لا سوس ولا معروك في رمضان الخيام

زيتون – محمد أبو الجود
لا سلاسل بأيديهم، ولكنهم أسرى الخيام، أسرى لعجزهم وفقرهم، هنا المغيبون قسراً عن الحياة، تزيد معاناتهم مع قدوم شهر رمضان، وسط غياب كامل لأبسط مقومات المعيشة.


مخيم الوليد
مخيم “الوليد “والذي أنشأ منذ سنوات، يقطنه ما يقارب الـ 250 نازحاً، حيث تنتشر عشرات الخيام العشوائية، تأوي 45 عائلة نازحة، في ريف ادلب الجنوبي، غالبيتها بنيت على عجل، بين الكروم المتطرفة.
تحكي أم محمد معاناتها وهي تتحضر لإشعال النار على موقد الحطب لتعد وجبة الإفطار المؤلفة من طبيخ برغل وعيران: “تعودت الطبخ على “الدفاية” بسبب غلاء اسطوانة الغاز، أحاول قدر الإمكان إعداد وجبات يومية لعائلتي، بأقل التكاليف، أتمنى لو أستطيع إسعادهم بوجبات ألذ، فالصيام طويل والجو حار، لكن وضعنا المادي صعب جدا”.
وتضيف في محاولة للمقارنة بين أيام رمضان في البيت ورمضان في المخيمات:”حين كنا في بيوتنا كنا نعد الكعك والمعمول في رمضان استعداداً للعيد، أما الآن فنحن مهجرون وبعيدون عن منازلنا، لا أجواء لرمضان هنا، ولا أفراح، ولا صلات اجتماعية، أتطلع للعودة لأعيد تحضير المعمول بعجوة التمر وكذلك الكعك”.

مخيمي زوغرة والجبل في جرابلس
يضم مخيمي زوغرة والجبل في مدينة جرابلس بريف حلب الشرقي أكثر من 8 آلاف نازح، من مدن وبلدات ريف حلب ومن أهالي حي الوعر الحمصي ومحافظات الرقة ودير الزور.
يقول “إبراهيم” من نازحي مخيم زوغرة لزيتون: “بدءأ بالحاجات الأساسية اللازمة لحياة كل إنسان، نحن كنازحين في مخيمي “زوغرة والجبل” نفتقد إلى المياه بالدرجة الأولى سواءً الصالحة للشرب أو اللازمة للاحتياجات اليومية، بالإضافة إلى النقص الحاد في الخيام واضطرار عدد من العائلات حتى في هذا الحر الشديد وفي أيام رمضان، للسكن في ما يسمى “الهنغار”، وسط الحر والصيام، كما نفتقد للكهرباء ونصحو قبيل الفجر لتناول سحورنا وسط ظلامٍ دامس يسود أرجاء المخيمين”.
أما بالنسبة للغذاء فيقول “أبو عماد” من أهالي مخيم الجبل في جرابلس: “كل يوم تأتي إلى المخيمات لجنة إغاثية باسم وشكل مختلف، تقوم بالتصوير وتسجيل بيانات العائلات، ولكنه مجرد حبر على ورق ليس أكثر، ولم نرى نتيجة منذ نحو 10 أشهر وحتى الآن، وحتى قدوم رمضان لم يغير في الأمر شيء”.

تجمع أطمة
يضم تجمع أطمة أكثر من 21 مخيماً، يقطنها نحو 170 ألف نازح، معظمهم من ريفي إدلب وحماة.
وحال مخيمات أطمة ليس بأفضل من حال سابقاته، بل ربما تزيد مشكلة الصرف الصحي في أجواء الصيف وضعف مقاومة الجسم في شهر رمضان من مخاطر انتشار الأمراض بين النازحين.
“أبو أحمد” من أهالي ريف حماة، ونازح في مخيم أطمة قال لزيتون: “بالإضافة إلى افتقادنا لمنازلنا واجتماع عائلاتنا على موائد الإفطار في رمضان، وعلاوةً على كل الاحتياجات التي نفتقر إليها في المخيم، من غذاء وماء وخيام صالحة للسكن، نخشى من الأمراض التي قد تتسبب بها مجاري الصرف الصحي في طرقات المخيم، لاسيما في هذا الحر الشديد وفي شهر رمضان”.

