رسام الكاريكاتير هاني عبّاس لزيتون: من يساند قاتلاً فهو مثله، و لا يستحق صفة بشرية، فكيف صفة فنان!

زيتون – بشار فستق

احتفى الشبان السوريون برسومه في بداية ثورتهم وأعادوا رسمها على جدران مدنهم، ولأنه ابن مأساة قديمة، كان متوثباً ليكون مع الناس تحت القصف، عبرت رسومه عنهم فأحبوه..
يقول أنه كفلسطيني ينتمي للإنسان ولذلك حين بدأت الاصطفافات وقف إلى جانب الضحايا، لم تتحمل لوحاته أثناء وجوده في سوريا أكثر من الأسود والأبيض والأحمر، هي الألوان التي كانت متوفرةً بكثرة فاكتفى بها كما يقول في إحدى مقابلاته:
«لطالما قلت لنفسي ربما تكون هذه لوحتك الأخيرة، ارسمها بنبض وجمال أكثر، تحد الموت في خطوطها».
«أن تعيد مشهد والد محمد الدرة وهو يحمي ابنه من الرصاص عشرات المرات كل يوم، أن تعيد ترتيب أعضاء أجساد جيرانك بعد أن زارتهم القذيفة. هنا لا بد من التعبير».
«أمام كل هذا الدم لا يمكن للكاريكاتير أن يكون ساخرا، لا يمكن أن نحكي طرفة في مجلس عزاء».
كان لزيتون معه هذا الحوار:

– لعلّ ارتباط فنّ الكاريكاتير هو الأشدّ من بين الفنون بالحدث السياسيّ اليوميّ. كفنّان وأستاذ للفنّ، كيف ينظر هاني عبّاس إلى علاقة الفنّ بالسياسة؟

برأيي هنالك التباس بمفهوم السياسة، حيث ارتبط هذا الاسم بالعمل الدبلوماسي و شؤون الدولة وعلاقاتها،وابتعد عن معناه الأصلي، يمكن أن نقول أن الكاريكاتير نوع خاص من الفنون مرتبط بالشأن العام بشكل أوثق من بقية الفنون، لقدرته على تبسيط الأفكار والمفاهيم و حتى المواقف، وارتباطه عملياً بكل جوانب الحياة فهو يستطيع تناول أي قضية، بالإضافة إلى أنه فن مسؤول أمام الناقد الفني والنقد الثقافي والنقد السياسي والاجتماعي.. إلخ.

إحدى رسوم الفنان هاني عباس على جدران سراقب – زيتون

بالعودة إلى السؤال، الفن هو تعبير عن حالة نفسية أو اجتماعية ثقافية مجتمعية، ولذلك لا يمكن أن ينسلخ الفن عن مجتمعه، ولا يمكن أن يكون الفن حقيقياً وصادقاً إذا غرد خارج محيطه، (هذا لا علاقة له بكسر القوالب والتحرر الفني)، أتحدث هنا عن الجزء الوظيفي من الفن، حرية الأفكار وإخراجها بشكل فني يولد بالضرورة صداماً حقيقياً مع البنية السياسية الحاكمة، وخصوصاً في المجتمعات المحكومة بقبضة حديدية، أو المحكومة بمفاهيم مغلقة، على حد سواء، هذه التصادمات تولد حالة لا استقرار في حياة الفنان الحقيقي ويشعر دائماً أنه مهدد من جهة ما أو مكان ما.

– لم تبتعد القضيّة الفلسطينيّة يوماً عن مركز اهتمام السوريّين، لكنّ في سنوات الثورة الستّ ظهرت المعاناة الفلسطينيّة السوريّة واحدة، وخاصّة في النزوح واللجوء، هل استطاع فنّ الكاريكاتير التقاط هذا التلاحم الجديد؟

هذا تماماً ما حصل، جرت المقاربات الكبيرة بين المعاناة والمأساة التي عاشها ويعيشها الشعب الفلسطيني بسبب الاحتلال الصهيوني وبين المعاناة والمأساة التي يعيشها الشعب السوري بسبب الاستبداد والإجرام الذي يمارسه النظام وما يعرف بمحور المقاومة، وهنا أود أن أشير إلى عدم الوقوع في فخ المفاضلة بين القمعين والاستبدادين، الصهيوني والأسدي الإيراني الروسي، فكلاهما يمارسون الإرهاب بحق شعوب المنطقة.

