نشوء التجمعات السياسية في إدلب.. الهيئة السياسية نموذجا

خاص زيتون

لم يكن واقع الحرب والعسكرة وسيطرتها على المشهد السوري خلال سنوات الثورة خياراً أراده السوريون، بل هو واقع فرضته الظروف، وكان لابد من محاولات للتخلص منه وتفعيل الدور السياسي، أو على الأقل خلق أجسام سياسية توازي خط العسكرة وتأخذ مكانها، انبثقت عن هذه الضرورات عدة تجارب كان منها الهيئة السياسية في محافظة إدلب، كجهة حاولت لعب دورٍ سياسيٍّ محليٍّ.


وتعرف الهيئة نفسها بأنها جسم سياسي مدني ولد في محافظة إدلب، تؤمن بضرورة العمل السياسي، وتتبنى مشروع الثورة وأهدافها بنيل الحرية، وتسعى لتكون الممثل السياسي لها.
بدأ الشروع في تشكيل الهيئة بعد اجتماع ما يقارب مئة ناشط ثوري، إيماناً منهم بضرورة تشكيل جسد سياسي داخلي بالمحافظة، لاسيما وأن معظمهم عمل بتنسيقيات الثورة السياسية في مختلف مناطق المحافظة سابقاً.

مخاض فكرتها وظروف نشأتها
من فكرة لناشط شاركها مع نشطاء آخرين بالتفكير والتخطيط والعمل، لتجميع نشطاء إدلب في جسد سياسي واحد، بدأت فكرة الهيئة التي تحدث صاحبها ورئيسها السابق “رضوان الأطرش” لزيتون عن فترة المخاض الأولى، وعن مرحلة تأسيس وولادة الهيئة قائلاً: “بدأت الهيئة السياسية بمحافظة إدلب، كفكرة بعد تحرير إدلب بما يقارب 10 أيام، من خلال اجتماع نسق له في قرية “عين لاروز” جنوب إدلب، في 6 إبريل لعام 2015، ضم ما يقارب السبعين ناشطاً، تم فيه نقاش أوضاع المحافظة بشكل عام، ثم تم طرح فكرة عمل سياسي على مستوى المحافظة، لتتطور المناقشات بعد هذا الاجتماع بين النشطاء وتزداد رقعتها على مستوى العدد والمناطق”.
وأضاف الأطرش: “نتج عن توسيع مشاوراتنا مع غالب نشطاء المحافظة، عقد اجتماع موسع في مدينة “بنش” في 13 كانون الأول 2015، ضم حوالي مئتي ناشط، ومن خلال هذا الاجتماع تم وضع خطة العمل للهيئة السياسية.

تبع اجتماع بنش أحد عشر ملتقى، أجرتها الهيئة بشتى مناطق محافظة إدلب على مدى عام 2016، ونتيجة لهذه اللقاءات تم عقد المؤتمر التأسيسي الأول في بلدة “كفر تخاريم” في 24 من تشرين الأول 2016، والذي ضم 106 أعضاء من المؤسسين، ممثلين لكافة دوائر إدلب، تم فيه انتخاب رئيسا للهيئة وتكليف مكتب تنفيذي لدورة مدتها عام.

الظروف المحيطة
كانت الفترة مناسبة لولادة أي جسد سياسي بحسب رؤية نشطاء المحافظة، ومع وجود عقبات بسيطة لا تذكر، إلا أن عقبة وحيدة احتاجت من الهيئة عملاً وجهداً وتخطيط لتجاوزها، أوضحها الأطرش لزيتون: “موضوع العسكرة والفصائلية كان التحدي الأكبر لنا، وبعد لقائنا بمعظم الفصائل العسكرية مثلهم مثل كل الجهات الثورية، طرحوا أن يكون لكل فصيل ممثل بالهيئة، وطبعاً تم رفض هذا الطلب، وكان ردنا أننا جهة مدنية سياسية لا يمكن للعسكرة أن تدخل بها”.

أهداف نشوء الهيئة وبنيتها التنظيمية
كان الهدف الأساسي من نشوء الهيئة السياسية في محافظة إدلب هو إيجاد جسم سياسي حقيقي في الداخل، يمثل الثورة سياسياً، ويكون صوتها الحقيقي، ويقوم في أساسه على الركيزة الشعبية الثورية والمديريات ومجموع الناشطين في المحافظة، بحسب “الأطرش”.
وبالإضافة للهدف الأساسي هناك أهداف عامة بعيدة قامت عليها الهيئة، تحدث عنها مدير مكتب العلاقات العامة في الهيئة السياسية بإدلب “غانم خليل” لزيتون: “من أهم أهداف الهيئة إسقاط النظام المجرم بكافة رموزه وأشكاله، والعمل على تحقيق عدالة اجتماعية شاملة، وضمان الحريات العامة والحقوق الجماعية والفرعية، والمحافظة على مؤسسات الدولة وإعادة تفعيلها، والعمل على ربط التربية بالتنمية”.
وتعتمد الهيئة السياسية في بنيتها التنظيمية على سبع دوائر موزعة في مناطق محافظة إدلب، تسمى وفقاً لمناطق توزعها “دائرة أريحا، دائرة خان شيخون، دائرة معرة النعمان، دائرة إدلب، دائرة حارم، دائرة جسر الشغور”، بالإضافة إلى الدائرة الجديدة التي تم استحداثها في الدورة الجديدة وهي خاصة بمدينة إدلب، وذلك بعد طلب من أبناء منطقة إدلب، لتبقى دائرة إدلب القديمة مختصة بريف إدلب القريب من المدينة، وتطلّب استحداث الدائرة تعديل النظام الداخلي من قبل المكتب التنفيذي الجديد بما يتناسب مع ذلك، بحسب “الخليل”.
ويشرف على هذه الدوائر مكتب تنفيذي يتكون من رئيس الهيئة ونائبين اثنين وعشرة أعضاء، يترأسون المكاتب “السياسي، القانوني، التخطيط الاستراتيجي، الإعلامي، المالي، العلاقات العامة، التنظيم والإدارة، التنسيق والمتابعة، المنظمات والدعم الإنساني، الارتباط العسكري”، وفقاً لمدير مكتب العلاقات العامة في الهيئة السياسية بإدلب.

