في صراع الفرح والأسعار.. الفقير هو الضحية

خاص زيتون
تتسابق كاميرات الوكالات والمواقع الإلكترونية والصحف المطبوعة، مع اقتراب حلول الأعياد لالتقاط أجمل الصور لما لذ وطاب من حلويات العيد التي يفترشها الباعة على أرصفة الطرقات في مختلف المدن والبلدات في محافظة إدلب، وتبحث عدسات المراسلين والمصورين عن أجمل اللقطات لأجمل المشاهد للناس أثناء تسوقهم، لكسب أكبر عدد من “اللايكات” على مواقع تلك الصحف.
ويظهر الآلاف من الناس في تلك الصور متزاحمين ومبتسمين لانتقاء الأفضل، ويتم تشكيل انطباع لدى المشاهد عن مدى الفرحة التي تعم أرجاء الداخل السوري، وتأكيد قدرة السوري على الحياة رغم الموت.
ولكن تبقى المفارقة ما بين الشكل الخارجي والصورة لما يبدو عليه السوريين، وبين حالتهم المادية والنفسية، التي تعجز تلك العدسات عن التقاطها وما يدور من غضب خلف تلك الابتسامات.
إنه صراع الذات، صراع الحاجة مع خلو ذات اليد من المال.
“عيد ممزوج بالغصات” بهذه العبارة يصف “عبد الحليم الحسين” الأربعيني والأب لثلاثة أطفال، العيد قائلاً: “دخلي الشهري يتراوح ما بين 60 – 80 ألف ليرة سورية، وفي هذا العيد كان لا بد من إكساء الأطفال ألبسة جديدة، استهلكت مني ما يقارب نصف المدخول الشهري، رغم أنها ليست من الصنف الأول”.
ويعيش معظم أرباب الأسر في صراع مع الذات، بين إدخال الفرحة لأطفاله وما بين تأمين الأموال اللازمة لتلك الفرحة، ولكن فرح الأبناء هو المنتصر دائماً، نظراً لقلة الأفراح التي مرت على الصغار خلال السنوات السابقة، ومحاولة الأهل لتعويضهم عما تعرضوا له من أهوال ورعب.
ويشير المرشد النفسي “طاهر المرسال” إلى أن فرحة العيد لا تتوقف عند فقير أو غني، فهي شعور جمعي، يأتي على الفطرة، فلو كان الفقر طفلاً، لفرح بالعيد كغيره من الناس.
“أسامة الأخرس” من أهالي بلدة بسقلا في ريف إدلب الجنوبي، يعمل موظفاً براتب قدره 130 دولار أمريكي، يعتبر أن الهروب من الواقع لا يمكن أن يحمي من المصروف الباهظ، الذي تتطلبه ألبسة أولاده الأربعة، خصوصاً أن العيد يأتي بعد شهر رمضان، وهو الشهر الأكثر انفاقاً لخصوصيته، ويرى “الأخرس” أن 47 ألف ليرة سورية ثمن ألبسة وأحذية الأطفال الأربعة دفعته للبقاء هو وزوجته بثيابهم القديمة في فترة العيد، مكتفياً بمبلغ 25 ألف ليرة ديناً عليه.
“ليس هناك أي نظرة من العطف تجاهنا، نحن صيد ثمين لأصحاب المحلات التجارية، ينتابني شعور غريب من العظمة، عندما تراقبني نظرات الباعة” هذا ما قاله “وسام الحسني” أحد عمال الأفران عن حال المتسوقين في العيد مضيفاً:

“أشعر بقيمة كبيرة وأنا أتجول برفقة أولادي الخمسة، نحن الطريدة التي يتمنى أن يصطادنا كل الباعة المتواجدين في سوق الألبسة، الأسعار العالية تعمي أبصارنا، ومقدار الربح الكبير الذي سيتم تحصيله منا، يثير شجون الشهور التي تقترنا بها على أنفسنا، لنجمع تلك المبالغ، لا يفكر أحد منهم أن ما تم توفيره في عدة شهور سابقة من راتبي البالغ 35 ألف ليرة سورية، إضافة لمبلغ المال الذي استدنته، سيذهبان هباءً منثوراً في طرفة عين”.
من جانبه يمتنع “علي الشيخ برهوم” عن دخول سوق الألبسة، فضيق ذات اليد أعاقه حتى عن امتلاك الوسائل اللازمة لتحديد النسل، فينسحب مع أولاده السبعة -والذي يبلغ عمر الكبير فيهم 12 عاماً- إلى سوق البالة المجاور، ليكسي أولاده حلة مستعملة، بسعر يتماشى مع دخله المتذبذب، والذي يكسبه من خلال عمله في قطاعة حجر البناء، معتبراً أن “البالة مهرب المعدمين وملجأ الفقراء”.
هذه النماذج ليست سوى غيض من فيض، من آلاف العائلات التي تعاني من الفقر في محافظة إدلب. ففي حين تتباهى نساء الطبقات الناشئة الغنية والمتوسطة بما حملت لهم مناسبة العيد من ملابس جديدة، تجد في الطرف المقابل أسراً أخرى تعاني الحاجة بصمت.
ترتفع أسعار الملابس والمأكولات وتتضاعف خلال “الأيام المباركة”، نتيجة لاستغلال التجار وحرصهم على كسب أكبر قدر من الأرباح، غير مكترثين بعجز فقير ولا لهفة كادح ولا نظرة طفل، لاقتناء ثياب جديدة في مناسبة تأتي بعد شهر الرحمة، سمته التآخي والتسامح، بحسب الكثير من الأهالي.
تحاول الجمعيات والمنظمات الإغاثية إيجاد الحلول البديلة للفقراء في المناطق المحررة من خلال توزيع الألبسة المجانية المستوردة “البالة”، ولكن يقول بعض المستفيدين منها، أنها لا توزع إلا بعد أن يتم سحب الجيد منها للمقربين من مستورديها وموزعيها، كما يقول أحد المستفيدين من البالات المجانية “مثنى السليمان”: “شعوري بالفرح كان عظيماً حين حصلت على قسيمة مجانية من أحد المنظمات التي تقوم بتوزيع الألبسة المجانية، وكان علي أن أتواجد في ساعة محددة في مقر الجمعية للحصول على كيس يحتوي 20 كيلو غراماً من الألبسة، ولكن إحباطي كان أعظم بعد أن اكتشفنا أنهم قد أعطونا الفضلات”.
ويرى اقتصاديون أن الأسعار بشكل عام بلغت درجة من الغلاء أصبح من غير الممكن للمواطن شراؤها لا سيما مع انهيار سعر الليرة السورية، وفقدان الرقابة على التجارة، وعدم وجود الآليات المناسبة لتخفيف الضغط على المواطن، أو ايجاد مراكز تسوق مخفضة الأسعار كالمؤسسات الاستهلاكية، ما يبقي الصراع مفتوحاً بين الفرح والأسعار لدى شريحة كبرى في المجتمع السوري.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*