اغتيالات إدلب من يقف وراءها؟

خاص زيتون

حرب تصفية بين الفصائل أم تهيئة دولية

في حرب مفاجئة وصامتة وعنيفة تعيشها محافظة إدلب بطلها “مجهولون” نفذوا عشرات عمليات الاغتيال والتصفيات وإطلاق نار على الحواجز من كلا الفصائل المتقاتلة دون أن يتم تحديد الفاعلين حتى الآن، ورغم أن تردي الحالة الأمنية والانفلات والفوضى ليست بالجديدة على المحافظة، إلا أن حدة وكثافة العمليات التي بدأت منذ أيام قليلة تؤكد أن قرارا تابعا لجهة ما يقف ورائها لتنفذ مخططاً مرسوماً.

وبدأت الاغتيالات يوم الأربعاء الماضي، بموجة تصفيات حصدت 11 قتيلا منهم مدنيين في ست عمليات بمختلف مناطق المحافظة، فيما شهد يوم الخميس تصعيدا كبيرا في حدة العمليات إذ حصدت 17 عملية ما يقارب 20 شخصا في يوم واحد، وما تزال العمليات مستمرة حتى اليوم.

وكان أبرز عمليات اليوم الأول اغتيال أحد كوادر جيش الأحرار ويلقب “أبو سليم بنّش”، على يد مجهولين على أطراف مدينة بنش صباح الأربعاء، تبع الحادثة عملية اغتيال أخرى لقيادي في هيئة تحرير الشام ويلقب “أبو الورد كفر بطيخ” مع مرافق له واختطاف ثلاثة مرافقين آخرين، وذلك بإطلاق رصاص على سيارته من قبل مجهولين شمالي مدينة معرة النعمان جنوب إدلب.

إلى ذلك قام مجهولون باغتيال ثلاثة مقاتلي من مهجري مدينة الزبداني على طريق إدلب – معرة مصرين شمال مدينة إدلب.

وفي ذات السياق قتل ثلاثة مهاجرين من الحزب الإسلامي التركستاني بين بلدتي ملس وأرمناز شمال إدلب بعد أن أطلق مجهولون النار عليهما، فيما تعرض الإعلامي “مصطفى حاج علي” مدير المكتب الإعلامي بمديرية التربية الحرة لمحاولة اغتيال، إثر إطلاق النار عليه من قبل مجهولين قرب بلدة النيرب شرق إدلب.

واغتيل كل من مدير شركة حوالات مالية في مدينة سرمدا وصيدلي في قرية جوباس، كما جرت عمليات اغتيال فاشلة ضد القائد العسكري في لواء الفاتحين التابع لجبهة تحرير سوريا “أبو إسماعيل أيوب” في مدينة التح، ومحاولة أخرى لمنزل النقيب “أمين” القائد العام لجيش حلب الشهباء في قرية السحارة بريف حلب الغربي.

وتناقلت وسائل الإعلام خبر اغتيال رئيس مركز الشرطة الحرة في مدينة الدانا المقدم “أحمد الجرو” صباح أمس بتفجير سيارته بعبوة ناسفة، إلى ذلك ‏شهد يوم الجمعة وهو اليوم الثالث للاغتيالات عدة عمليات اغتيال كان حصيلتها 14 قتيلاً من بينهم نساء وأطفال، وقضى 4 أطفال ونجا والدهم القيادي السابق بهيئة تحرير الشام “أحمد الدوش” من قرية “صراع” بعبوة ناسفة استهدفت سيارته، بالقرب من ”محمبل” جنوب غرب إدلب.

ونجا القيادي السابق في هيئة تحرير الشام “عبد الله المحيسني” من محاولة اغتيال قرب “سراقب” يوم أمس، وأصيب مرافقه إصابات طفيفة بعد استهداف سيارته بعبوة.

حرب الاغتيالات تدفع بمدن وبلدات إدلب لمنع اللثام

أصدرت عدة مدن وبلدات في إدلب يومي الجمعة والسبت الماضيين، قرارات تقضي بمنع اللثام فيها، وذلك عقب موجة الاغتيالات التي تشهدها المحافظة منذ عدة أيام، بهدف حماية الأهالي وتحصين البلدات من هذه العمليات.

