روسيا والنظام في الغوطة “أطلق يدي وانطلق”

خاص زيتون
اليوم، وبعد سبعة أعوام من الثورة، وخمسة على حصارها، تفقد الغوطة الشرقية جزءاً كبيراً من مساحتها لصالح نظام الأسد، وتُقسم إلى جزئين، وترزح تحت خطر المصالحات والتهجير، بعد أن راهن الكثيرون أن الغوطة لن تكون حلب جديدة، فما هي الأسباب التي أوصلتها إلى ذلك؟


“من هنا مرّ جنود الفرقة الرابعة”، عبارة ألفها أهالي الغوطة الشرقية على بقايا الجدران وأعمدة الكهرباء وكل ما دمرته قوات النظام بقيادة الفرقة الرابعة ضمن حملة الاجتياح الكبرى للغوطة في أواخر عام 2012، قبل أن يحررها ثوارها، بثمن باهظ دفعه أهلها في مطلع العام الثالث للثورة، ليفرض نظام الأسد إثرها حصارا خانقا على الغوطة الشرقية، ويبدأ بتطبيق سياسة التجويع على أهلها، لم تنتهِ منذ نهاية الربع الأول من عام 2013 وحتى هذه اللحظة.
لم تجدي سياسة التجويع نفعاً، ولم يكن لدى نظام الأسد صبراً، وظنّ أن بإمكانه كسر إرادة أهالي الغوطة وثوارها، لا بل ربما إبادة نحو مليون ونصف نسمة في ثاني أكبر معقل للثوار في سوريا، وأخطر وأقرب معقل لهم إلى دمشق، وذلك عبر استهدافها بصواريخ محملة بغاز السارين الكيميائي، وتحت غطاء دولي.
إلا أن أمله خاب، وأحلامه تبددت، فقد كان طموحه أكبر من أن يقتل نحو 1800 شخص، ويصيب الآلاف، وفي الوقت ذاته كانت خطته لاستغلال انشغال أهالي الغوطة بشهدائهم ومصابيهم الذين لا يدركون شيئاً عن مدى تأثرهم أو طريقة علاجهم أو مساعدتهم أو حتى مضاعفاتها، ولا يملكون إلا بضعة عبوات من الأتروبين للتخفيف من وطأتها، وقام بعد 3 ساعات من القصف الكيميائي بمحاولة اقتحام الغوطة الشرقية من كافة محاورها بغية السيطرة عليها.
ولكن كل محاولاته باءت بالفشل، وذهبت سدىً، فحتى الغاز المحرم دولياً لم يمنع ثوار الغوطة من الذود عن أرضها وأهلها، وانطلقوا إلى جبهاتها، مخلفين وراءهم عائلاتهم ما بين شهداء ومصابين ومجهولي المصير، غير آبهين بالغاز ولا بالطائرات التي كانت بالجملة تحلق وتقصف عشوائياً، مع راجمات ومدافع وغيرها بقيت لأيام عديدة تقصف دون توقف.
عزيمتهم تلك وإصرارهم على إحباط الأسد وقواته، واستماتتهم وصمودهم على مدى أعوام الثورة، ربما هي التي منحت السوريين الثقة بأن الغوطة الشرقية لن تسقط يوماً.

أسباب خارجة عن السيطرة
في حملته الأخيرة على الغوطة الشرقية، لم يوفر نظام الأسد وسيلة إلا واستخدمها، فلم يكتفِ بعناصر الفرقة الرابعة وغيرها، بل استقدم أيضاً قوات النمر، كما لم يكتفِ كعادته بالميليشيات الإيرانية وميليشيا حزب الله اللبنانية، وإنما باتت المعركة معركة روسيا في سماء الغوطة، وفي المحافل الدولية، ووفق مخططاتها التي رسمتها لها، وأوامرها التي أملتها، واتفاقياتها التي أبرمتها مع شركائها بالمصلحة.
عملت روسيا مع حلفائها وفق مبدأ المحاصصة “أطلق يدي وانطلق”، وفرضت إرادتها ليس فقط على سوريا ونظامها، بل حتى على الأمم المتحدة ومجلس الأمن والدول الإقليمية، وهيمنت على القرار الدولي، وباتت المتحكم فيه، فكان التخاذل الدولي تجاه الغوطة الشرقية أكبر من أي وقت مضى.
لم يُرد أي طرف دولي، وليس لم يستطع، إنهاء تلك الجرائم التي تُرتكب يومياً ومنذ أكثر من عشرين يوماً، وما تزال مستمرة، فكانوا كلهم شركاء فيها بإرادتهم وصمتهم، الذي لم يتعدى الأقوال، وقراراً متواضعاً من أكبر هيئة أممية يفترض أن الهدف من وجودها الدفاع عن حقوق الإنسان وحمايته، لم يحاول هذا المجلس أن يجد له أذناً صاغية، أو سيلةً لإلزام الأسد وشركائه بقراره رقم 2401، ولا غرابة في الأمر، فهي ليست المرة الأولى في تاريخ الثورة السورية، ولن تكون الأخيرة.

