تهريب اللاجئين.. ابتزاز الأخ وقسوة الجار

زيتون- مخلص الأحمد
“لم تعد تتسع براداتنا للجثث التي تتوافد علينا بشكل متكرر”، هذا ما أكده الطبيب “عبد المنعم” مدير مشفى خربة الجوز الذي استقبل الضحايا المدنيين الذين سقطوا في 19 حزيران لعام 2016، حيث قتل في ذلك الصباح بالقرب من قرية خربة الجوز 11 مدنيا، كانوا من عائلة واحدة.


وأكد الطبيب حينها أن جميع الوفيات نتجت عن إطلاق نار مباشر إما في البطن أو الصدر، وحمّل الطبيب المهربين من الجانب السوري والتركي مسؤولية ما يحصل، مؤكداً أنها ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة على حد قوله، فالمنطقة دوماً تشهد عمليات إطلاق للنار من قبل عناصر الجيش التركي، بسبب خديعة وكذب المهربين، وإيهام العابرين بان الطرقات فتحت وباتت الطريق آمنةً للعبور إلى تركيا.
وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش” قد اتهمت في أيار الماضي، حرس الحدود التركي بإطلاق النار على اللاجئين السوريين وبالاعتداء على بعضهم بالضرب المبرح.
بينما تنفي الحكومة التركية الاتهامات بأن حرس حدودها يطلق النار على المدنيين السوريين الذين يحاولون عبور حدودها مع سوريا، والتي أغلقتها بالكامل منذ عدة أشهر.

عشرات العائلات من نساء وأطفال وشيوخ حاملين متاعهم على رؤوسهم يركضون باتجاه فجوة بالسياج الحدودي الشائك، بذعر وخوف وأمل، يتطلعون إلى حياة آمنة أكثر مما تركوها خلفهم، هي فرصة مؤقتة بين دوريتين لحرس الحدود التركي، يعطي إشارتها المهربون المشرفون على العملية، ليبدأ السباق بين اللاجئين السوريين لاجتياز فجوة، ربما ينطلقون منها لحياة جديدة، أو تتوقف عندها حياتهم نهائياً.
هي صورة يومية تشهدها المناطق الحدودية على طول الحدود، يتصاعد فيها التشديد أحياناً ليصل إلى حد إطلاق النار على اللاجئين فيما تشهد تسهيلات وغض للنظر في أحيان أخرى على عبورهم.
عمليات التهريب يشرف عليها مهربون من أهالي المناطق الحدودية لهم دراية ومعرفة بطرق وأوقات التهريب المناسبة، كما يمتلك العديد منهم صلات وتعامل مع دوريات حرس الحدود، في شبكة تربطهم مع آخرين داخل الأراضي التركية لتستكمل عملية التهريب حتى أقرب المدن التركية الحدودية.
ولقادة الفصائل والمجموعات المسلحة المتواجدة بالقرب من تلك المناطق نصيب مما يتم تقاضيه من اللاجئين، في تفاهم مسبق مع المهربين.
“علي فرج” من أهالي القرى المحاذية للشريط الحدودي وأحد المطلعين على عمل المهربين قال لزيتون: المسؤولون عن تهريب البشر هم شبكة من الأشخاص التابعين لجهات مختلفة، تربط بينهم المصلحة المادية ولهم علاقات مع قادة الكتائب العسكرية في المناطق الحدودية، وحرس الحدود التركي، إضافة إلى شبكات أخرى على الطرف المقابل في الأراضي التركية”.


وعن قيام تلك الشبكات باستغلال اللاجئين أوضح “فرج”: “هناك استغلال، كان السعر سابقاً 50 دولاراً للشخص الواحد، لكنه ارتفع اليوم حتى وصل إلى 500 دولار وهو في ارتفاع يتناسب مع شدة الحدود وعدد اللاجئين ولا سيما في الأزمات حين اشتداد القصف على إحدى المناطق ونزوح أعداد كبيرة”.
بينما وصف “محمود حمد” أحد اللاجئين الذين عانوا من استغلال المهربين، هذه الشبكات بـ “المافيات”، التي تستغل ظروف الأهالي الباحثين عن أمان لهم ولعائلاتهم، وتوهمهم بأن الوصول إلى قلب الأراضي التركية أمر سهل وآمن في حال رفعوا من قيمة المبلغ الذي يستطيعون دفعه، إلا أنهم يتركون اللاجئين في منتصف الطريق ويختفون، دون أن يكترثوا لوصولهم أو مصيرهم، على حد تعبيره. 
ويحمل الكثير من اللاجئين المسؤولية لقيادات الفصائل المسيطرة على المناطق الحدودية، في استغلال اللاجئين من قبل المهربين، متهمينهم بالتعامل مع شبكات التهريب، وفرض رسوم علنية على كل لاجئ يرغب بالدخول إلى الأراضي التركية.

“حسين” أحد اللاجئين الذين عانوا من تجربة عبور الحدود عبر الطرق الغير شرعية عبر عن مشاركة فصائل المعارضة المسيطرة على تلك المناطق في ابتزاز اللاجئين، وتحويل مأساتهم إلى مورد مالي لهم، مرجحاً أن تكون تلك التصرفات فردية لا علم للقادة بها.

