الصيدليات العشوائية.. سبباً آخر للمعاناة في المناطق المحررة وإجراءات لإغلاقها

زيتون – كرم إبراهيم 

انتشرت الصيدليات العشوائية غير المرخصة في المناطق المحررة، منذ بداية الثورة السورية وحتى يومنا هذا، لتزداد تدريجياً مع الزمن، ما أثر سلباً على الواقع الصحي في هذه المناطق، حيث يزاول الكثير من الأشخاص ممن لا تتجاوز خبرتهم الـ 40 بالمئة في مجال الصيدلة، في ظل غياب كامل للرقابة على هذا القطاع المهم جداً في هذا الوقت الحرج، لاسيما في ظل القصف الأسدي الوحشي والأمراض والأوبئة التي انتشرت وهروب الكثير من العاملين في المجال الطبي إلى خارج سوريا.

الصيدلاني «نور الحسن» قال لـ «زيتون»:

«شاهدت كثيراً من الأشخاص ممن لا تتوفر لديهم الخبرة الكافية للقيام بمثل هذه الأعمال، ومنهم من يقوم بتزوير شهادة تدل على مزاولته المهنة في وقت سابق ومنهم من يفتح صيدلية بدون تلك الأوراق دون الخوف من أحد وأساساً الرقابة معدومة في المناطق المحررة».

وأثرت مثل هذه الأعمال سلباً على سكان المناطق المحررة، وشكلت خطراً جدياً عليهم، حيث سجل حالات كثيرة ناجمة عن إعطاء أدوية بشكل خاطئ من قبل أشخاص زاولوا الصيدلة دون دراسة أو شهادة حقيقة، ومنها حالات وفاة.

«خالد نور الدين» من أهالي ريف إدلب قال لـ «زيتون»: «أعطى صاحب صيدلية في قريتي حبوب «البروفين» لزوجتي الحامل، ما نتج عنه مخاطر كبيرة أصابتها وتم نقلها إلى المشفى فوراً واضطر الأطباء إلى عملية إجهاض الجنين للحفاظ على حياة الأم، وأنا بدوري أوجه نداء للمسؤولين والمعنيين ومن يهمه الأمر لإيقاف هذه الظاهرة الخطيرة جداً».

وما ساعد على انتشار هذه الظاهرة الخطيرة، هو الحاجة المتزايدة للدواء وغياب الرقابة وعدم قدرة الجهات المسؤولة عن القطاع الصحي في المعارضة مثل مديريات الصحة وغيرها على وقف انتشار هذه الظاهرة أو إيقاف الصيدليات المخالفة، وذلك لعدم امتلاكها القدرة على فرض قرارات جدية لمعالجة الأمر.
الصيدلانية «أمل سالم» قالت لـ «زيتون»:
«بات من السهل جداً لأي شخص افتتاح صيدلية بدون ترخيص أو أوراق ثبوتية، فهي أصبحت بمتناول يد كل شخص يملك رأس المال وكمية من الأدوية حتى لو كانت محدودة، ويكفي أن يكون الشخص لديه معرفة بسيطة بأنواع الأدوية، دون الإلمام بالتأثيرات الجانبية لكل نوع من الأدوية».
وأضافت «الصيدلانية» : «أغلب الأشخاص قبل افتتاح صيدليات خاصة بهم يزاولون المهنة في إحدى الصيدليات لمدة لا تتجاوز الشهرين في معظم الأحيان، في الوقت الذي يدرس فيه الصيدلاني الأمور المتعلقة بالأدوية لمدة خمس سنوات في كلية الصيدلة، والطبيب في كلية الطب البشري ليكونوا قادرين على وصف الدواء المناسب لكل حالة مرضية، في حين يأتي اليوم أصحاب الصيدليات العشوائية ليصفوا أي دواء لديهم القليل من المعلومات عنه».