وقال مراسل زيتون إن مجلس شورى مدينة خان شيخون، أصدر قرارا ليلة أمس، منعت فيه اللثام بشكل كامل نظرا للظروف الأمنية المتردية والاغتيالات الحاصلة معتبرة أن أي ملثم داخل المدينة هدف مشروع، كما أصدر المجلس العسكري في بلدة كفرروما بيانا مشابهاً يمنع ارتداء اللثام من قبل المقاتلين والمدنيين على حد سواء، وأعطى تعليمات لحواجز ودوريات البلدة بالتعامل مع أي ملثم، وأصدر المجلس العسكري في بلدة جرجناز والمجلس المحلي ومركز الشرطة في مدينة سرمين بياناً منعا فيه ارتداء اللثام وحذرا من عدم التجاوب مع البيانين بالتعامل معه مباشرة دون التأكد من هويته من قبل دوريات البلدة، ومنع المجلس العسكري في جرجناز المدنيين من الاقتراب من الأماكن العامة، مطالبا المجلس المحلي بتقديم بيانات للمهجرين في البلدة لدراستها.

وكان نشطاء في محافظة إدلب قد أطلقوا الجمعة، حملة بعنوان “لا للثام في المناطق المحررة” دعوا فيها الفصائل لاتخاذ موقف صارم تجاه ظاهرة اللثام التي ساهمت وساعدت في تفشي الفوضى وحملة الاغتيالات الأخيرة.

الجهات المحتملة خلف الاغتيالات

ويرجح مراقبون عدة خيارات حول مسؤولية الاغتيالات ومن يقف خلفها منها أن تكون حرب بين الفصائل المتقاتلة رغم الاتفاق الأخير الذي تم التوصل إليه بينها، أو أن تكون خلايا نائمة تتبع لتنظيم داعش هي من يقوم بتلك العمليات، فيما يشير البعض إلى تورط أجهزة مخابرات دولية واقليمية، كما تبقى أيدي النظام السوري حاضرة في الساحة والتي تخدم هذه الاغتيالات مصالحه بالدرجة الأولى.

اتفاق هش

العمليات التي طالت كافة الفصائل المتقاتلة في المحافظة زادت من حيرة المراقبين الذين اعتبر بعضهم أنها حرب مستترة تدور معاركها بصمت بين الأطراف بعد اتفاق مصالحة لم يكن واضحاً أو مقتنعاً للكثيرين، أرجعه البعض إلى رغبة الدول الإقليمية وعلى رأسهم تركيا التي يمكن أن تكون قد فرضت هكذا اتفاق، ليبقى الاقتتال مستمراً بشكل مخفي عبر الاغتيالات.

اتفاق الصلح الذي تم التوصل إليه يوم الثلاثاء 24 نيسان، وتناقله ناشطون كان نصاً مكتوباً بخط اليد، يقضي بوقف الاقتتال بشكل دائم وكامل، وفتح الطرقات ورفع الحواجز، وعودة المهجرين إلى منازلهم، كما نص على إيقاف التحريض الإعلامي في الحسابات الرسمية والرديفة، بالإضافة إلى إطلاق سراح المعتقلين من الطرفين وفق جدول زمني بين الطرفين، وتشكيل لجنة من الطرفين لمتابعة تنفيذ الاتفاق، والبدء بمشاورات موسعة مستمرة للوصول إلى حل شامل على جميع الصعد.

الاتفاق الموقع من قادة الفصائل الثلاث لا يبدو أنه اتفاق مثبت بالمقارنة مع البيانات الاتهامية المدبجة والمفصلة التي كانت تصدرها هذه الفصائل وقت الاقتتال، كما أن الاتفاق يفتقر إلى أية تفاصيل كانت مثار خلاف عليها فيما سبق، ولا يدل غيابها إلا على فرض الاتفاق عليهم بشكل سريع، وتسويف كافة الخلافات إلى وقت لاحق، وهو ما يترك باب الشك مفتوحاً على مسؤولية هذه الفصائل عن الاغتيالات الأخيرة.

