عودة التعافي بشكل تدريجي للواقع الطبي في سراقب

زيتون – ربيع زيتون

شهدت المناطق المحررة في الشمال السوري خلال الأشهر الماضية تصعيداً من قبل الطيران الروسي والسوري على المراكز الصحية والمستشفيات، ما تسبب في دمارها وخروجها عن العمل واستشهاد العديد من الكوادر الطبية والعاملين في المجال الصحي، وهو ما دفع ببعض مشافي سراقب إلى إعلان حالة الطوارئ نتيجة الضغط الحاصل عن خروج أغلب مشافي ريف إدلب الجنوبي عن الخدمة، بعد أن تحملت المراكز الطبية في سراقب المسؤولية الطبية الكاملة لأهالي المدينة وأهالي المناطق المجاورة لها.

وتضم مدينة سراقب ثلاث مستشفيات بعد خروج مشفى الشفاء عن الخدمة نتيجة استهدافه عدة مرات من قبل الطيران، ويعتبر مشفى الشفاء من أكثر المشافي التي ساهمت بتقديم الخدمات الطبية في المدينة وريفها في السنوات السابقة، كما استمر كادرها بالعمل رغم كل القصف الذي تعرض له المشفى حتى دمار أجزاء كبيرة منه وخروجه عن العمل قسراً، كما تضم المدينة مركزاً صحياً وبنكاً للدم يخدم مشافي المنطقة.

ويعد مشفى الإحسان “مشفى عدي الخيري” من أهم المشافي الطبية في المدينة وريفها في الوقت الحاضر، إذ يقدم الخدمات الطبية المجانية ومعالجة الإصابات الناتجة عن القصف ولا سيما قسم العمليات الجراحية والإسعافات الأولية، من عمليات ومعاينات وإسعاف وخدمات أخرى.

وهنالك مشفى الحسن، وهو مشفى خاص تتوفر فيه كافة الاختصاصات، ومنها القثطرة القلبية، والتي تعد من الاختصاصات النادرة في المنطقة، ولديه القدرة على استقبال جميع الحالات الإسعافية بدون استثناء في حال توفر الأطباء.

أما مشفى عبد الوكيل فهو مشفى خاص بالتوليد والمعاينات النسائية، يستقبل معظم ولادات المنطقة لقلة مشافي التوليد في الريف الشرقي من المحافظة، ويقدم بنك الدم الذي تم إنشاؤه في الشهر السادس لعام 2014، مع ازدياد أعداد المصابين وحاجتهم للعمل الجراحي، زمر الدم المختلفة، والكثير من الخدمات للمرضى وللعمليات الجراحية ونقل الدم للحالات الإسعافية بشكل مستمر.

كما أثمر التعاون بين المجلس المحلي ومنظمة سوريا للإغاثة والتنمية عن تفعيل المركز الصحي في سراقب، في بداية شهر آذار لعام 2016، ويتضمن عيادة داخلية وعيادة أطفال وعيادة نسائية، وقسم إسعافات أولية وصيدلية، ويقدم جميع الخدمات الطبية والأدوية بشكل مجاني.

الواقع الصحي في المدينة

عزا مدير المكتب الطبي في المجلس المحلي بسراقب الطبيب “حسن قدور”، مشاكل وسوء الخدمات الطبية إلى نقص الدعم وتأخر دخول المنظمات إلى المدينة، كونها من المناطق المستهدفة من قبل الطيران، ويرى “قدور” أن سراقب كانت قبلة المنطقة في الخدمات الطبية حتى من ريفي حلب وحماه، ولكن القصف المتواصل الذي استهدف المشافي والمراكز الصحية، أثر بشكل كبير على الواقع الطبي، وأدى إلى نقص العديد من الأجهزة وندرة الأدوية لبعض الأمراض المزمنة، بالإضافة إلى نقص الاختصاصات الطبية المتعلقة بالأطفال والنساء، إضافة إلى انعدام قسم العناية المركزة في مشافي المدينة.

