل يعمل لدى تنظيم «الدولة الإسلاميّة في العراق والشام» يُترك أحدها ليقتحم بيت الرسّام ويفتك بأدواته ثمّ يغوص في أعماق بحيرة سويديّة، حيث دعوة للمسير على سطح مياهها، وقد بدأت تغصّ بخيام اللاجئين، بعد أن قذف الرسّام بعلب الألوان في وجه جدران بيته وخرج إلى الموعد، ولا ندري إن كان «سارات» سينجز لوحة عن «سبايا سنجار» أم لا؟!
لكنّ المؤكّد أنّ «سليم بركات» فعلها كرواية جديدة جديدة، بكلّ المعاني.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*