الطبيعة الجغرافية والقصف
بالإضافة إلى الأسباب الدولية، لعبت الخبرة لدى قوات النظام والميليشيات المساندة لها، وفارق التسليح والتجهيز والتعداد بينها وبين الثوار، والطبيعة الجغرافية لمواقع المعارك، كما ساهم القصف المكثف بكافة أنواع الأسلحة، ولا سيما من قبل الطائرات الروسية في زيادة التأثير السلبي على الثوار، والتي كان تصل عددها في بعض الأحيان إلى تسع طائرات في آنٍ واحد، مستخدمة المحرم وغير المحرم من الأسلحة على مدن وبلدات الغوطة من قنابل النابالم والفوسفور، في الوقت الذي كانت فيه طائرات النظام تعكر أجواءها بغاز الكلور، وراجماته بالصواريخ، ومدفعياته بالقذائف، ما أجبر الثوار على الانسحاب من مواقعهم ضمن المساحات الزراعية المكشوفة، والتراجع شيئاً فشيئاً، مع محاولات لاستعادة ما خسرته، نجحت في مرات عديدة، إلا أنها خسرت في المحصلة. 

أسباب داخلية 
اقتتال الفصائل وأخطائها السابقة أضعف الحاضنة الشعبية لها، كما أضعفت هجماتها على قوات النظام القريبة، ما ترك الباب مفتوحا أمام محاولات النظام للتقدم، كما ساهم الاقتتال السابق في خسارة أجزاء سابقة كانت تعتبر السلة الغذائية للغوطة ولا سيما القطاع الجنوبي، إضافة إلى التنسيق المتواضع بين جيش الإسلام وفيلق الرحمن أبرز فصائل الغوطة الشرقية.
ويعتبر تمكن قوات النظام من قسم الغوطة إلى قسمين شمالي تحت سيطرة جيش الإسلام، وجنوبي تحت سيطرة فيلق الرحمن، تمزيقا مميتا لأوصال الغوطة وقدرة الفصائل على المقاومة، بعد خسارتها لمديرا وبيت سوى.
كما جاءت أنباء الاقتتال في الشمال ما بين تحرير سوريا وتحرير الشام في محافظتي إدلب وحلب لزيادة الطين بلة، في حالة من التراجع العسكري لم تشهد سنوات الثورة السبعة الماضية مثيلا لها.

النتائج والتوقعات
في ظل واقع القصف الجوي وتركيز النظام لقواته وميليشياته وتطويقهم للغوطة، واستشهاد نحو 1200 مدنياً، وإصابة أكثر من 7 آلاف آخرين، وتدمير مدن وبلدات بأكملها، لم يعد مرجحا صمود الأهالي لفترة طويلة، وهو ما يقرب من احتمالات التفاوض والتسليم على شكل هدن ومصالحات تفضي بسيطرة النظام بشكل أو بآخر، لكن يبقى أن يبادر المجتمع الدولي وعلى رأسه أمريكا بالتدخل في اللحظات الأخيرة لمنع حدوث مقتلة تجعل من الأسد منتصرا على أكبر معاقل معارضته القريبة من دمشق، لتفرض على مجلس الأمن وروسيا قرارا بوقف إطلاق النار بشكل فوري.
كل الخيارات ممكنة في سابعة الثورة وزمن الخسائر، في وقت بدأت تتسرب صور لبعض الأهالي وهم يعبرون المعابر المذلة التي فرضها النظام على أهالي الغوطة دون معرفة مصيرهم بعد مغادرتهم كاميرات النظام التي تفتخر بنصرها.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*