الطفل الذي هتف في المظاهرات صار مطلوبا

زيتون – أحمد فرج

الطفل ذو السبع سنوات والذي اشتهر بهتافه في المظاهرات صار عمره اليوم 14 عاما، ولم يتوقع والداه أن الأيام ستطول بذلك النظام إلى الحد الذي سيكبر فيه صغيرهما ليضطر إلى الذهاب لمناطق سيطرة النظام لتقديم امتحان الشهادة الإعدادية في حماه.
رامي الذي سحرته المظاهرات التي انطلقت في عام 2011، ليقع في غرامها، ويقود هتافاتها في بلدته التي أحبته لمثابرته وذكائه، صار اليوم فتى على أبواب الشباب ويلوح له مستقبل دراسي لافت بما يقدمه من نجاح في مدرسته.

القلق توصيف مثالي لأم رامي، كيف ستضمن أن يعبر طفلها على حواجز النظام وهو الطفل الذي اشتهر بصوته ضده، وكيف لها أن تحرمه من مستقبله وهو يقدم جدارته وامكانياته المقتنعة في استكمال تعليمه، هل ستغفر له طفولته أم سيبقى الوحش وحشا لا يميز بين طفل وبالغ ومسلح ومدني.
شهادات الائتلاف البائسة ليس لها رصيد، مستقبله يكمن في الحصول على شهادة معترف بها دوليا من النظام، للحصول عليها يجب أن يعبر حواجز النظام الخطيرة على بوابات حماه، وهناك ينتزع المطلوبون من حافلات الركاب ليحولوا إلى سجون الموت، هل سينجو الياس من تلك الحواجز.

تحاول أمه منذ عدة أيام التخلص من مقاطع اليوتيوب التي اشتهر بها، ومقالات الصحف والمواقع التي كتبت عنه، لتؤمن أكبر قدر ممكن من السلامة له، تواصلت مع مواقع عالمية طالبتهم برجاء حذف تلك المعلومات والصور والمقاطع المصورة، ورغم عدم الرد عليها إلا أن محاولتها لم تتوقف بل تواصلت مع مقربين لها طالبة مساعدتهم.

ستكون معه في تلك الحافلة، ترعاه بعينيها وتدعو له كي يجعل من بين أيدهم سدا ومن خلفهم سدا ويعميهم فلا يبصرون صغيرها، ليعبر ذلك البرزخ إلى مستقبله المرتجى.
أحب رامي الحرية التي صرخ لها، وأحب ما لاقاه من احترام المحيط له، لم يحب السلاح ولم يمجد المسلحين، كان يرى في المظاهرة طريق الخلاص له ولعائلته ولبلده، ومن هنا كان يتهيأ للمظاهرة على أنها احتفال.
سبع سنوات كبر فيها الأطفال ليصبحوا أسماء مطلوبة للنظام، ورغم أنهم ما يزالون في طور الطفولة إلا أنه سيحاسبهم على براءتهم السابقة والحالية ورامي واحد ممن كبروا تحت كنف الحرية فكيف له أن يقبل صورة جندي قاتل أو شبيح مجرم يحمل على صدره صورة مثله في الإجرام على صدره في أرض العبودية التي ما تعود عليها الصغير؟

ويضطر طلاب المناطق المحررة إلى التوجه إلى مراكز امتحانات مناطق النظام لكي يحصوا على شهادات معترف بها تمكنهم من استكمال دراستهم في الجامعات التي لم يستطع الائتلاف السوري المعارض من انتزاع اعتراف لمدارسه لديها، ما يحمل هؤلاء الأطفال مخاطر كبرى ومضايقات وخوف من قبل ذويهم، فضلاً عن التكاليف الباهظة في السفر والإقامة في فترة إقامتهم بمدن الامتحانات.
ورغم المحاولات الجادة التي بذلها طلاب المناطق المحررة في متابعة دراستهم في مدارس الائتلاف والتربية الحرة، إلا أنهم اصطدموا بعدم وثوقية هذه الشهادات وضعف الاعتراف بها، مع عدم جدية في التعاطي مع مشاكلهم من القائمين على التربية الحرة، الذين انشغلوا بصراعاتهم الفصائلية وانتماءاتهم الضيقة مقدمينها على مستقبل أجيال ضيعت الحرب قسما من مستقبلهم فيما فاتتهم فرص التعليم والشهادات المعترف بها لتقضي على ما تبقى منه.

غياب تام للمدافعين عن حقوق الأطفال السوريين المتروكين لأهواء عناصر الجيش على الحواجز، فلا أطراف دولية ولا منظمات أممية تسعى لتحييد هذه الشريحة عن مآسي الحرب، رغم كل ما نصت عليه شرائع الأمم المتحدة والأعراف الدولية وشرعة حقوق الإنسان.

لو تراجعنا عن المشهد قليلا كم سنرى أمثال رامي المتهمون بعمرهم الذين قضوه في مناطق كره النظام، ليتلقفهم النظام في أول فرصة له ويقدمهم كشهود زور كما حدث بعد مجزرة الكيماوي في دوما، أو ليجبرهم على حمل صور المجرم الذي قتل أهاليهم، مشوها براءتهم مرتين، الأولى حين فرض عليهم حياة ملأى بالخوف والرعب والثانية حين كسر أيمانهم وحلمهم وهم يرون أهاليهم يتذللون لقواته.
أطفال كبروا لم يرو من مدن بلدهم سوى بلداتهم كما لم يرو من سوريا سوى الموت والدمار وانكسار العدالة والحق وانتصار الباطل

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*