شباب في المنفى

11951867_10153214634602984_3863675323641124929_n

«بالنسبة لي، أوروبا لم تكن شيئاً جديداً عليّ، كنت أعيش في بلدي حياة أوربية، بإيجابياتها، بغنى عن السلبيات التي أراها على أرض أوروبا الآن.
«س.حسن» وهي شابة كردية في العشرينات من العمر تقول متحسرة: «مستحيل أن أعود الآن، لم يبقَ شيء استمرُّ عليه في سوريا، مقومات الحياة منتهية بشكل كامل، لكن إذا حصلت على شهادتي وأخدت جنسيتي الألمانية من المؤكَّد أني سأعود، ومن الممكن وقتها أن تكون سوريا استعادت جزءاً بسيطاً من حياتها الهادئة التي عشناها قبل الثورة».
الحرية

“أوقفت كل شيء، و هاجرت إلى بلاد الحرية الباردة أفضل لي من بلاد القمع والمنع الدافئة. أشعل حسن قصاص سيجارة جديدة، وتابع حديثه من منفاه البارد”: 
قدمت لي أوروبا ما أحتاج من حرية وأمان لأمارس حياتي مثل البشر.» طريق طويل ومعاناة قطعها حسن ليصل إلى هذه النقطة، كان حسن طالباً في كلية الحقوق «سنة ثالثة» وطالبا في كلية الأدب العربي في لبنان «سنة ثانية».
يحاول حسن الآن البدء من جديد وهو في السادسة والعشرين من العمر في جامعة أوسلو في النروج حيث قال :
قدمت طلباً لجامعة أوسلو قسم «الأدب العربي والثقافات» و طلباً آخر لمدرسة الأفلام لأتعلم الاخراج.
يستغل حسن كل دقيقة من وقته ويتمتع بنشاط لافت، حيث يشارك في الفعاليات الثقافية والاجتماعية بشكل شبه يومي، وهو سعيد بلقائه بمثقفين سوريين وعرب استفاد منهم، إلا أن جو الحرية هو ما كان يبحث عنه حيث قال: (أنا الحمد الله وقت كنت بلبنان ما كنت خاف من حدا و لحد الآن ما بخاف ولا رح خاف لأن الحياة فرصة واحدة لا تتكرر، عندما تموت لن تعود للحياة مرة أخرى، لتقول ما كان في قلبك)
حسن يريد العودة، ولكنها فرصته الأخيرة ليدرس ويتعلم ويكوِّن حياته وقد عبّر عن ذلك بقوله:
«أنا سأعود في الوقت الذي ترجع فيه الثورة إلى طريقها الصحيح . أنا ليس لدي موانع للعودة الآن أيضاً إلّا أني أخشى أن أخسر حق اللجوء في النروج لأنه ممنوع علي العودة قبل حصولي على الجنسية النرويجية» رغم نشاط حسن وتفاعله مع الناس إلا أنه لم ينكر الصعوبات التي تعترض حياته هناك، فهي تجربة جديدة تجربة ليست سهلة، لا يستطيع الكثيرون للأسف الاستفادة منها، وجني الثمار، أوروبا قاطبةً مثلها مثل أي بلد في العالم قد تجد فيها الحسن والسيء.
الوقت

يقول غيث عباس، مهندس شاب، وصل إلى ألمانيا منذ شهور:
(خايف من الوقت.. الألمان متل الماكينات فعلاً، ولازم نتعود على طبيعة الحياة هنا بسرعة، شغل خمسة أيام لترتاح يومين، تعب عدة أشهر لترتاح وتستجم عدة أيام بالرفاهية التي تريدها. تعب غيث كثيراً من الحواجز، وجوّ الجامعة الأمني، ولكنه حصل على شهادته أخيراً، وسافر. ما يزال غيث في طور تعلُّم اللغة ولكنه يملك شهادته التي كلفته الكثير من الصبر والتعب، يشعر بالقلق من احتمال طول فترة غربته ويقول: «كل حدا أهلو جوا سوريا أكيد رح يرجع، إذا رجعت وما في شغل أكيد ما بطول بالبلد.. بس أكيد ما بهجر أهلي كتير».
هو وجد فرصته أخيراً في مكان بعيد ويقول موضحاً: «أوروبا هي فرصة لشبابنا ليبني نفسه، ويأسس بشكل صحيح في حال عدنا و بدنا نعمر.
هجرة دائمة