وتضم الهيئة أكثر من 500 عضواً، ويتم الأخذ بعين الاعتبار في الأمانة العامة للهيئة المعيار السكاني، بحيث يكون لكل منطقة في إدلب عدد من الأصوات يتناسب مع الحجم السكاني فيها، فعلى سبيل المثال مثّل مدينة خان شيخون عشرة أعضاء، بينما مثّل مدينة إدلب 30 عضواً من أعضاء الأمانة العامة للهيئة، بحسب “الأطرش”.

وأضاف الرئيس السابق للهيئة السياسية في محافظة إدلب: “للهيئة السياسية في محافظة إدلب، نظام داخلي ناظم لجميع أعمالها، يوضح أهداف الهيئة وبرنامجها، ومهام كل مكتب، ومهام الأمانة العامة، والمهام التنفيذية التنظيمية، والعقوبات الإدارية وغيرها، ومن خلال هذه الهيئة استطعنا أن ننقل التجربة إلى باقي المحافظات، والآن لدينا هيئات سياسية في سوريا، شكلت الهيئة السياسية في إدلب النواة لهذه الهيئات”.
وعن آلية الانتساب للهيئة السياسية ومحدودية قبولها للمتقدمين بطلبات الانتساب، يقول رئيس دائرة أريحا في الهيئة السياسية والناطق الرسمي باسمها “عبد العزيز عجينة” لزيتون: “إن عدد أعضاء الهيئة السياسية في تزايد مستمر، ومن الصعب قبول كل المتقدمين بطلبات، نظراً إلى مخاطر الاجتماعات بأعداد كبيرة في ظل الهجمات الجوية والقصف المستمر، والعدد الحالي يزيد عن 500 عضو”.
ويتابع “العجينة” قائلاً: “يتم التقدم بطلب انتساب للراغبين، ويتقدم للدائرة حسب المنطقة، وبتزكية من عضوين من الهيئة السياسية، وفي حال اقتراح الموافقة يُحال الطلب لمكتب التنظيم، ويتم الموافقة بناء على مطابقة طالب أو طالبة الانتساب للشروط المعتمدة في الهيئة السياسية، والتي من أهمها أن لا يكون المنتسب ممن تلطخت أيديهم بدم أو مال حرام خلال الثورة وغير مرتبط بجهة عسكرية”.

آراء نشطاء ومثقفين من المجتمع بالهيئة
“أحمد صباح” ناشط مدني يرى في طريقة تأسيس الهيئة والانتخابات التي تم فيها انتقال رئاستها ديمقراطية واعدة، ورغم اقتصار عملها على إصدار البيانات بغض النظر عن مدى قدرتها على إيصال صوتها للجهات التي خاطبتها كالمنظمات الأممية، كانت ضرورية كرأي سياسي يقدم الخيار والموقف تجاه قضايا خطرة كمجزرة خان شيخون للسوريين والعالم.
ويرجع “الصباح” عدم ميله للعمل السياسي أو لأية تيارات سياسية إلى الحالة السلبية في الأربعين عاماً الماضية من المزاودة والمتاجرة بالشعارات، ودائماً تكون على حساب العمال والفلاحين، ما دفعه إلى الظن بأن كل سياسي كاذب، مؤكداً أن الواقع الآن بحاجة للعمل السياسي.
ويعتقد “محمد علي الطويل” بعدم وجود تيار سياسي ناجح الآن، مستدلا بما وصلت إليه الثورة من تراجع كبير، ويرى أن للسياسيين القدامى القدرة على قيادة الثورة، لما لهم من خبرة وعلاقات دولية لكن المؤسف اعتزالهم أو عزلهم عن العمل السياسي.
وانتقد “خالد القاطوف” الهيئة السياسية بسبب ضيق قاعدتها الشعبية، رغم أنها كفكرة جيدة وضرورية، ولا سيما أنها الأكثر نشاطا الآن، إلا أنها بهذه القاعدة البسيطة لا تستطيع التأثير على الشارع، كما أن انتقائيتها لأعضائها في المناطق ومحدودية قبولها للأعضاء يؤثر على انتشارها.
الناشط السياسي وعضو التجمع الثوري السوري “حسين أمارة” يرى أن كل التجمعات السياسية في الساحة السورية هزيلة بما فيها الهيئة السياسية، وهي عاجزة عن بلورة رأي سياسي يمثل الناس، كما أنها بعيدة كل الُبعد عن تطبيق أي قرار على أرض الواقع، ويحمل المسؤولية في ذلك للجميع، مدنيين وسياسيين، مرجعا السبب إلى غياب النضج السياسي.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*