من جانبه أشار “سليمان” أحد سائقي شاحنات نقل الركاب إلى نقاط العبور، إلى وجود مجموعات وصفها بالمافيا، تعمل على استغلال الناس عبر اجبارهم على دفع مبالغ كبيرة مقابل تهريبهم قائلاً: “يصل مبلغ التهريب أحياناً إلى 1000 دولار أمريكي، ورغم أن الطريق غير مضمون وقد يتعرض الشخص للقتل على الطريق، إلا أن الوضع الإنساني من قلة العمل والقصف يدفع الناس للهرب إلى تركيا ويفضلون المغامرة والموت بالتهريب على البقاء في سوريا”.
وتلعب عناصر الفصائل العسكرية دور بارزاً في مساعدة المهربين على ابتزاز اللاجئين بحسب المهرب “أحمد” الذي كشف بأن الفصائل المتواجدة تشارك في عمليات التهريب، واصفاً الحالة الأمنية في محافظة إدلب بالغابة وبالفلتان الأمني الكبير، مشيراً إلى أن حواجز هيئة تحرير الشام حالياً، وأحرار الشام وغيرها سابقاً، تتواجد على طول الطرقات الواصلة إلى تركيا”.
وأضاف المهرب: “تقوم هيئة تحرير الشام حالياً بأخذ إتاوات على شكل ضريبة تصل لـ 50 دولاراً أمريكياً عن كل شخص يتم تهريبه إلى الأراضي التركية، وهي شريكة لنا في تهريب المدنيين، ويقتصر دورها على تسهيل نقلهم إلى الحدود عبر حواجزها، وفي حالة وجود أشخاص مطلوبين لها تقوم بفرض مبلغ خاص مرتفع مقابل غض الطرف عنهم، وهو أمر بات معروفاً لدى السوريين جميعاً”.
ويرجع المهرب سبب ارتفاع أجور التهريب إلى التفاهمات السرية بين المهربين وعناصر الفصائل، ورفع رسوم الإتاوات من قبل الفصائل هو ما يرفع الأسعار برأيه.
ولا يخفي اللاجئون الذي مروا بتجربة العبور مدى الاستغلال الذي تعرضوا له من قبل هؤلاء المهربين، ومدى جشعهم وتضليلهم لهم، وتتحول المعاملة إلى حالة من التنمر والتهديد في بعض الأحيان لللاجئين الذي يعزفون عن العبور، فضلاً عن توريطهم بظروف أمنية خطيرة، معرضين حياة اللاجئين للخطر جراء إطلاق النار من قبل الجندرمة التركية عليهم، وتخلي المهربين عنهم، أو التواطؤ عليهم في كثير من الأحيان.
ولا تقتصر معاناة اللاجئين على الأراضي السورية فقط بل تتلقفهم شبكات أخرى في الأراضي التركية مرتبطة مع تلك التي في الأراضي السورية لتمارس عليهم ذات الاستغلال والابتزاز والتهديد بتسليمهم لحرس الحدود في حال رفضهم لدفع مبالغ كبيرة لا تتناسب مع تلك الخدمات التي يقدمونها من نقل لمسافات بسيطة.


الأطفال ضحايا المهربون والحرس
يشترط الكثير من المهربين على العائلات التي ترغب بعبور الحدود، إعطاء حبوبٍ منومة للأطفال، وذلك تجنباً لبكائهم ولفت نظر الجندرمة، الأمر الذي يتقبله اللاجئون المرغمين، وهو ما سبّب مشاكل خطيرة لبعض الأطفال الذين تعرضوا لمشاكل صحية جراء تناولهم لتلك الحبوب.
وقال الطبيب “أحمد الغندور” مدير مشفى بلدة دركوش: إن الكادر الطبي في المشفى يعالج أسبوعياً، ما بين خمسة إلى سبعة أطفال، أغلبهم لا تتجاوز أعمارهم السنتين، يعانون من أعراض تناول جرعات زائدة من الأدوية المهدئة، وذلك منذ أن بدأت موجة من النازحين السوريين بالوصول إلى هناك في الأشهر الأخيرة، وفقاً لما نقلته “سوريا على طول”.
وأفاد الغندور عن وفاة رضيعين جراء جرعات زائدة من مادة مخدرة غير معروفة، قام والدهما بشرائها من إحدى الصيدليات القريبة من منطقة العبور، وإصابة ثلاثة أطفال آخرين تم اسعافهم إلى مشفى دركوش، بعد عودة ذويهم لإسعافهم إثر اكتشاف إصابتهم.
كما تناقلت وسائل إعلامية أخرى عن قيام المهربين بإجبار الأهالي على إعطاء أطفالهم أدوية مخدرة، بعد تطمينهم بسلامتها وعدم ضررها على الأطفال، وأن مفعولها لا يتجاوز الأربع ساعات ريثما يتم تجاوز المنطقة الحدودية، وذلك لضمان هدوئهم وتجنب رصاص الجندرمة التركية.

كما سقط عشرات الأطفال السوريين قتلى برصاص الجندرمة التركية، كان آخرها استشهاد الطفلة “ألينمار الهادي” من أهالي البوكمال برصاص الجندرمة التركية أثناء محاولة أهلها عبور الحدود التركية بالقرب من دركوش بريف جسر الشغور.
تهريب البشر هو أحد مسالك تجار الحروب الذين يجدون بمعاناة اللاجئين فرصة لهم للكسب المادي دون وازع أو ضمير، ومع أن ظاهرة تهريب البشر ليست جديدة، ولا تحمل طابعاً محلياً بل هي ظاهرة دولية، إلا أن الصدمة تكمن في خصوصية الحالة السورية، أن المساهمون فيها هم أشخاص يفترض أنهم يحملون قضية أخلاقية، فأن يستغل أحدهم منصبه القيادي في إحدى الفصائل ليكون جزءً من شبكة تهريب فهنا تكمن المشكلة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*