طارق الجلبوط، شاب سوري فلسطيني شارك قبل الثورة ببعض الفعاليات الثقافية والسياسة الفلسطينية، كما شارك في الثورة كمدني بالأعمال الاجتماعية مثل الإغاثة والدعم النفسي للأطفال, يقيم طارق في السويد منذ سنة وثلاثة شهور، وينوي الاستقرار هناك ,ويقول واصفاً حالته: الذي يخيفني من العودة هو أنني أريد إكمال حياتي بجو صحي ومجتمع صحي، وأريد لأولادي أن يعيشوا من البداية بمكان صحيح.» مضيفاً: «تجربة أوروبا بالنسبة لي هي نقلة كبيرة في حياتي من مكان لا مجال فيه لمجرد الحلم إلى مكان فيه الأحلام ممكن أن تتحقق». تأقلم طارق بسرعة مع المجتمع الأوروبي، وأكد على الراحة والأمان التي يشعر بها هناك , يقول: عندنا فهم خاطئ عن أوروبا، والفكر الأوروبي والمجتمع وعلاقاته, العلاقات الاجتماعية هنا ممتازة بين الناس لكنها منظمة، فإذا أردتُ أن أزور أحداً أختار وقتاً يناسبني و يناسبه- ولو كان أخي مثلاً- أكيد ما رح أفرض حالي عليه و أعطله عن شغل مهم… وهذه هي الفكرة الأساسية للعلاقات.
أحلام كبيرة

نتذكر فيلم النمر الأسود لأحمد زكي، وقصة الشاب الشرقي القادم إلى أوروبا لينجح في الرياضة والعمل.
هل ستتكرر القصة؟ لا بدَّ أن هناك أحلاماً كثيرة حملها الشباب السوريون معهم، وفهد واحد منهم.
فهد حربة قدم حديثاً إلى ألمانيا يقول: جئت هرباً من «التشبيح» وكافه أدواته، ومن التطرف وما شابه بس يصير عنا شويه ديمقراطية وتقبل آراء الغير رح أرجع طبعاً. يريد فهد أن يواصل مسيرته الرياضية فهو لاعب كرة قدم لكنه متخوف من فترات انقطاعه الطويل عن اللعب، ويحاول استعادة مستواه ولياقته، هل ستفتح ملاعب أوروبا أبوابها لفهد؟! وهل سنجد اسمه على قوائم الأندية الألمانية؟ ربما، لكن فهد يجهز نفسه، أيضاً، لينجز كورسات في الكهرباء ليحصل على سيولة مالية، فهو لا يريد أن يعيش عالة على المجتمع حسب تعبيره.
هارب قديم

هفال حسو لاجئ قديم جاء إلى ألمانيا منذ ثمان سنوات، لم يتعلم اللغة حتى الآن يقول : اللغة صارت ببلاش وإجباري من بعد سنة الألفين وثمانية.
روى لنا قصة هروبه سيراً على الأقدام من القامشلي إلى تركيا، وكيف وصل هنا ليعيش سنوات في «كامبات»، ثم خرج ليفتح دكاناً صغيرا، هفال لا يفكر بالعودة قال بصرامة:
شو بدي ساوي بسوريا ولا بغيرها، وأنا بسوريا لو ملكوني السعودية ما كنت دستها، ولا اي بلد عربي تاني غير لبنان.
من ماذا يخاف هفال؟ يجيبنا: من ولا شيء ومن كل شيء.. سوء تفاهم مع ابن … ممكن يجيب آخرتك.
ويختم كلامه قائلاً «ملخصاً خبرة سنوات من الغربة :»هون العظمة الوحيدة اللي إلها معنى، والباقي علاك اعلامي يجب توفير المسكن والمأكل والضمان الصحي لكل انسان على الأرض الألمانية بالقانون هون منيح انو بيبين الواحد ..لأن الواحد اذا ما في خبز ما بيبين هون مقبرة أنيقة.

حسين جرود