انتصار نيروني في الغوطة.. والثورة في العناية المشددة

خاص زيتون 
تشابه طريقة تفكير المنظومة الحاكمة في سوريا طريقة تفكير القاتل المتسلسل، صاحب النمط والطقوس المحددة في ارتكاب جرائمه، لاستجلاب أكبر قدر من المتعة، وهو غير قادر على الخروج من تلك الآلية في التفكير، أو الخروج من القالب الذي اعتاده، لارتباط ممارسته بفكرة مسيطرة عليه.


ما سربه النظام في الآونة الأخيرة من مقاطع لرأس النظام عن عودة القائد المنتصر إلى الغوطة واعتلائه دبابة مع مجموعة من الجنود، أو عن استعراض قيادته لسيارته بمفرده في شوارع دمشق، أو عن الإنسانية المفاجئة والمفرطة من جنوده وهم يتربصون بأهالي الغوطة على معابر الموت والذل، بحملهم للأطفال الصغار أو حمل أمتعة المسنين، كل هذا يمكن أن يختصر طريقة تفكير النظام وبراعته في الاستعراض.
ورغم أن الحضور الروسي الطاغي على المشهد الميداني في الغوطة وفي سوريا بشكل عام، ينغص على النظام شيء من حبكته البطولية، لكنه لن يوفر مثل هذه الفرصة التي قد لا تسنح له مرة أخرى.
المقاطع المسربة رغم ما مرت به من تنقيح وتمحيص ومونتاج لم ينجو أياً منها من أخطاء تكشف زيف السيناريو المقدم، قافلة سيارات الصليب الأحمر الدولي أمام سيارة رأس النظام المدعي البطولة، الذل المتخفي لدى الجنود العارفين بحقيقتهم كأزلام لروسيا، وجع الحسرة والاحتقار في وجوه المتعبين الخارجين من خنادق الموت إلى موت أشد، اختاروه ربما حفاظا على الصغار، المفردات المنفلتة أمام دور غير متقن لشعب ثائر وقع تحت رحمة جلاده، أو حركات عناصر الجيش المتحفزة للانتقام، الأطفال الذين لا يعرفون الكذب، وبصاقهم على عناصر النظام حين يذكر الأسد، رغبة الكبار في عبور المشهد المخزي بأقل انكسار، خوف النساء مما بعد العدسة، لقاء القاتل مع الضحية في تمثيلية أجبر عليها الطرفان.
“أنا أو لا أحد”، منذ بدأ حكم الأسد الأب حتى اليوم يتبع النظام هذه القاعدة، سأهدم بيوتكم، وأحول أطفالكم إلى أشلاء، سأقتلكم بكل الوسائل، سأنحني للجميع مقابل أن أذلكم، هذا ما يريد قوله بشار الأسد في مسرحيته الفجة.

صورة الطفل الحامل لصورة جلاده بإحدى يديه بينما يحمل أمتعته في اليد الأخرى، برأس منكس يقطر قهرا، الطفل الآخر الذي يبصق على الجندي في مقطع مصور لإعلام النظام، حين سمع باسم بشار الأسد ونهر والده له، المفردات المهيأة سابقا من الأهالي كتذاكر عبور، العيون التي تصرخ عكس الكلمات، غموض المصير بعد تلك اللحظات، هي جزء من نهج القاتل في ذل ضحاياه، وهي رسالة لمواليه قبل معارضيه عن مصير من يقول لا.
ووسط حالة من العجز والضياع واستنجاد العالم الميؤوس منه، تعود الأسئلة لتبحث عن المسؤول، الاقتتال الفصائلي في الغوطة وإدلب، أخطاء الفصائل على المدنيين، تخلي المجتمع الدولي وعلى رأسه أميركا عن القضية السورية، استفراد الروس بسوريا وشعبها وتحويلها إلى حقل تجارب لأسلحتها الفتاكة.
تعود الأسئلة لتطرح من جديد حول عدالة الحياة وانهزام الحق وانتصار الظالم، في الوقت الذي تحمل به سيارات الهلال الأحمر أهالي حرستا إلى أماكن بعيدة، وأهالي حمورية وسقبا إلى مراكز إيواء غير واضحة المصير، وسط اعتقال الشباب إلى جهات مجهولة، وبدء الحديث عن تفاهمات يجريها جيش الإسلام مع روسيا لتسوية في دوما.
قد يكون ما يحدث اليوم هو التبرير الحقيقي لما قام به السوريين منذ سبع سنين، في قضية ما تزال مفتوحة منذ الأزل، لا يمكن أن تنتهي.. حرية الإنسان وكرامته.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*