تجارب زراعية مبتكرة في إدلب.. ماهي وما مستقبلها؟

زيتون – أسامة شهاب
“سماد عضوي لو سُمدت به الأرض يغنيها عن التسميد مدى الحياة، ويخلصها من كل سلبيات الأسمدة الكيماوية”، بهذا يقدم “رياض السوادي” مشروعه الجديد لإنتاج سماد عضوي من خلال الديدان الحمراء بمحافظة إدلب، والذي يعتبر الأول من نوعه في سوريا.


يأتي مشروع السوادي في ظل أوضاع غير مستقرة للمزارعين في المناطق المحررة ومواجهتهم لتحديات ارتفاع أسعار الأسمدة وندرة وجودها، فضلاً عما بات يقلق الكثير من الأهالي جراء انتشار الأمراض السرطانية من استعمال الأسمدة الكيماوية بشكل مفرط في الفترات السابقة.
وقد يبدو من الترف الحديث في سوريا عن الآثار البيئية السلبية التي تتركها الأسمدة الكيماوية بعد تفاعلها مع التربة وانعكاساتها على المياه والجو والصحة العامة أمام ما يحدث من استعمال النظام السوري للغازات السامة الصرفة والصافية كأسلحة فتاكة في قتل شعبه، لكن يبقى توفير خيارات صحية سليمة أمام المزارعين كمشروع “السوادي” أمراً مرحباً به، لما يوفره من إمكانيات وتكاليف عليهم.

ما هو هذا السماد وكيف ينتج وما هي أدلة فعاليته العلمية؟
ينتج هذا السماد من تربية دودة الأرض الحمراء “red wiggler” بمزرعة خاصة بها وفق شروط مناسبة لها، لتقوم الديدان بتحويل نفايات المنزل العضوية لـ “دوبال” (سماد عضوي) غني جداً بالمواد المفيدة للزراعة، إذ يمكنها بفضل ما تفرزه من أنزيمات، تحويل المخلفات العضوية إلى سمادٍ خالٍ من الكيماويات، يُعرَف باسم “فيرمي كومبوست”.
ومن بلدة حيش في ريف إدلب الجنوبي انطلق “السوادي” لتنفيذ فكرته البكر، والتي تطبق لأول مرة في سوريا، بعدما استمد فكرتها من الصين أثناء إقامته هناك.
ويقول “السوادي” لزيتون: “لست مبتكرا وهذه التجربة قديمة خارج سورية، تعلمتها أثناء إقامتي بالصين وأحببت أن أنقلها لبلادي لما رأيته بها من أهمية وفائدة، أولاً لما تقدمه من بديل عن استخدام السماد الكيماوي المسؤول عن الكثير من الأمراض التي انتشرت بشكل كبير بعد استخدام الأسمدة الكيماوية وخصوصاً السرطانات، وثانياً أردت أن تكون مشروعاً تجارياً لي، لسهولة تنفيذها وفاعليتها، وإمكانية جني الأرباح بعد الصبر عليها والاهتمام بها.”
ومن تركيا جلب صاحب المشروع الديدان، كما قام بإعداد غرفة خاصة لها لإنجاز مزرعته، وعن طريقة تربية الديدان شرح السوادي لزيتون:

“عبر صناديق بلاستيكية وخشبية تُعبأ بأوراق الأشجار والروث ونشارة الخشب، يتم نقع الخليط بالماء لمدة 24 ساعة كي يصبح مناسبا لحياة الديدان”.

أما عن الظروف الملائمة لحياة وتكاثر الديدان يوضح السوادي: “يجب أن تكون الحرارة من 15 إلى 25 درجة مئوية، أما الرطوبة فيجب أن تكون بمعدل 70 إلى 85 %، كما يجب المحافظة على الرطوبة بشكل دائم ورشها بالماء يوميا لهذه الغاية”.
ويحتوي الكيلو غرام الواحد من الديدان على حوالي 2500 دودة، تتغذى بالفضلات المنزلية والروث، وتنتج نصف وزنها سماداً عضوياً، وينتج الكيلو غرام الواحد منها نصف كيلو سماداً يومياً، أي أن 80 كيلو غرام من الديدان ينتج 1 طن من السماد العضوي بالشهر الواحد، إضافة لزيادة الإنتاج ضعفين كل شهرين بسبب ازدياد أعداد الديدان بعد التكاثر، فهي تبيض كل أسبوع مرة، أي أنه بعد عام يتضاعف عددها إلى 100 ضعف، مما يزيد الإنتاج كثيرا كما يقول السوادي.

تؤيد معلومات “السوادي” دراسة أجرتها جامعة نيو ميكسيكو قالت فيها إن حوالي 2000 دودة يمكن أن تستهلك حوالي 2.5 كيلو غراما من بقايا الطعام خلال 24 ساعة من الوقت، وهي بهذا الشكل تقدم حلولا رائعة للفضلات وتحويلها إلى مواد عضوية ذات فائدة هائلة وبديلا عن مواد مضرة.


