28 مدرسة مدمرة في معرة النعمان.. نهضت بسواعد أهالي المدينة

زيتون – وسيم درويش

عانى طلاب مرحلة التعليم الأساسي في مدينة معرة النعمان، انقطاعاً شبه كامل عن التعليم، حيث تعرضت مدارسها لقصف مكثف، أسفر عن دمار 28 مدرسة، الأمر الذي جعل معظم الطلاب عرضة للتشتت والضياع، لم تحصل على حقها في التعليم.

مدارس بجهود الأهالي
وفي محاولة لإعادة إحياء العملية التعليمية في المدينة، قام عدد من النشطاء في بداية عام 2013 بإنشاء أول مدرسة ثورية باسم “عائشة أم المؤمنين”، اعتمدت تلك المدرسة على عدد من المعلمين والأطباء، الذين عملوا بشكل تطوعي في تلك الفترة، التي مرت بحالة من النزوح الجماعي، تناقص فيها عدد المعلمين، وقد وصل عدد المنتسبين إليها بعد افتتاحها 480 طالباً وطالبة.
ولم تكن مدرسة “عائشة أم المؤمنين” هي الوحيدة، بل التحقت بها وفي وقت قصير، لم يتجاوز الشهرين، أول مدرسة إعدادية وثانوية، افتتحتها في 20 أيار من العام نفسه جمعية “بسمة أمل” الموجودة في معرة النعمان، بالتعاون مع مشروع “غراس” الذي أطلق من قبل مجموعة من الشباب، بهدف توفير التعليم البديل، عبر إقامة مدارس ميدانية، يتم فيها تعويض ما فات من دروس للطلاب، ضمن إمكانيات المشروع، فضلاً عن الدعم المقدم من الأهالي.
أحد مؤسسي تلك المدارس، والمدير الحالي لمدرسة شريان الحياة، التابعة لمديرية التربية الحرة في إدلب، “شريف رحوم” قال زيتون:

“نزح عدد كبير من معلمي المدينة، بعد تحريرها، وبدء الاستهداف المكثف من طيران النظام في نهاية عام 2012، ما انعكس سلباً على العملية التعليمية، وتم استدراك هذا النقص، عن طريق انخراط الأطباء والمهندسين في مضمار التعليم، وقيامهم بتدريس الاختصاصات العلمية من رياضيات وفيزياء وكيمياء في الثانوية، وخاصة كادر المشفى الميداني في مدينة معرة النعمان في تلك الفترة”.

ومع بداية عام 2014، وصل عدد المدارس المؤسسة من قبل مشروع غراس، إلى سبع مدارس موزعة بين مدينة معرة النعمان وريفيها الشرقي والغربي، وتوفّر التعليم المجاني لألف طالب، بين الصف الأول إلى الصف الثالث الأساسي، عبر دورة مكثفة لمدة ثلاثة أشهر، مع تأمين تعويض بسيط ل 55 متطوع بين مدراء ومعلمين، بما سمي بمكافأة التطوع، وقتها.
وتابع رحوم: “بعد تحرير مدينة إدلب في منتصف العام 2015 تحركت عملية التعليم، وبدأ التوسع في هذا المجال وافتتحت عدة مدارس جديدة، وعاد عدد من المعلمين إلى معرة النعمان، مما أتاح الفرصة لعودة الأطباء والمهندسين إلى عملهم في المشافي، ومباشرة المعلمين عملهم في المدارس”.
رئيس مكتب التعليم في المجلس المحلي “مصطفى الذكرة”، وصف الوضع التعليمي قائلاً: “وصل المستوى التعليمي مؤخراً لمرحلة جيدة، حيث استطعنا إعادة تأهيل 20 مدرسة من أصل 28 مدمرة، بدعم من عدة منظمات منها، منظمة الباه وشفق وسيريا ريليف ومبادرة تعلم وزوم إن وأمان وعدالة مجتمعية وكرم، وذلك بكلفة إجمالية وصلت إلى 150 ألف دولار أمريكي”.
وأشار “الذكرة” إلى أن المكاتب التعليمية في المجالس المحلية، هي مكاتب مرحلية، سينتهي دورها في حال تكوين جسم تربوي، قادر على السير بالعملية التربوية في الطريق الصحيح.
ثلاث جهات تشرف على سير العملية التعليمية في المعرة
فيما يُعتبر الوضع التعليمي جيداً في المدينة، تتحكم ثلاث جهات أساسية في العملية التعليمية، ويصعب توحيد العلاقة والإدارة بين تلك الجهات، التي تنقسم ما بين مدارس تعمل بإشراف من مدراء ومعلمين تابعين للنظام، ومدارس تتبع للمكتب التعليمي والمجمع التربوي، وأخرى عائدة لمنظمات مدنية مستقلة.
وفي محاولة لاستعراض آراء المشرفين، امتنع كل من مدراء ومعلمي مدارس النظام، ومدير المجمع التربوي عن التصريح لزيتون، إلا أن رئيس مكتب التعليم في المجلس المحلي في مدينة معرة النعمان، ومدير المجمع التربوي سابقاً، شرح عن العلاقة والخدمات التي تقدم لجميع المدارس من قبل المكتب قائلاً: 
“تتلقى مدارس النظام دعماً مماثلاً لمدارس التربية الحرة من قبل مكتب التعليم في المجلس، حيث تم ترميم المدارس التي تتبع للنظام، بالتعاون مع المنظمات الداعمة، وتقديم كافة المستلزمات، من خزن وطاولات ومقاعد وسبورات، بالإضافة للكتب المدرسية والمدافئ ومازوت التدفئة، وعملياً لا تتبع تلك المدارس إلى النظام، سوى في تقديم الرواتب، التي عجزت التربية الحرة عن تأمينها لكافة المعلمين”.

