السوريون محكومون بالرحيل

زيتون – ياسر السيد عيسى 
عفرين مقابل بعض أو كل إدلب، الله أعلم بما تحمله الأيام القادمة لمقررات بقيت سرية لأهالي المنطقتين المتجاورتين.
منذ أيام وأهالي عشرات القرى الإدلبية من تخوم البادية إلى أوتوستراد حلب – دمشق، يسارعون في الرحيل وترك بيوتهم وممتلكاتهم هرباً من قصف الطائرات الروسية وقوات النظام، يحملون أولادهم وشيئاً من ذكرياتهم فيما تبقى من عقولهم بشاحنات، أو مقطورات، أو مشياً على الأقدام متوجهين إلى اللا مكان.
حتى الباصات الخضر التي استقلها أهالي حلب والوعر وداريا والقابون ومضايا وخان الشيح وعرسال وبيت جن استكثروا عليهم هذه المرة رفاهية ركوبها.
مشردين في أرضهم، لا يجدون من يستقبلهم، ولا أحد يرغب بهم الآن، بعد أن ازدحمت بنازحيها الجدد المتتابعين، وسط غياب تام لعمل المنظمات الإغاثية في تأمين مأوى وطعام للنازحين.
مدير أكبر منظمة ساهمت خلال السنوات الماضية في تقديم خدمات اللجوء منذ بداياته بالداخل السوري قال لي، إن الحالة الآن هي الأسوأ من كل ما صادفه منذ بداية النزوح السوري، بسبب الأعداد الكبيرة وعدم تجاوب للداعمين هذه المرة، مقارنة بنزوح أهالي حلب.
إعلاميا أيضاً، كان لمكانة حلب العالمية صدى أكبر في وصول الدعم إليها، بينما تم تجاهل هؤلاء المشردين الفقراء شرق خان شيخون ومعرة النعمان وسراقب.
هذه القرى الواقعة شرقي الطريق الواصل بين حلب ودمشق الدولي، كالتمانعة وسنجار وأبو الضهور ومعصران والغدفة وجرجناز والتح ودير شرقي وخان السبل ومعردبسي، كانت من أولى القرى والبلدات التي شاركت بالحراك الثوري، تعاطفاً مع صيحات درعا الأولى للحرية، كما أمدت الفصائل بالآلاف من المقاتلين، واستقبلت الآلاف من النازحين، وزفت الكثير من الشهداء، لذا فهي تعاقب اليوم لأنها مناطق ثورة حقيقية، لم تتلون بالمنصات السياسية أو بشروط الداعمين، وقاوموا السواد الدخيل على الثورة بأخضر علمهم، وشاركهم ملايين الأحرار السوريين أنشودة: “ولعيونك يا جرجناز لو قل الخبز والغاز بالأخير إلنا المفاز.. ساقط ساقط يا بشار”.
تلك القرى وحواضر البدو والفلاحين في أرياف حماه وإدلب الشرقية، تدمر اليوم دون رحمة، حيث يستخدم النظام في المعركتين كل قدرته التدميرية والنارية بمؤازرة روسية وإيرانية كبيرة، وبصمت دولي متواطئ بالمجزرة، كأن العالم في مجرة أخرى، لأن الوجوه البسيطة والطيبة والحقيقية ليست ذات أهمية لتستقطبها المحطات التلفزيونية العالمية، كما أنهم ليسوا هدف مال الداعمين، هم فقط حطب الثورة الحار، سريع الاشتعال الذي يجب أن لا ينضب.
ينام مئات الآلاف منهم الآن داخل الشاحنات، حتى أن تحويشة العمر لا تكفي إيجار منزل في إدلب، ولا خيمة كريمة يستظل بها الأطفال من برد الشتاء، فالخيمة بمئة ألف ليرة سورية، في ظل انعدام تام لكل مقومات الحياة الأخرى.
يعتقد البعض من النازحين في ريف إدلب الشرقي، بعد تتالي الأحداث أن هناك سيناريو مرسوم يتم العمل عليه في تغير ديموغرافي تم الاتفاق عليه بين الدول الثلاث الضامنة، يقضي أن يأخذ هؤلاء النازحون مكان أهالي عفرين بعد اقتحامها من قبل الأتراك، ليأخذ أهالي عفرين بدورهم مكان أهل الرقة.
ولا شيء مستبعد أبداً في ظل ما شهدته سوريا مؤخراً، من عمليات تهجير وتغيير ديموغرافي وسكاني في العديد من مدنها، مما يستوجب مستقبلاً إعادة إنشاء قيود جديدة للسجلات المدنية، وتبديل خانات قيود الملايين بخانات جديدة ومدن جديدة.
ضامن إدلب الذي بادل مناطق شرق وغرب سكة القطار بعفرين، في اتفاقيات الغرف المغلقة ليحتلها جيش الأسد، مقابل أن يأخذ الأتراك مسافة ضامنة لحدودهم من الانفصاليين المفترضين، ويحمي أرضه من العدوى السورية، يصبح ضمانه فارغاً.
السوريون الذين استقبلوا بصدور رحبة وبيوت مفتوحة مهجري الحروب من روسيا وأوروبا والعرب، محكومون منذ عام النكسة الفلسطينية بالرحيل وفقد الأوطان، تناوب عليهم الإسرائيليون في الجولان، وقوات الأسد الأب في الثمانينات، ثم الابن، بمشاركة الإيرانيين وميليشياتهم الداعمة، والروس وطائراتهم الآن، بالتزامن مع إقصاء الفصائل المسيطرة، لتحل اليوم المرحلة الأخيرة على يد التركي الضامن.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*