“الذهب الأسود”
يطلق اسم “الذهب الأسود” في بعض الدول الأوربية على السماد العضوي المستخرج من الديدان الحمراء نظراً لمزاياه الكبيرة، تكمن إحداها بتحسين خواص التربة بنسبة 60% مع أول تسميد لها، وتزيد النسبة مع موسم الزراعة الثاني إلى 90%، ثم تصل في الموسم الثالث إلى 100%، إذ تتحسن خواص التربة تماماً وتعود لها الأحياء الدقيقة، ولا يحتاج المزارع في المواسم التالية إلى استخدام أي سماد آخر، بحسب صاحب التجربة وخبراء قدموا أبحاث في علم الزراعة أمثال الدكتور “محمد سعد” في جمهورية مصر.

وفي لقاء للمهندس الزراعي التركي “طيفون أوغوز” على قناة الجزيرة شجع هذه التجربة كما اعتبرها هي الأمثل لإعادة الحيوية والحالة الصحية للفواكه والخضروات، والتخلص من كل سلبيات الأسمدة الكيماوية.

ولدودة الأرض في الدورة الزراعية أهمية عرفت منذ القدم، فقد أطلق عليها الفيليسوف أرسطو “معدة الأرض”، ويقال أن كليوباترا اعتبرتها من المخلوقات المقدسة في مصر، وأصدرت قانوناً يمنع انتزاعها من كل الأراضي، كما تقدسها الديانة البوذية وتبذل جهودا كبيرة في العناية بها حتى اليوم، وبدراسة أمريكية أجريت عام 1949 برعاية وزارة زراعتها أثبتت أن دودة الأرض من الأسباب الرئيسية لخصوبة وادي النيل.

“تدوير المخلفات” أو “عملية التدبيل” هي المسمى العالمي لهذا المشروع، والذي يسعى السوادي لانتشاره في بلاده من خلال توزيع عينات من السماد الذي ينتجه على اصحاب المشاتل، لتجريبه ومعاينة فوائده عمليا لقلة الخبرة والمعرفة بأهمية هذا المشروع، الذي توجهت له العديد من الدول في السنوات الأخيرة أمثال تركيا ومصر، سبقتها بذلك كوبا حيث بدأ أول مشروع فيها بصندوقين عام 1986 وبعد 10 سنوات أصبح فيها 172 مركزا لعملية التدبيل، تنتج سنويا أكثر من 99 ألف طناً من السماد.
وفي هذا الشأن يقول “السوادي”: “الفكرة جديدة في بلادنا، وتحتاج لدعم معنوي ومادي لنشرها وتعريف الناس بها حتى تنتشر وتعتمد كسائر البلدان التي انتشرت بها”.


“إنبات الشعير دون تربة”
للسوادي مشروع رائد ثاني في عالم الزراعة، ينفذه للمرة الأولى بإدلب كمشروع الديدان، وهو مشروع إنبات الشعير دون تراب في دروج لمضاعفة كميته إلى 7 أضعاف.
وفي شرحه عن الفكرة يقول “السوادي” لزيتون: “أولاً يعقم الشعير بالكلور ثم ينقع بالماء مدة 24 ساعة، ويوضع كل كيلو غرام منه في درج مخصص، ثم يسقى بالماء كل 4 ساعات، وخلال 8 أيام يتحول الكيلو غرام الواحد إلى 7 كيلو غرامات شعير مستنبت”.
ويرى السوادي أن أهمية التجربة تكمن في أن هذا الشعير يعتبر علفاً جيداً لغنى جذوره بالبروتينات، إضافة إلى احتوائه على اليخضور الأكثر نفعاً للحيوانات من الشعير الجاف.

ويضيف السوادي: “الشعير المستنبت أقل تكلفة بسبعة أضعاف من الشعير الجاف، مع إمكانية إنتاجه في مساحات صغيرة منزلية لا تحتاج إلى مساحات زراعية كبيرة ما يمنح فرص عمل للأهالي في الأوضاع الاقتصادية الحالية الصعبة”.
ويرى المزارع “محمد الآمنة” أن لهذه التجارب أهمية كبيرة وخصوصا مشروع التدبيل، لاسيما وأنها إن أثمرت تعيد الصحة الكاملة للمزروعات، مؤكدا على تحسر كبار السن على خضارهم سابقاً قبل أن تلوثها الأسمدة الكيماوية وتسلب نكهاتها وطعومها، مشيراً إلى أنه سينتظر تجربة هذا السماد العضوي وتأكيد فاعليته للبدء به عملياً.
في غرفة صغيرة يسعى سوري طامح في بلدة صغيرة بمحافظة إدلب للإبداع والتطور، عاد لبلدته من الغربة حاملاً معه أفكارا مفيدة، متأملاً أن يتمكن من تخفيف بعض مصاعب الحياة وكرب الحرب وما يطويه من نواقص واحتياجات وآلام.
“أريد أن تكون بلادي أفضل من سائر البلدان” هكذا ختم السوادي حديثه لزيتون.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*