دفاتره.. أسطح المنازل المدمرة

زيتون – أسعد الأسعد 
برسومه الصارخة والطاغي عليها اللون الأحمر، وهمته في الرسم، يرسل الرسام “عزيز الأسمر” ذو الأربعين عاماً، رسائل مدينته بنش -لمن كان له قلب- من على أسطح مدينته المهدمة، والتي لطالما هَدَّمت معها أرواح ساكنيها.

إذ قلما يخلو شارع في تلك المدينة من أسقف مائلة، تحاكي مراسم الفنانين، لم يتوانى “عزيز” الذي لم تسمح له دروب لبنان في التواجد مع أهله حين انطلقت الحناجر لتمزيق الخوف، لكنه عاد ليلون شوارعهم ويقول ما عجز عن قوله أهالي البيوت والشهداء.
“رسام الركام” كما أطلق عليه أهل بنش، عمل كخطاط في دار لنشر الموسوعات في لبنان، وحين انتشرت ظاهرة الهجرة إلى أوروبا، اعترض “الأسمر”عليها بأولى لوحاته “حاج تهاجروا ما ضل حدا”، لتأخذ كتاباته طابعاً فكاهياً ومحبباً من قبل أهالي المدينة.
واستمر “الأسمر” بلوحاته التي كانت سبباً لأهالي المدينة في الابتسام في زمن كثرت فيه الدموع، وبات صعباً عليهم أن يتجاوزوها، وهو أكثر ما كان يدفع بـ “الأسمر” للاستمرار بالرسم.
عمد “الأسمر” في بعض لوحاته على رسم لوحات تحاكي حال صاحب البيت المدمر، وكانت أبرز هذه اللوحات، لوحة رسمها على سقف بناء مؤلف من ثلاث طبقات استوى مع الأرض، وقد كتب “الأسمر” عليه “حرام يصير جنى العمر ركام”.
قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن القضية السورية لم تسلم من تهكمه، لتأتي ردوده سريعة بعد كل اجتماع أو قرار، معبراً عن وجهة نظره بالقرار أو الاجتماع عن طريق رسم لوحة تعبيرية على جدار مهدم.
وعن سبب اختياره للأسطح المهدمة يقول الأسمر لزيتون :” اخترنا الأسقف المهدمة لأنها خير خلفية لرسائل أهلنا، وإيصالها للداخل و الخارج، فلا تكلفة تذكر أو تعدي على ملكية أحد، حاولنا تجميل بلدتنا وتلوين الرمادي الذي انتشر فيها بألوان ورسائل تبعث الحياة”. 
ولأن الرسم على الجدران أو ما يدعى “الغرافيتي” هو فن التمرد في كل مكان، مزج الأسمر ما بين ثورة شعبه وروح أهدافها مع غبار القصف، ليخرج بعبارات زينت أغلب الجدران المهدمة، وأزاحت القليل عن قلوب مالكيها.
و اعتمد الأسمر على صياغة بعض الردود العالمية، كرد الرئيس الأمريكي ترامب بعد هجوم خان شيخون الكيميائي بقصف مطار الشعيرات، إذ علق عليها “الأسمر” برسم كاركاتيري لترامب وهو يقول لبشار الأسد “كيماوي يا ابن الحرام”.
كما قام رسام الركام بأرشفة أسماء كل شهداء بنش على حائط طويل في إحدى شوارع المدينة الرئيسية، لتخليد ذكراهم وأملاً بعدالة تقتص من قاتليهم وتعيد الاعتبار لهم.
“ملهم سنوني” أو “المايسترو” كما يلقبونه، صديق “الأسمر” وشريكه في الرسم وانتقاء العبارات، يرى في الرسم على البيوت المهدمة حالة تلهم الناس على الاستمرار بالأمل وتعيد البسمة للأهالي وتوصل الرسائل الحقيقية لهم.
آخر لوحاته كانت تحاكي جريمة مركز الدفاع المدني في سرمين، ليقول فيها حزن وغضب الضحايا الذين أنقذوا على يد الدفاع المدني.
عزيز الأسمر انسان مارس حريته من خلال لوحاته البسيطة، واستطاع إيصال رسالته عن طريق ريشته التي لم تسيس و لم تتبع لأي جهة، فلم يطمع بالجزرة ولم ترهبه العصا.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*