الـفـنّـان زهـيـر حَضـرَمـوت يـرسم بالنّـغـم .. ويعـزف بـالألـوان

11880923_932724193452295_1114231150_n
على الرّغم من ارتباط الحزن بنواعير مدينة حماة وأنينها المتواصل ليل نهار , إلاّ أنّنا نشعر في قرارة أنفسنا بأنّ ذلك الصّوت يضيف للنفـس بهجة وارتياحا , بدلالة أنّ ارتباط ذلك الصوت واعتباره مصدراً للحزن والألم , لايلبث أن يتحول تريجياً الى سلسلة من ألحان البهجة والفرح التي تملأ الساحات وتطرب الوجدان .
لقد احتار الفـنّان زهير حضرموت ومنذ الصغر بالطريقة المثلى التي يستطيع ان يعبر فيها عن أحاسيسه الفنية « السمعيّة « , وبين ملكاته الإبداعية « النظريّة « المتمثلة بهواية الرسم والتصوير لما يحيط به من مناظر خلابة على ضفاف نهر العاصي والعناصر البشرية المتجمعة دائما تحت ظلال اشجار الـلّوز والمشمش الحموي . فلقد ولد في بيئة غنيّة بألوان الطبيعة من جهة وبألوان الألبسة المزركشة التي يحرص الرجل عليها ــ قبل المرأة ــ فليس مصادفة أن نجد القمباز والكبّـود والدشداشة الحموية , تمتاز بتزيينها بخيوط متوافقة من الحرير اللّامع عند العنق والصدر والأكمام .
وإزاء ذلك فقد عزم على متابعة الهواية الفنيّة بشقيها في الرسم والموسيقا كونهما يساهمان في إثراء وبناء شخصيته الفكريّة والفنية , لذلك نجدة قد تعلّـق بآلة الكمان الموسيقية وأبدع فيها عزفاً وتأليفاً , بينما انتسب الى كلية الفنون التشكيلية ليتخرج منها عام 1974 من قسم التصوير بموضوع تخرج متميّز, أراد منه ان يدمج دراسته اللّونية بموهبته السمعية التي لم يبتعد عنها اة يفارقها , لذلك نجده قد اختار موضوع العرس الشعبي في البيئة الحموية بل الشرقية عموماً .
ولهذا وجدناه يقيم معرضه الفني الأول تحت اسم عرس في اكثر من عشرين لوحة ترسم المراحل المتنوعة للمناسبة ابتداء بالخطوبة وإلتقاء أهل العروسين وأفراح الساحات عند الرجال وفي البيوت المزدانة بجميع أدوات الزينة والزخارف البيتية والصمديات والبقج وصناديق ألبسة العروسالمزخرفة بالأصداف وقطع الزجاج الملونة .
معتمدا بذلك على إبراز البيئة المحلية والتراثية والتأكيد على العادات والتقاليد في إقامة الولائم في الساحات للدلالة على الكرم والسخاء والإلفة بين أبناء المجتمع الواحد .
عندما نقف أمام لوحاته نكاد أن نسمع منها قرع الطبول وأصوات المزامير, مترافقة بأهازيج النساء أو بخبطات أقدام الرجال في الساحات المزدانة بالأضواء وبأحواض الزهور الملونة .
كما أنّه يجهد نفسه بحشر معظم رموز الفرح , ضمن سطح اللوحة المحددة بدون ان نشعر بضيقٍ أو بتزاحم تلك العناصر وطغيان بعضها على بعض , بحيث نجد أعيننا تـنـتـقل من عنصر الى آخر وكأنه مرسوم ومصاغ لمفرده بينما نجد المشهد العام يتآلف في لوحة واحدة لها موضوع محدد . وهنا تظهر براعة الفنان زهير حضرموت وتميّزه ببساطة التوليف وجمع العناصر بحرفية تركيبية غير مخلة بخطوط الرسم التي يثبت لنا تمكنه منها من جهة وبالالوان التي تمتاز لوحاته بتفردها من جهة أخرى . وهو مايؤكد هويتة الفنية التي تميزه عمّن سواه .
وبالعودة لهوايته أو لإحترافه العزف والتأليف الموسيقي فلقد شارك في أكبر الفرق الموسيقية الكبرى ,وعمل في الرياض السعودية لسنوات عديدة عازفاً متميزاً على آلة الكمان , ومؤلفاً موسيقياً لمقطوعات شهيرة تتناقلها محطات التلفزة العربية والعالمية .
واذا كان الفنان زهير حضرموت يميل بطبعه الى الوحدة والإبتعاد عن أماكن الفوضى والإزدحام فذلك ليبقى في جوٍّ من التأمل البصري فيما يحيط به , ومايمرّ أمام ناظريه , وللبقاء في سكون المكان الذي يتيح لمفردات ألحانه بالتواصل والتلاقي ليجعل منها نغماً يحزّه بقوسه المشدود على أوتار كمانه الذي لايفارقه .
انه حـقّـاً يرسم بالصّوت .. ويعـزف بالألـوان .

عبد الرزاق كنجو