ومن أهم الأسباب الأخرى التي دفعت هؤلاء الناس على مزاولة مهنة غير مهنتهم الأساسية، هو مغادرة كثير من أصحاب الصيدليات المرخصة ممن يحملون شهادة الصيدلة، إلى خارج البلاد بسبب الظروف القاسية التي تعيشها المناطق المحررة من قصف يومي وعشوائي، وهذا الأمر ساهم بشكل كبير بانتشار الصيدليات العشوائية الغير مرخصة.
في الآونة الأخيرة، وبعد ورود عدة شكاوى حول الصيدليات العشوائية، قامت مديرية الصحة الحرة في محافظة إدلب باتخاذ إجراءات متعددة في سبيل إيقاف تلك الصيدليات المخالفة، عن طريق إجراء جولات على الصيدليات في عدة مناطق من محافظة إدلب، وأرسلت إنذارات لأصحاب الصيدليات العشوائية لإغلاقها.

فقد قامت مديرية صحة إدلب دائرة الرقابة الدوائية بالتعاون مع إدارة مدينة إدلب أمس الأربعاء بإغلاق منشأة تصنيع أدوية غير مرخصة تقوم بتصنيع مستحضرات دوائية مخالفة لشروط التصنيع الدستورية مؤكدة على أنها تعمل على تحقيق شعار “غايتنا …دواء فعال وآمن”.

«زيتون» التقت مسؤول قسم الرقابة الصيدلانية في مديرة الصحة الحرة في محافظة إدلب الدكتور «مصطفى السيد الدغيم»، والذي قال:
«قامت المديرية بإجراء جولات ميدانية في مدينة إدلب وريفها، وتم إجراء مسح شامل لأغلب الصيدليات المخالفة الغير مرخصة والتي لا يديرها صيادلة، ومن ثم تبعها إجراء ثاني وهو توجيه إنذارات بالإغلاق لهذه الصيدليات المخالفة في حال عدم مراجعة مديرية صحة إدلب وتسوية أوضاعهم، وذلك بالتعاون مع الهيئات التنفيذية في إدلب وريفها».
وأضاف «الدغيم»: «فعلاً تجاوب عدد لابأس به من أصحاب الصيدليات المخالفة في مدينتي إدلب وأريحا، والقسم المتبقي تم إغلاق صيدلياتهم بشكل نهائي، كما تم توجيه إنذارات بالإغلاق للصيدليات المخالفة أيضا في كل من بنش وسراقب ومعرة مصرين، وذلك استكمالاً للخطة التي قمنا بها من أجل إغلاق هذه الصيدليات ومكافحة ظاهرة الصيدليات العشوائية الغير مرخصة، وبالقريب العاجل أيضاً سوف يتم إرسال إنذارات بالإغلاق بنفس الطريقة للصيدليات الغير مرخصة في بقية مناطق المحافظة».

وأشار «الدغيم» في حديثه لـ «زيتون»، إلى أن هناك عدة طرق لمعرفة الصيدليات الغير مرخصة، وأصحاب الصيدليات الغير حاصلين على شهادة الصيدلة، أهمها وجود سجلات لدى مديرية الصحة الحرة في محافظة إدلب، بأسماء الصيادلة حتى عام 2015، موجودة في نقابة صيادلة إدلب السابقة، بالإضافة إلى طرق أخرى بسيطة بالنسبة للمديرية ولقسم الرقابة الصيدلانية، مبيّناً أنهم على إطلاع كامل بالأمر.

هذا ولا توجد إحصائية شاملة لكافة المناطق المحررة، ولكن عدد الصيدليات المخالفة كبير نسبياً، ففي مدينة كفرنبل بريف إدلب الجنوبي، وحدها يوجد ما يقارب الأربعين صيدلية غير مرخصة، في المدينة التي لا يتجاوز عدد سكانها 35 ألف نسمة، وذلك وفقاً لآخر إحصائية أصدرها المكتب الطبي في المدينة.

ربما جاءت قرارات مديرية الصحة الحرة في محافظة إدلب، حول الصيدليات العشوائية متأخرة نوعاً ما، ولكنها بعثت أملاً في نفوس أهالي محافظة إدلب، في إنهاء مأساة الأخطاء الطبية الناتجة عن إعطاء أدوية غير مناسبة لكل حالة مرضية، وذلك عن طريق الصيدليات الغير مرخصة، ولكن وعلى الرغم من البدء في تطبيق قرار إغلاقها، إلا أن هذا القرار سيبقى محدوداً إن لم توجد آلية للرقابة الدائمة على الصيدليات.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*