لا وجود لبائع السوس والمعروك في المخيم
تفتقر المخيمات التي تنتشر على الحدود السورية التركية، إلى مقومات الحياة الاجتماعية التي تبرز بقوة في شهر رمضان وأيام الأعياد وهو ما يؤكده “أبو لؤي” ذو 60 عاماً، وهو أحد المقيمين في مخيم الوليد بقوله:
“لا أجواء رمضانية في المخيمات، لم نعد نمارس طقوس هذا الشهر الفضيل، غالبيتنا مفجوع بشهيد أو مفقود أو منزل مهدم، كان سابقاً رمضان مناسبة للفرح، ننتظره بشوق، نهتم بأدق التفاصيل لنستمتع به ونسعد أطفالنا بشراء الألبسة والهدايا، أما الآن فالوضع اختلف كثيراً، وبتنا غرباء عن بيوتنا”.
وتنتشر ظاهرة الإفطار الجماعي بمحافظة إدلب بين العائلات بشهر رمضان، إذ يجتمع الأخوة والأخوات المتزوجين في منزل الأهل بهدف زيادة الروابط الاجتماعية بينهم، وتمتين الأواصر الأسرية، ما يضفي جواً احتفالياً على موائد الإفطار.
وعن العادات والطقوس يقول أبو لؤي: “كنا نتبع تقليداً عائلياً في رمضان، وهو أن نفطر يوميا في منزل أحد الإخوة ونتبادل العزائم، ولكن الحرب دمرت كل شيء، وشتت الأخوة الذين ظلوا على قيد الحياة”.
الطفل خالد أحد أطفال المخيم يقول أنه لا يحب خيمته ويرغب بشدة للعودة إلى منزله وحارته واللعب مع رفاق حارته، ورغم لعبه مع بعض أقرانه بالقرب من الخيمة المدرسية الممزقة والمهجورة منذ مدة إلا أنه لا يزال يلح على عائلته بالعودة إلى المنزل.

ويؤكد تقرير صادر عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية لعام 2016، نزوح ما يقارب من 6 ملايين سوري داخل البلاد نصفهم من الأطفال، يحتاج أغلبهم إلى مساعدات غذائية وتعليمية وطبية.

ويرجع “عبد السلام رحمون” أحد مسؤولي المخيم غياب الطقوس والأجواء الرمضانية عن المخيم إلى الأوضاع الاقتصادية التي يمر بها النازحون، وافتقارهم الى المؤن اللازمة وعدم وجود مصادر دخل لهم وغلاء الأسعار بما يفوق قدرتهم على تسوق ما يلزم في مقابل تخلي الكثير من المنظمات التي كانت تدعم المخيم عن الدعم وابتعادها عن الشأن السوري بشكل عام”.
ويشدد الرحمون على أن مخيم الوليد من أكثر المخيمات مأساوية إذ لا مياه باردة للصائمين، وسعر قالب الثلج قد بلغ 600 ليرة سورية يعجز عنها أغلب نازحي المخيم في وقت لا يجدون فيه ثمن الخبز”.
في حين يقول عضو مجلس الإدارة في تجمع أطمة “أحمد العمر”: “إن السنتين الماضيتين شهدتا قلة في المساعدات التي تخص الألبسة والأغذية وحليب الأطفال وغيرها، ما أثقل كاهل العائلات الفقيرة التي لا تتمكن من تأمينها”، مشيراً إلى أن الدعم المادي يحول أمام أي مشروع يخص الأهالي، وأن جلّ ما تستطيع إدارة التجمع فعله هو التواصل مع المنظمات والجهات المعنية وتقديم المعلومات والإحصائيات علّها تأتي بنتيجة لصالح الأهالي.
وهو ما تجلى بوضوح في توقفت الخيمة التعليمية في مخيم الوليد عن العمل بعد توقف الدعم المادي لها بحسب ما أكده مدير المكتب التربوي في مؤسسة أفكار الإنسانية “وسام درويش” لزيتون بقوله:
“توقف دعم الخيمة التعليمية في مخيم الوليد، منذ بداية الشهر الرابع من العام الجاري، وكان يدرس فيها 40 طفلا، وذلك ضمن قرار صادر عن رئاسة المؤسسة بإيقاف العمل في كافة المشاريع في ريف إدلب الجنوبي، دون توضيح الأسباب”.
وذكر الدرويش: “أن المنظمة سابقا كانت تقوم بدعم كامل للخيمة التعليمية من رواتب للمدرسين وقرطاسية وهدايا للأطفال”.
قد تتشابه ظروف المخيمات التي وجدت على هامش المأساة السورية، والتي تشهد حالياً نقصاً حاداً في كل شيء، لكن النازحين فيها ما زالوا متمسكين بحلم العودة والحياة الكريمة الهادئة كبقية شعوب العالم، ويرون أنه ربما يكون قد اقترب بعد وقف القصف في معظم المناطق.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*