مجلس شورى جرجناز.. سلطة شعبية نافذة

زيتون – أسامة الشامي

في ظل غياب السلطة الضابطة في المحرر بعد إزالة سلطة نظام الأسد، كان هناك تجارب شعبية تنظيمية، لضبط شؤون وإدارة المدن والبلدات في إدلب، لا سيما بعد أن سيطر العسكر على السلطة، وعدم رغبة الأهالي بهذا النوع من السلطة العسكرية.
مجلس شورى جرجناز أحد هذه التجارب الشعبية، حيث انبثق المجلس من الحاضنة الشعبية الثورية، والمهتمة بشؤون المجتمع، ليلعب دوراً بارزاً بتأسيس الإدارة المحلية، المتمثلة بالمجلس المحلي، إضافة للتنسيق والتناغم في العمل بين فصائل العسكر والادارة المحلية للبلدة، وترتيب أمور البلدة العامة من خلال سلطة شعبية ذات صلاحية مسموعة.
وكان أهالي جرجناز قد تداعو في تشرين الثاني 2016 لتشكيل لجنة تكون مخولة بمخاطبة الفصائل والجهات المسؤولة عن حفظ الأمن والسلم في البلدة عقب أحداث وجرائم طالت بعض المدنيين، كما تم الاتفاق خلال الاجتماع على تشكيل “مجلس شورى جرجناز” ليكون بمثابة مجلس الإدارة الأعلى في المدينة، ويتمتع بكافة الصلاحيات بما فيها الجانب الأمني.

بدأ المجلس أموره التنظيمية عبر تأسيس منظم وشامل لكل أهالي جرجناز، بحيث تكون كلمته ورأيه ممثلين لكافة الأهالي، وذلك من خلال الخطة التأسيسية له، والتي تحدث عنها لزيتون أحد أعضاء مجلس شورى جرجناز “محمد حسين الدغيم” بقوله: “تم اختيار معيار أولي للشمولية وهو عدد دفاتر العائلة، والتي كانت تبلغ حوالي 3800 دفتراً، وتوصلنا لتمثيل كل 250 عائلة بعضو في مجلس الشورى، لينتج لدينا 15 عضواً، يمثلون كافة العائلات المسجلة، ليقوم بعدها أعضاء المجلس بانتخاب رئيس له، ليخلص المجلس إلى رئيس و14 عضواً”.
وكانت آلية انتقاء الـ 15 عضواً عبر معايير ثورية وعائلية وأخلاقية إضافة للفاعلية، حيث يحق لكل 250 عائلة أن تفوض عضواً ممثلاً عنها، شريطة تحقيقه للمعايير الثورية والأخلاقية، بحسب “الدغيم” والذي أكد أنه لم يتم فرض أي عضو من أعضاء مجلس الشورى، بل كانوا جميعاً ممن وقع عليهم اختيار الأهالي، مشيرا إلى أن هذه الآلية منحت الأهالي هامشا بانتقاء من يمثلهم، إضافة لأنها أعطت العائلات الصغيرة والتي لا يبلغ عدد أبنائها الـ 25 عائلة حقهم بالتمثيل.

دور المجلس وأعماله 
وقد لعب مجلس شورى جرجناز دور المنسق العام بين كل مكونات وهيئات الثورة في البلدة مع صلاحية كاملة تؤهله لذلك، إضافة لحل أي خلاف يقع فيها، والتصدي لأي تجاوز يقع ولم تستطع الجهة المسؤولة عن مكافحته.
وعن ذلك قال عضو مجلس شورى جرجناز “حمدو حسين الدغيم” لزيتون: “كان المجلس صمام أمان وصلة الوصل بين كل الهيئات المدنية من جمعيات وفعاليات من جهة، وبين المجلس المحلي من جهة أخرى، كما كان صلة الوصل بين المجلس المحلي والمجلس العسكري، وبين المجلسين والمدنيين، وبين جرجناز والقرى التابعة لها”، مضيفاً: “كما كان مجلس شورى جرجناز الجهة المتابعة لأعمال كافة المؤسسات في البلدة، دون التدخل بعمل أي جهة إلا بعد طلبها، وأخذ المجلس دوره في حل القضايا العالقة والخلافات التي تنشب بين بعض الأطراف بين فترة وأخرى، وهو المخول الوحيد في المنطقة لاستخدام القوة في حال استدعى الأمر استخدامها”. 
ويعمل المجلس على المحافظة على الأماكن العامة بالبلدة، حيث يتابع هذا الأمر باهتمام واسع، ومنع التعدي عليها، ومنع الفصائل من التعرض لأي مدني في البلدة، حتى في حال وجود شكوى بحقه أو قضية ضده، يتوجب على المجلس العسكري توجيه رسالة لمجلس الشورى يبين فيها الشكوى، ويقوم مجلس الشورى بدوره بإحضار المدعى عليه ومتابعة الأمر، بشكل يضمن اطلاع المجلس على قضايا المدنيين مع الفصائل، حرصا منه على حق المدنيين والعسكريين في آن واحد، ودون حدوث أي تجاوز من جهة على أخرى، وعبر المجلس تتساوى الجهات، بحسب عضو مجلس الشورى.


