هروبنا من الموت.. كان سبب موتنا

خاص زيتون 
لم يشفع لها ما تعرضت له من قصف وقهر في قريتها جبالا الواقعة بريف إدلب الجنوبي، ولم تكن تدري أن هروبها إلى الأراضي التركية سيكون كالمستجير من الرمضاء بالنار، لم تكن تدري أم خالد أن ولدها ذو الأحد عشر شهرا، والذي أبصر الحياة غريبا بلا وطن، وجنينها الذي لم يكمل شهره التاسع، لن يروا وطنهم ولن يحتضنهم إلا في ترابه موتى.

خلف الرحمون 24 عاما وزوجته أماني الرحمون 20 عاما الذين هاجروا في الشهر الرابع من عام 2015 بعد زواجهما بشهر واحد، في قرية جبالا، إلى تركيا اختاروا بلدة «قاينرجي» في ولاية «سكاريا» مسكنا لهم ولعائلتهم الصغيرة، بعد أن وجد أبو خالد عملا في مصنع لتعليب لحوم الدجاج، يعتاش منه، ويساعده في تأمين حياة كريمة، حالما ببناء مستقبل جيد لأطفاله.

وكالمعتاد ذهب خلف إلى العمل في السابع من تموز الحالي، لكن يومه كان مختلفا هذه المرة، حيث نشب نقاش بينه وبين زملائه الأتراك الذين يقطنون بجانب منزله، تطور إلى خلاف حاد حول قضية حملة طرد السوريين.
وبعد ساعات من الخلاف غادر الأتراك مقر عملهم باكرا على غير عادتهم، لكن لم يتوقع خلف أن يصلا بعداوتهما ووحشيتهما إلى هذا الدرك، لاسيما وأنه كان يعتبرهم أصدقاء مقربين، وحين انتهى عمله وعاد إلى المنزل، فوجئ بغياب زوجته وطفله، ما دفعه لإبلاغ الشرطة التركية التي عثرت على الأم الحامل وطفلها ذو الأحد عشر شهرا بحال لم يتوقعه خلف، جثتين مهشمتي الرأس بالحجارة.

انتشر الخبر كالنار في الهشيم وضجت الصحف والوكالات بخبر مقتل الأم السورية، ليتوجه والدها وشقيقها رامي الرحمون على الفور قاصدين الأراضي التركية، بعد حصولهم على إذن الدخول من قبل الوالي في بادئ الأمر، غير أنهم منعوا فيما بعد بحسب شقيق المغدورة «رامي الرحمون متابعا: «لم تسمح لنا السلطات التركية بالدخول خوفا من حصول اضطرابات أمنية وشعبية نتيجة لتعاطف الأهالي مع قضيتنا، وفقا لإدارة معبر باب الهوى، إضافة لإصرار المسؤولين على إقامة الصلاة على المجني عليها وطفلها في ولاية سكاريا».

جريمة جاءت في حلقة جديدة من مسلسل التوتر بين الأتراك والسوريين، والتي سبقها حملة ممنهجة وموجهة في المدن التركية طالبت بطرد السوريين، لاستخدامها من قبل المعارضة التركية كورقة ضد الحكومة، بحسب بيان وزارة الداخلية عقب تفاقم التصعيد، قبيل الحادثة.

كما أطلقت حملة إعلامية على مواقع التواصل الاجتماعي مناهضة لتواجد السوريين في تركيا، حيث انتشر هاشتاغ «فليرحل السوريين» بشكل كبير،
وكان للجريمة وقعا خاصا في الأوساط الشعبية والسياسية، إذ وصف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الحادثة بأنها لا تحتمل، ومرتكبيها ليس لهم قلب أو وجدان، في حين اعتبرت وزيرة شؤون الأسرة والسياسات الاجتماعية التركية «بتول سايان كايا» مرتكبي هذه الجريمة مجردين من الإنسانية، راجية إنزال أشد أنواع العقاب بهم.

وتم في اليوم التاسع من تموز الحالي تشييع المغدورة وطفلها في ولاية سكاريا بحضور رئيس الشؤون الدينية التركية «محمد كورماز» ورئيس المجلس الإسلامي السوري «أسامة الرفاعي» وعدد كبير من أئمة الجوامع التركية وبمشاركة جماهيرية واسعة.
وفي تمام الساعة 7.3 مساءا أدخل جثمانها وجثمان طفلها إلى الأراضي السورية، ليستقرا في ثرى الوطن الذي مزقته الحروب والمصالح الفاسدة للدول العظمى، ضمن استقبال شعبي حافل.
ولاقت هذه الجريمة النكراء موجة من الغضب الشعبي في تركيا، وسوريا حيث طالب متظاهرون في كثير من المدن التركية بمعاقبة المجرمين، فضلاً عن دعوات عبر صفحات التواصل الاجتماعي بضرورة إعادة حكم الإعدام للبلاد لينال المجرمين نصيبهم من العدالة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*