ويرى معاون مدير مدرسة الدمشقي “بحر نحاس” أن واقع التعليم في مدارس الثورة، كان أفضل بكثير عما هو عليه الآن، بعد دخول وسيطرة المجمع التربوي، الذي لا يخلو أسلوب عمله من الروتين، فضلاً عن عدم توفير أي دعم إضافي، أو أي نوع من الخدمات لتلك المدارس، باستثناء الطاولات والكراسي للمعلمين، حتى أن الرواتب تقدمها “منظمة كومينكس”.
فيما أفاد المعلم “شريف رحوم”، بوجود جهاز رقابة مختص في تربية إدلب الحرة، يتألف من موجهين تربويين وموجهين اختصاصيين، مهمتهم الاطلاع على سير العملية التعليمية، ومراقبتها ومحاسبة المقصرين، وهو ما تفتقر له مدارس النظام، إذ لا يجرؤ مدير المدرسة على رفع أي عقوبة بحق أي أستاذ مقصر، خوفا من اتهامه بالعمالة.
خلاف مديريتي التربية في إدلب كابوس للمعلمين والطلاب
رغم المحاولات المتلاحقة للنهوض بالعملية التربوية، إلا أن هناك نواحي عدة، لن تجد حلاً إلا مع مرور الزمن، وتقديم جهد حثيث من قبل كافة العاملين والمسؤولين في القطاع التربوي، وأهمها بحسب رئيس مكتب التعليم “مصطفى الذكرة”، الشرخ الكبير في العلاقة بين وزارة التربية ومديرية التربية في إدلب، وانعكاس ذلك سلباً على الطلاب والمعلمين، إضافة لما حصل عند إصدار نتائج الشهادات في العام الماضي، سواء في طريقة العرض أو عملية “التنتيج”، أي نقل العلامات من ورقة الإجابة إلى قوائم النتائج إلى الملف الإلكتروني، الأمر الذي تسبب برسوب عدد كبير من الطلاب، وأساء بشكل أكبر لسمعة مديرية التربية.
كما اعتبر “الذكرة” أن تغيير برنامج امتحان الشهادات لثلاث مرات متلاحقة هذا العام، والذي سبب تشتتاً ذهنياً لدى الطلاب، من أكبر الأمثلة على التباعد ما بين الوزارة والمديرية.
وتابع “الذكرة”:

“عدم مقدرتنا على إثبات أنفسنا كتربية وتعليم قويان ومتماسكان، أمام الرأي العام العالمي، أدى لفقداننا لأقوى منحة تعليمية من قبل منظمة اليونيسف، وذهابها لصالح النظام، الذي يقدم نفسه بأنه القائم على رعاية العملية التعليمية في المناطق المحررة، من خلال استمراره بدفع رواتب المعلمين العاملين فيها، علماً أن المنحة المقدمة من تلك المنظمة، تقدم تجهيزات وخبرات كاملة، إضافة لرواتب تتجاوز 400 دولار أمريكي، يعطي النظام منها فقط ما يقارب 100 دولار لكل معلم لا يزال تحت إدارته”.

فبالإضافة إلى بعض المشاكل اللوجستية، المتمثلة في نقص الكتب والقرطاسية، والقدرة المالية على تأمين الرواتب بشكل مستديم، هناك حالة من الحرمان للمعلمين التابعين لمديرية التربية الحرة من الراتب البالغ 100 دولار أمريكي في العطلة الصيفية.
وعن الحالة التي يعيشها الطلاب ووضعهم التعليمي قال “رحوم”: “يعاني الطلاب من القلق النفسي، وذلك بسبب ما تعرضت له المدينة سابقاً من قصف، ما أساء نفسياً لهم، وملازمة علامات الذهول والشرود على تفكيرهم، رغم محاولات المعلمين بحسب قدراتهم ومعرفتهم التخفيف عنهم”.
حلول وإجراءات
“بدر دعدوش” أحد أهالي مدينة معرة النعمان، لا يرى فرقاً في التعليم بين كافة المدارس، بل يعتبر العملية التربوية غير نافعة، وحتى في أيام سيطرة النظام، لم تكن إلا قلة قليلة هي المستفيدة من العملية، في الوظائف وغيرها، واليوم وبعد 6 سنوات من الثورة، يؤكد دعدوش، أن فشل التدريس يعود لذات الأسباب نفسها، قائلاً: “أرى أن أضع أولادي في أحد المساجد خيراً من جميع المدارس”.
ويرى رئيس مكتب التعليم “مصطفى ذكرة” أن هناك إجراءات ضرورية، من الواجب اتخاذها لعودة العملية التعليمية إلى حالتها السليمة منها العمل لعتق القطاع التربوي من تدخلات الفصائل نهائياً، واختيار الكوادر بناءً على كفاءتها بعيداً عن المحسوبيات، لا سيما في صفوف التربية الحرة، واستقطاب المعلمين المرتبطين بالنظام، من خلال تأمين رواتب لهم.
في حين يرى عميد السلك التربوي في معرة النعمان “شريف رحوم”، أنه يجب إعطاء العملية التعليمية أهمية قصوى وأكبر مما هي عليه، ويجب أخذ العبرة من اليابانيين عندما بدأوا بتعليم أبنائهم تحت الأشجار خلال الحرب العالمية الثانية، مشيراً إلى أنه بالرغم من قيامنا بالتعليم في غرف شبه مدمرة، إلا أن عملية التعليم مستمرة، ونستطيع أن نقول عن التعليم في المعرة مرضي، رغم طموحنا للمزيد”.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*