– تُرمى الاتّهامات -وحتّى التخوينات- في وجه المثقّف والفنّان، على أساس أنّه لم يستطع أن يقدّم للثورة السوريّة ما تستحقّ، وأنّ بعضهم خذل الشعب باصطفافه إلى جانب نظام العصابة الحاكمة، أو كان صامتاً، أو..، ماذا على المثقّف أو الفنّان أن يفعل، وما هو دوره الحقيقيّ في الثورة؟

دور الفنان وأي شخص، ليس فقط الفنان، كل الناس لها دور معين يستطيع فيه أن يعبر عن موقفه على الأقل هذا اضعف الايمان إن جاز التعبير وفي الحالة السورية يبدو أن مجرد عدم مساندة القاتل هو دور مهم وكبير، شاهدنا بعض الفنانين يصطفون مع النظام ويبررون ما يقوم به من قتل وإرهاب، وهذا حدث ويحدث في كل الثورات عبر التاريخ، ولأسباب عديدة يدعونها أو يظهروها لا يمكن تبرير أي سبب منها.
فمن يساند قاتلاً فهو مثله و أكثر، ولا يستحق صفة بشرية فكيف صفة فنان !

– يحمّل البعض فنّ الكاريكاتير مسؤوليّة كبيرة في إيصال جوهر القضيّة السوريّة إلى الغرب، لخصائص هذا الفنّ العالميّ اللغة، السريع التوصيل، سيّما وأنّ تشويهاً كبيراً تعرّضت له هذه الثورة، وتمّ الخلط المقصود حين عُتّم عليها ووُصمت في وسائل الإعلام بالإرهاب، هل يُتاح لكم المنبر حقّاً لإيضاح الصورة؟

أي إنسان يحمل موقف حقيقي وصادق يستطيع أن يقوله أو يعبر عنه بالمساحة التي يمتلكها، وإن لم يستطع فليصمت، في الغرب هنالك أيضاً مشاكل في حرية التعبير الأمر ليس وردياً كما يظن البعض، إلا أن الميزة هنا هي أن كل شيء يتم ضمن قانون، وليس كما يحدث في الدول الاستبدادية حيث القمع والقتل والاعتقال والتنكيل، الكثير من الفنانين بذلوا قصار جهدهم وقدموا الكثير، الرسائل ترسل وتصل إلى صندوق البريد، لا يمكن لساعي البريد أن يفعل أكثر من ذلك، نتأمل خيراً دائماً.

– أثارت رسوم كاريكاتيريّة صدرت في الغرب ردود أفعال عنيفة، حين تناولت شخصيّات أو مقدّسات لدى المسلمين، ما هو مفهوم الغرب لحريّة التعبير؟
المجتمع الغربي وأتحدث هنا عن المواطنين أو معظم المواطنين، لا أحد يحب أن تتعرض مقدساته لأي نوع من السخرية أو الإساءة، و بكافة الأديان والطوائف الموجودة، ما حدث مؤخراً هو عملية ضخ شعبوي كبيرة جداً تجاه أحد المكونات الدينية، ورافقه عمليات إرهابية شنيعة استغلت بالتأكيد لتزيد هذا الضخ الإعلامي والشعبوي ضد هذا المكون، أي أن حرية التعبير حتى بالغرب وفي أكثر الأماكن حرية، مقننة بشكل غير معلن، ويتم محاسبة المتجاوز إذا وفقط إذا أسفر منتجه (الفني) أو (الفكري) عن مشاكل تؤثر على بنية المجتمع.
هذا ما ألمسه فقط من خلال تواجدي هنا، لا أعرف إن كان الفضاء مفتوحاً بشكل أكبر أو بشكل مطلق، ولكن ما أعرفه أن هنالك محاسبة، هذا لا يختلف عليه أحد، المحاسبة هنا تحت القانون، وتتم بشكل حضاري.

*الفنان الفلسطيني/ السوري مواليد 1977 ابن مخيم اليرموك لجأ إلى لبنان بعد الثورة السورية ومنها إلى جنيف ليدرس فن الكاريكاتير هناك حيث يستقر.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*