وهو ما يوافق عليه مدير مشفى الإحسان الطبيب “علي الفرج” بقوله لزيتون:

“كان الوضع الطبي في الفترة السابقة أفضل مما هو عليه الآن، يعود السبب إلى حملة القصف التي تعرضت لها المدينة، وتسببت بخروج مشفى الشفاء عن الخدمة منذ سنة ونصف، كما قللت عدد الكوادر الطبية،  بالإضافة إلى عدم وجود أطباء مقيمين في مشفى الحسن الخاص، وعدم توفر المشافي المجانية المدعومة بشكل كامل، وذلك لافتقار المدينة إلى مشفى يغطي أقسام النسائية والتوليد والأطفال والداخلية بشكل مجاني، وخصوصاً في ظل اعتماد المناطق المجاورة على مراكز ومشافي المدينة”.

من جانبه يرى مدير مشفى الحسن “حسن جرود” أن قلة الأطباء المقيمين المناوبين بشكل يومي، وصعوبة صيانة الأجهزة الطبية وقلة قطع التبديل لها، وصعوبة الحصول على الخبرات الفنية، هي الأسباب الرئيسية في سوء الخدمات الطبية في المدينة”.

ويضيف “الحسن”: “لا يمكن التقليل من خطورة عدم توفر الأدوية والمستلزمات الطبية للأمراض المزمنة والخبيثة مثل “الألبومين والبروتين والأنسولين”، وقلة الدعم والاهتمام بما يخص المنشآت الطبية وإعادة تفعيلها كمشفى الشفاء”.

الطبيب “محمود العيسى” المدير الإداري في مركز الرعاية الصحية يعتبر أن الواقع الصحي يحتاج للمزيد من العمل والدعم، والتوسعة وزيادة النقاط الطبية.

ويشدد “العيسى” على ضرورة إنشاء مشفى للأطفال، نظراً لتزايد عدد أهالي المدينة بعد توقف القصف الجوي، وتحمل عبء المناطق المجاورة والريف.

وجاءت نتائج الاستبيان الذي أجرته جريدة زيتون في مدينة سراقب، حول الواقع الطبي وأسباب المشكلة في المدينة، والذي قال فيه 44% من الأهالي أن الخدمة جيدة، ورأى 39% أنها مقبولة، فيما اعتبرها 25% سيئة، وأرجع المصوتون أسباب المشكلة إلى قلة الأطباء والاختصاصيين وضعف الكادر الطبي بنسبة 45%، وعجز القطاع الصحي عن استيعاب العمليات الباردة والأمراض المزمنة بنسبة 31%، كما أحال 26% منهم السبب إلى القصف الجوي، و 19% إلى سوء الإدارة.

وفي رده على نتائج الاستبيان، نفى مدير المكتب الطبي في سراقب حسن قدور، أن تكون المشكلة في الخدمات الطبية هي قلة الأطباء والاختصاصيين وضعف الكادر الطبي، مؤكداً أن المدينة تحوي على اختصاصيين في كافة المجالات، وموجودين على رأس عملهم، وأغلبهم فضل البقاء وعدم الخروج، مستدلاً بوجود طبيبين مختصين بالأوعية في المحافظة، مرجحاً أن قلة المراكز والأقسام الطبية، وعدم توفر الأدوية اللازمة والتكاليف المرتفعة التي حالت دون استيعاب الأمراض المزمنة والعناية المركزة في ظل قلة الدعم المقدم من المنظمات الطبية المانحة.

حلول مختلفة

وحول مدى تحسن الوضع الطبي في المدينة قال المدير الإداري في المركز الصحي: “تم إرفاق المركز الصحي بقسم اللقاح المباشر، وتوفرت كافة اللقاحات مثل “لقاح الشلل الفموي، والحصبة الألمانية، والسل والكزاز والدفتريا واللقاح الثلاثي الفيروسي”، بالإضافة إلى فريق تلقيح جوال، يخدم المناطق المجاورة كآفس والنيرب والرصافة والقرى المجاورة لها، كذلك بلدة الترنبة وكراتين وغيرها من المناطق”.