وتشير حادثة مقتل “عبد الرحمن خالد العناني” المنتمي إلى جبهة تحرير سوريا على يد عناصر هيئة تحرير الشام في بلدة مصيبين شرقي إدلب، وما تبعها من اتهامات طالته مع أقرباء له عن مسؤوليته في الاغتيالات التي طالت بعض المنتسبين لها، وما لحق بتلك الاتهامات من تهديدات لأقرباء القتيل بتسليم أنفسهم، تشير إلى حجم الاحتقان الذي ما زال بين الفصيلين المتقاتلين.

الخلايا النائمة وتنظيم داعش

ما يزال عناصر جند الأقصى المنتسبون إلى داعش متواجدين في المحافظة تحت غطاء هيئة تحرير الشام التي ضمتهم إلى صفوفها عقب قتالهم، مع احتفاظهم بولائهم وانتمائهم لتنظيم داعش إلى حد استقلاليتهم في بعض الأحيان عن هيئة تحرير الشام أو العمل تحت مظلتها، لتبقى تلك الخلايا شوكة في خاصرة الفصائل.

كما لا ينبغي تجاهل العلاقة المحتملة ما بين داعش والنظام والتي تجلت مؤخرا في معارك حماة حين فتح النظام طريقا لمرور عناصر داعش إلى مناطق سيطرة المعارضة لقتالها، وما تم تناقله من مشاهد لأسرى داعش لدى فصائل المعارضة وإطلاقهم بعد إعطائهم الأمان، وهو ما يترك احتمال تورطهم في مخططات مُعدّة ومُتفق عليها، بغية إبقاء المحافظة تحت نيران الاقتتال وعدم الاستقرار.

النظام والقوى الإقليمية

تشير بعض العمليات إلى تدريب عال ومهارة قد لا تتوفر لدى عناصر فصائل المعارضة، وهو ما يمكن أن يدل على تورط دولي في تلك الاغتيالات أو تحت إشرافها.

وتأتي هذه الاغتيالات بينما الأنظار تتجه حاليا إلى محافظة إدلب باعتبارها هدفاً محتملاً لهجوم قوات النظام عليها، المحافظة التي شهدت تقدماً لقوات النظام في بداية العام الحالي، وسيطرتها على مطار أبو الظهور ووصولها إلى قرى تل الطوقان وتل السلطان في مناطق إدلب الشرقية.

وبدأ الحديث عن إدلب واحتمال هجوم لقوات النظام عليها بعد التقدم الكبير الذي حققته قوات النظام في الغوطة الشرقية بدعم روسي كامل أشرف على المصالحات والتسويات التي أفضت إلى خروج المقاتلين والأهالي الراغبين منها إلى الشمال السوري ومراكز الإيواء بعد حملة قصف مكثف شنه الطيران الروسي.

كما تناقل نشطاء أمس الأحد قدوم قوات وأرتال تابعة للنظام السوري من دمشق إلى ريف حمص الشمالي في تأكيد لنيتها لشن هجوم على مناطق سيطرة المعارضة في إدلب.

سيناريو شن قوات النظام هجوماً على إدلب يبدو محتملاً ومرجحا ولا سيما في ظل الاقتتال الفصائلي الذي تشهده المحافظة وبعد سيطرة النظام على الغوطة الشرقية وتصريحات إيرانية تشير إلى رغبتها في السيطرة على محافظة إدلب، لتؤكدها تصريحات فرنسية محذرة من كارثة إنسانية في إدلب بحال تم الهجوم عليها.

ورغم نشر الجيش التركي عدد من نقاط المراقبة له في إدلب بناء على اتفاق أستانا، إلا أن طلب تركيا من إيران وروسيا عدم تكرار سيناريو الغوطة الشرقية في ريف حمص الشمالي وإدلب يدل على عدم تفاهم حقيقي بينهما على مصير هذه المنطقة، مع الإشارة إلى ما ضمنه الطرف التركي من إخلاء المحافظة من تنظيم القاعدة وجبهة النصرة وهو ما لم ينفذ حتى الآن، بل يبدو أن هناك تدخل تركي في الاتفاق بين هيئة تحرير الشام وجبهة تحرير سوريا الأخير.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*