وكان مجلس الشورى قد جدد في بيان مشترك له مع المجلس المحلي ومنظمات المجتمع المدني والحركة الشبابية والمخفر الثوري في البلدة في 16 أيلول الماضي، تأكيده على عدم تواجد عسكري أو مدني لأيّ فصيل ضمن الحدود الإدارية للبلدة، وإبعاد الفصائل عن التدخل بالأمور المدنية وتركها لأهالي جرجناز متمثلة بمجلسها المحلي، وإنشاء مكتب شرعي في المجلس المحلي لحل كافة النزاعات، وذلك بعد عدة اجتماعات عقدها المجلس والفعاليات المشاركة في البيان.
وعن دور مجلس الشورى في تشكيل المجلس المحلي، قال رئيس المجلس المحلي في بلدة جرجناز “حسن الدغيم” لزيتون: “كان لمجلس الشورى الدور الأبرز بتشكيل المجلس المحلي، وذلك من خلال تشكيل هيئة ناخبة من أفراد البلدة الفاعلين، والذين يتم اختيارهم وفق معايير الثورية والاهتمام بالشأن العام للبلدة، بالإضافة إلى التمثيل العام لكل العائلات فيها، ليقوم أعضاء الهيئة الناخبة بانتخاب المجلس المحلي من المرشحين له”.
وأكد رئيس المجلس المحلي في جرجناز أن مجلس الشورى استطاع أن يكون السلطة الشعبية والتنسيقية، التي تنسق العمل بين الفصائل العسكرية والإدارة المحلية للبلدة.
ويرى الناشط “محمد حسن” من أبناء بلدة جرجناز أن “أكبر دور لمجلس الشورى وأفضلها هو حل الخلافات التي تقع في البلدة فيما بين الأطراف المختلفة المدنية والعسكرية”.
كما كان لمجلس شورى جرجناز مواقف من عدة قضايا في المحافظة، حيث طالب المجلس في بيان له صدر في 22 كانون الأول 2017 حكومة الإنقاذ بعدم التدخل بجامعة حلب الحرة، حاملاً الجهات المسؤولة والهيئات العاملة العسكرية والسياسية على مراعاة الظروف الدولية والمحلية، والعمل بسياسة الممكن.
إلى ذلك أعلن المجلس في بيان آخر له في 18 آذار الماضي، عدم اعترافه بحكومة الإنقاذ، وأصدر قراراً في 28 نيسان الماضي، يقضي بمنع ظاهرة اللثام في البلدة، وذلك لمكافحة عمليات الاغتيال، على خلفية ازدياد الفوضى الأمنية في المحافظة.
في 23 آذار من العام الحالي وبالتزامن مع الحملة العسكرية على ريف إدلب الجنوبي والشرقي، في وقت نزح فيه أهالي جرجناز عن مدينتهم، أعلن المجلس عن انتهاء ولايته دون أن يحدد موعدا لاختيار مجلس جديد، وما يزال منذ ذلك الحين في محاولته لتشكيل مجلس شورى جديد للمدينة.
على الرغم من انتشار مجالس للشورى في عدد كبير من المدن والبلدات في ريف إدلب الجنوبي، يبقى مجلس مدينة جرجناز الأكثر نجاحا بينها، وذلك لتمثيله الحقيقي لرأي الأهالي وتحمله مسؤوليته بكفاءة واضحة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*