أسقطوا جنسيته بعد الافراج عنه.. فنجا من الخدمة الالزامية

خاص زيتون 
الدماء من حولي، وجدران الزنزانة الضيقة تحكي لي الألاف من القصص، هنا قتل معتقل بضرب رأسه على الجدار، وهنا قتل آخر بضربة قوية، وهنا تم شبح امرأة عارية.. هكذا بدأت تجربتي بعد اعتقالي من قبل أجهزة مخابرات النظام لتستمر 5 سنوات.
في صباح 28 من شهر أب من عام 2012 كنت متوجهاً لجلب الخبز لنازحين في مدينة كفر زيتا، حين فوجئت بحاجز لقوات النظام أمامي، تم اعتقالي لأنقل عبر ثلاث حواجز لم يخلو أحدها من التعذيب إلى سجن “دير شميل” ذو المرتبة الثانية بعد سجن صيدنايا بسمعتهما السيئة في قتل المعتقلين.
تهم عدة تم توجيهها لي، منها المشاركة في الهجوم على حاجزين للنظام بريف حماه الغربي، ونتيجة لإصراري على عدم الاعتراف، أخضعوني لمدة 46 يوماً من التعذيب، تعرفت فيها على كل أنواع الشبح، كالطيارة والباب والسرير، كما تعرفت على بساط الريح والدولاب والمياه الساخنة، فضلاً عن التجويع، فقد كانت حبة زيتون واحدة وربع رغيف صباحا وملعقة طعام من الأرز أو البرغل في المساء.
“اقتلوه.. لن يعترف”، هذا ما قاله العقيد علي مدير المخابرات الجوية في حماه، لكن صوتاً جاء من الخفاء قال لي بعد خروج العقيد، “اعترف وسأساعدك على رؤية أهلك”، لكن رغم الوعود المقدمة من صاحب الصوت الغريب لم أعترف، مرة أخرى يتدخل الصوت ليساعدني من جرح سكين على كتفي بقوله: “اتركوه سيعترف قريباً، وحين سألته عن هويته، أجاب بأنه “طلال الدقاق”، حينها شعرت بالأمل، إذ أن العقيد طلال رغم كونه شبيحاً، ألا أنه كان من المعروف عنه مساعدته في خروج عدة نساء من السجن مقابل تسليم ذويهم المطلوبين أنفسهم لقوات النظام، كما عرف عنه صدقه في وعوده.
اتفقت معه على أن أعترف، مقابل أخذي للسجن المدني في حماة، اعترفت والدماء تسيل على جسدي، ليسألني الضابط حينها في مفارقة مضحكة إن كان اعترافي نتيجة التعذيب أم أنه اعتراف حقيقي.
وفي 22 من تشرين الأول من ذات العام تم تحويلي لسجن حماة المدني وتم وصفي على أني إرهابي، نقلت بعد سبعة شهور لمحكمة الارهاب في دمشق، وبقيت في سجن عدرا لمدة 60 يوماً، أعادوني بعدها لسجن حماة المركزي، حيث نفذنا فيه عدة اضرابات واستعصاءات لتحسين ظروفنا المعيشية أو لإخراجنا من السجن، وكان من أنجحها ما قمنا به في الثاني من شهر أيار لعام 2017 حيث تم الإفراج بنتيجته عن 350 معتقلا من سجن حماة المركزي.
شاركت بالاستعصاء الأول والثاني والثالث، ومع بقية المساجين رفضنا السكوت عن الظلم، كنت أعرف بإعلامي السجن، فقد تمكنت من نقل الأحداث والصور والفيديوهات إلى خارج السجن عن طريق على هاتف حصلنا عليه بعد رشوة بعض السجانين ممن تعلو رؤوسهم الفارغة جدران سجنهم اللعين، ولم أتوانى عن الحديث مع أكبر القنوات حينها من داخل السجن، ذلك الهاتف كان أملنا الوحيد بالنجاة، وهو ما كان فعلاً”.
نشاطي الإعلامي هذا تعزز بحملات مناصرة قمت بها لنصرة المعتقلين على صفحات التواصل الاجتماعي، وتوثيقي للانتهاكات في داخل السجن جعلني معروفا بين الناشطين باسم “إعلامي سجن حماه المركزي” أو “الأسير أبو أنس الحموي”.
بعد بمقتل الطيارين الروس في ريف إدلب جرت صفقة تبادل للأسرى بين الفصائل وقوات النظام، مقابل جثث الطيارين، في السابع من أيلول من عام 2017 وتم الإفراج عن 86 معتقل كنت واحداً منهم، لأنال حرية طال انتظارها على أمل الفرحة الكبرى.
لم تكتمل فرحتي، وكعهد النظام بغدره للسوريين، قادتني الشرطة العسكرية مع 21 معتقلاً من بين 86 المفرج عنهم، إلى الخدمة الإلزامية، ولكن للقدر تدابير أخرى، فقد صدر بحقنا قرار تجريم جديد، هو اسقاط الجنسية، وعليه تم تسريحنا، وإطلاق سراحنا مرة أخرى.
يا له من نظام فاقد للشرعية يسقط الجنسية السورية عن السوريينـ، ويمنحها لمرتزقة وميليشيات إيرانية مستجلبة من الخارج!.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*