طريق الموت

زيتون – غادة باكير

لعبت الظروف التي تمر بها سوريا خلال الأعوام الستة الماضية على زيادة الضغوطات على المرأة السورية، وتحملها لأعباء تثقل كاهلها، لتجد نفسها إما زوجة معتقل أو أرملة شهيد أو زوجة مفقود، فضلاً عن كونها نازحةً ومتشردة. 

أم عادل ذات السنوات الست وعشرون، والتي حملت غصة في قلبها سترافقها طيلة عمرها حسب تعبيرها، حالها حال العديد من السيدات السوريات اللواتي فقدن استقرارهن ومنازلهن، ولكن كارثة أم عادل أنها فقدت وطنها.
ولدت أم عادل وعاشت في باب سريجة بدمشق، وأم لثلاث طفلات لجين في الصف الثالث الابتدائي ولين في رياض الأطفال وبيان ذات العامين والتي لا تدرك ما يحدث حولها.

تم استدعاء زوجها مدرس التربية الإسلامية في المدرسة الثانوية للخدمة في صفوف جيش النظام، ولم يجد أمامه سوى قرار الهروب من دمشق، وتولت أم عادل بيع المنزل من أجل تأمين مصاريف السفر وفترة الإقامة الأولى في تركيا، ريثما يجد زوجها عملاً هناك.

اصطحبت أم عادل حقيبتين من الملابس مع بناتها الثلاث، وهو كل ما تبقى لديها من ذكريات الوطن، لتبدأ رحلة شاقة في طريق السفر ما بين دمشق وإدلب.
لم يكن الطريق كما تخيلته، فبعد معاناة طويلة بدأت في 20/11/2016، للخروج من دمشق والصعوبات التي واجهتها على حواجز قوات الأسد، حيث تمت إعادتها إلى دمشق أكثر من مرة، قررت اللجوء لطرق الموت، لتسقط في دوامة المهربين ووعودهم وجشعهم لتتمكن من الوصول إلى محافظة إدلب في 22/1/2017، حيث اجتازت بذلك المحطة ما قبل الأخيرة للدخول إلى تركيا.
لم تكن «أم عادل» تتخيّل أنها ستواجه هذه الصعوبات، فقد كانت تظن أنها بمجرد وصولها إلى المناطق المحررة سترتاح من العذاب والشقاء.

ولكن هنا كانت المفاجأة، حيث وجدت أم عادل نفسها وبناتها الثلاث أمام العديد من الحواجز الجديدة، ولكن هذه المرة اختلف القائمون عليها، اختلفت أشكالهم وطريقة تعاملهم والأشياء التي يدققون عليها.. كل شيء اختلف عليها في محطتها الجديدة.
كانت أم عادل تظن أن هذه المناطق تنعم بالأمن أكثر من مناطق النظام التي يتحكم بها شبيحته ويداهم عناصره بيوتها، ولكن الجشع الذي وجدته يسيطر على النفوس هناك فاجأها، وأفقدها الأمل في أمور كثيرة، وغيّر حساباتها تماماً، فقد كانت أم عادل تظن أن ثمن منزلها الذي باعته سيؤمن لها ولعائلتها حياة لا بأس بها عند وصولها إلى تركيا، ريثما يجد أبو عادل عملاً يؤمن لهم حياة كريمة، ولكن ما حدث أن المبلغ ذهب مع الريح ما بين المهربين إلى إدلب، والمهربين من إدلب إلى تركيا، ودون جدوى.

فقد وجدت أم عادل نفسها وعائلتها رهينة منزل على الحدود السورية- التركية، يعود لأحد المهربين، ومع أناس غرباء لا تربطها معهم أية صلة، سوى أنها تتقاسم وإياهم ذل التشرد، وخوف البقاء في ذلك المنزل، وطعم الجوع والبرد، ومشقة محاولات شبه يومية للدخول إلى تركيا.

وتبقى أم عادل وعائلتها، حالها حال آلاف السوريين الفارين من بطش نظام الأسد، واستغلال تجار الحروب.
تنظر إلى تلك المسافة القصيرة التي تفصلها عن حلمها بمغادرة الأراضي السورية والدخول إلى تركيا، وتعيش مع القلق الجاثم على صدرها من أن يتبدد ذلك الحلم البسيط- المعقّد، بعد أن خسرت كل ما تملك من ممتلكات مادية ووطن، غير قادرة على الرجوع، وغير مدركة لما ينتظرها في الاستمرار، وجاهلة بنهاية المطاف على طريق الموت ورحلة الشقاء.

الصورة رمزية

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*