القاتل الأهبل يتفلسف

زيتون – بشار فستق 

النضال والكفاح، تحرير فلسطين، كرامة المواطن، التقدّم …، إلى ما هنالك من كلمات، فرّغتها الخطابات الكاذبة المتكرّرة من قيمتها ومعناها، وحوّلتها لما يعطي المفعول المعاكس، حتّى صار تلقّيها لدى الناس يجعلهم يغلقون آذانهم وعيونهم، ويبتسمون بمرارة، بل ويضحكون استهزاء بها.

لم يكن على الأجهزة الإعلاميّة إلّا أن تكرّر هذه الكلمات، بمناسبة أو بلا، وتبقى العصابة الحاكمة على ممارساتها، لتحصل على تلك النتائج. إذ نادراً ما تنتج الأجهزة تعابير جديدة – اللهمّ – عدا ما يخصّ تمجيد قائد العصابة.

في هذا المجال، يتمّ استيراد تعابير، مثل «باني سورية الحديثة» الذي استورد من التسمية التي أطُلقت على «أتاتورك» بقولهم «باني تركيا الحديثة». كما أنتج أمثال « حسنين هيكل» كوزير إعلام للناصريّة، مصطلحات لمواربة الحقائق، والتهرّب من المواجهة الصريحة معها، مثل النكسة والنكبة، بدل أن يقال بوضوح: الهزيمة.

حتّى هذه المحاولات البائسة، لم تستطع الأجهزة الإعلاميّة للعصابة في سورية إنجاز مثلها، فبعض التعابير مثل «المندسّين» سحبوها من التداول لأنّها تناقضت مع حكاياتهم عن المؤمراة الكونيّة، كذلك تصريحات رسميّة لوزير خارجيّة العصابة عن إلغاء أوروبا من الخريطة، وعرضه شريط فيديو في أوّل لقاء إعلاميّ أعلن فيه عن وجود عصابة إرهابيّة على أساس أنّه في سورية، وتبيّن أنّه تسجيل لأحداث في لبنان قبل سنين طويلة، والكثير من ذلك. بالطبع لا تأبه عصابة لهكذا أمور، لكنّ السؤال:
كيف يتقبّل مؤيّدو العصابة هكذا تعاطي؟
وتأتي نظريّات تطلقها وجوه من العصابة، كالضابط «سهيل حسن» والتي لا يستطيع حتّى البلهاء تجنّب الاستهزاء بها، لتزيد حجم السؤال، ثمّ يكمل رأس العصابة الحاليّ، الصورة المرعبة عن أقسى أنواع الإجرام، بلقاءات مع الصحافة العالميّة، يظهر فيها، مُنكراً كلّ شيء، وغير مبالٍ إزاء أيّ شيء، كأهبل قاتل يتفلسف.
الأخطاء بالمقابل، في إعلام الثورة كانت جسيمة، ولا تشفع لها قلّة الإمكانات الداعمة، فقد قدّمت صورة صادقة في البداية، رغم انعدام الإمكانات، لكنّها فيما بعد صورة هزيلة مشوّهة، في وقت كان لديها ما يشبه المؤسّسة، أي داخل الحكومة المؤقّتة.

تأخّر نقل العالم لصورة الثورة السوريّة بداية، لكنّ إصرار الشعب السوريّ على إظهارها، بوسائل أقلّ من بسيطة (موبايل، وسائل تواصل اجتماعيّ) أجبر العالم وإعلامه على الالتفات إلى قيام هذا الشعب العظيم، وتضحياته غير المسبوقة.

على أجنحة الألم انتشرت أهازيج القاشوش، وتردّدت في كلّ مظاهرات الثورة السوريّة، ولم ينفع اقتلاع حنجرته في إسكات الأمل النابض برحيل المستبدّ، وإزالة العصابة. في مواجهة الموت وقف الشعب السوريّ مع بعضه ينادي من كلّ شبر (حنّا معاك للموت).

أمّا بعد إخراج التنظيمات التي كانت أجهزة العصابة تحتفظ بها، وتستخدمها لتنفيذ عمليّاتها في الدول المجاورة، واستجلاب مكمّلاتها من شتّى بقاع العالم، فقد تمّ دعمها، بداية بالتسليح المباشر، كما حصل عندما تمّ ترك سلاح الجيش العراقيّ المنسحب، أو في صفقات تبادل النفط الخام بالأسلحة في البادية السوريّة، بعد ذلك، دُعمت بأجهزة ووسائل الإعلام، ليّقال: إنّ الشعب السوريّ ليس هم من قام وطالب بحرّيّة أو كرامة، بل هي تنظيمات عالميّة إرهابيّة، وعلى العالم جميعه أن يحاربها.

قامت هذه التنظيمات بدورها، على أكمل وجه في تغييب الحراك الثوريّ بالمعنى المباشر، كمنع المظاهرات، وسلّطت الضوء الإعلاميّ على الأعمال الإجراميّة التي تقوم هي بنفسها بها، كإعدام الصحفيّين الأجانب، أو إعدام النساء في الساحات العامّة (إقامة الحدّ) مع تفنّن في أنواع التعذيب والقتل الفظيع، بأسلوب إعلاميّ دعائيّ يعطي المفعول المطلوب من أجل الترعيب، والتأكيد على مصطلح الإرهاب.

في كلّ ذلك، كان العالم يقف بين جامدٍ أو راضٍ أو مساندٍ، وبمعظم الحالات متملّصاً من مهمّته الإنسانيّة البدهيّة في الدفاع عن الشعب السوريّ الذي راح ضحيّة للطرفين، وكانت واسطتها الإعلاميّة هي التجربة الروسيّة في الشيشان، كاستنساخ لما قامت به عصابة المافيا الروسيّة الحاكمة هناك، من إبادة وتصوير مزيّف للواقع. ذلك أيضاً، بعد أن جهّزت عصابة المافيا الروسيّة قواعدها واستكملت سيطرتها العسكريّة والإعلاميّة، فقد صارت تطلق على رأس العصابة ألقاباً (ذنب الكلب)، وتظهره في أشرطة فيديو متفاجئاً، لا يعرف أين هو، ومع من سيلتقي منهم، كأيّ قاتل أهبل مرعب.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*