ويؤكد “العيسى” أن مادة الأنسولين أصبحت متوفرة لمرضى السكري وبكميات جيدة، كما تم إنشاء قسم لتنظيم الأسرة والإرشاد النفسي، وسيتم خلال فترة قريبة تفعيل قسم التوليد في المركز بدوام متواصل على مدار 24 ساعة، منوهاً إلى أن كافة الخدمات الطبية المقدمة هي مجانية.

الطبيب “خالد باريش” الأخصائي بأمراض الأطفال يرى أن الحل الأمثل لتحسين الواقع الطبي هو في إنشاء مركز للإسعاف، وتنظيم مناوبة دورية للأطباء في المدينة، بالإضافة إلى تقديم الدعم للمشافي وتوفير المستلزمات الطبية عن طريق المكتب الطبي بالتعاون مع مديرية الصحة.

هناك تقدم كبير على صعيد حل الكثير من المشاكل الطبية، ولا سيما بعد توافر طبيب مناوب على مدار الساعة في مشفى الحسن، بعد أن كان المرضى المحتاجين إلى عمليات جراحية يعانون من الانتظار، كما يتم العمل على تفعيل دور المناوبات الإسعافية في المركز الصحي، وافتتاح قسم لمرضى “الثلاسيميا” وهو مرض وراثي، يحتاج الطفل المصاب به، لنقل الدم بشكل دائم بحسب “قدور”.

ويشير “الفرج” إلى وجوب تفعيل دور المشافي الخاصة والعامة، وتقديم دعم مستمر بالأجهزة الطبية، مضيفاً: “نظراً لوجود مركزين طبيين في المدينة، أنصح بتفعيل أحدهما إلى مشفى داخلية نسائية وأطفال، ليبقى مشفى الإحسان متخصصاً بالعمليات الجراحية، بتغطية مجانية لكافة الاختصاصات”.

رأي الأهالي

يؤكد الكثير من الأهالي، أن الوضع الصحي في مدينة سراقب بدأ يعود إلى التعافي بشكل تدريجي، لا سيما بعد عودة مشفى الإحسان للعمل، بعد توقف قصير، وفي ظل تفعيل المكتب الطبي ضمن المجلس المحلي، والعمل على دعم بعض الأقسام الطبية وتوفير اللقاحات، مطالبين في الوقت ذاته بتوفير الأدوية اللازمة لاسيما للأمراض المزمنة، ودعم مشافي الأطفال.

“محمد زيدان” من أهالي مدينة سراقب قال لزيتون:

“الوضع الصحي مقبول في ظل توفر الخدمات الطبية بشكل مجاني مثل المراكز الصحية والأطباء من معظم الاختصاصات، ولكن بحاجة إلى اهتمام أكبر بمشافي الأطفال والحاضنات، كما أن هناك بعض الأدوية انقطعت عن السوق وتم تأمين البديل لها من الأدوية التركية، ولكن أسعارها مرتفعة جداً، فأنا مثلاً أعاني من مرض الضغط وأتناول الدواء بشكل يومي وهو مكلف جداً، ولذلك أتمنى دعم المراكز الطبية والمشافي بأدوية مجانية أو بأسعار مقبولة”.

في حين يرى “أحمد حسان” أحد أهالي مدينة سراقب أن الخدمات الطبية التي يتم تقديمها في الوقت الحالي باتت أفضل من السابق، وخاصةً بالنسبة للقاحات الأطفال بعد أن كان الأهالي يضطرون للذهاب إلى المناطق المجاورة أو الحدودية لتلقيح أطفالهم، ولكن المدينة تحتاج إلى مشافي مختصة بكافة الأمراض والعمليات الجراحية، كما أن هناك بعض الأطباء يمتنعون عن العمل في المشافي، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار الأدوية بشكل كبير، وذلك في حال توفرها، ولاسيما أدوية أمراض الضغط والسكري، مما يشكل عبئاً عليه وعلى المرضى أمثاله، على حد تعبيره.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*