دور المجالس المحلية في العمل السياسي

خاص زيتون – ربيع زيتون
بدأت تجربة المجالس المحلية في سورية بعد الأزمة الانسانية التي تسبب بها إجرام النظام، ليقوم بعض الأفراد والمجموعات الصغيرة بتقديم بعض الخدمات الأساسية للأهالي ضمن إمكانياتهم، وتطورت التجربة شيئاً فشيئاً، لينتج عنها المجالس المحلية المرتبطة بمؤسسات المعارضة، وأحد مكونات الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وتهدف إلى سد الفراغ الذي تركته الدولة الغائبة، من خلال تقديم الخدمات المدنية لأكبر قدر ممكن من الأهالي بأفضل طريقة ممكنة، إلا أنها تعاني من نقص الخبرة المطلوبة في أداء الخدمات، كما أن أغلب العاملين بها لم يقوموا بمثل هذه الأعمال سابقاً، بالإضافة إلى صعوبات أخرى تواجهها.

دور المجالس المحلية في تشجيع وتعزيز العمل السياسي
يرى المراقبون أن تأسيس المجالس المحلية في بداياته كان مؤشراً على الوعي بأهمية العمل المدني، كما أن تطور آلية تشكيلها عبر الانتخابات بداية لعمل سياسي على مستوى مصغر، وعلى الرغم من أن أعضاء هذه المجالس لم يكن لديهم في ذلك الوقت الخبرة والقدرة الكافية على إدارة العمل المدني والخدمي، إلا أنهم كانوا الأكثر شجاعة لتقديم الخدمات تحت تهديد السلاح والقصف الجوي.
رئيس مجلس مدينة إدلب سابقاً “اسماعيل عنداني” قال لزيتون: “لا شك أن للمجالس المحلية دوراً كبيراً في تعزيز العمل السياسي والمدني في المحافظة، وتوعية المدنيين على أهمية وقوة هذا العمل، وقد لعبت المجالس المحلية ولا تزال دوراً فاعلاً في تشجيع العمل السياسي من حيث طرائق تشكيلها وتواصلها المحلي والخارجي والاعتراف بها، ما دفع الهيئات والكيانات السياسية للانخراط بها كونها الصلة المباشرة بين الأهالي والإدارة، وعلى تماس مباشر مع هموم الأهالي ومشاكلهم ومتطلباتهم”.
كما عملت المجالس المحلية الكبرى على الانخراط في الحراك المدني من خلال المشاركة الكبيرة في نشاطات المجتمع، وما يتعلق بالمرأة والأسرة والطفل وحتى الأنشطة الأدبية والنقابية، بحسب “عنداني”، مضيفاً: “لا بد من التركيز هنا على دور الدخول إلى قلب وعقل المواطن من خلال بوابة الخدمات وهي السياسة المتبعة في معظم الدول المستقرة”.
يؤيده في ذلك رئيس المجلس المحلي السابق لمدينة سراقب “مثنى المحمد”، والذي يرى أن دور المجلس المحلي في تشجيع وتعزيز العمل السياسي والمدني يكاد يكون الأهم كونه المؤسسة الوحيدة العاملة على أرض الواقع، فضلاً عن طبيعة دوره الخدمي الهام والأساسي في توفير الخدمات الضرورية للأهالي، وعقد اللقاءات والحوارات معهم مباشرة.

ويعد تفعيل التجمعات السياسية الراكدة، وتفاعلها وتعاونها مع المجالس المحلية، وتشجيعها من قبل تلك المجالس، حاجة ماسة في المناطق المحررة للوصول إلى تحقيق الأمان المجتمعي من خلال المشاركة مع الفعاليات السياسية والمجتمعية.

كذلك يؤكد رئيس المجلس المحلي لمدينة أريحا “أسامة جقمور” على دور المجلس المحلي في تشجيع وتعزيز العمل السياسي والمدني لأنه واجهة المدينة والبلدة، وهو الجسم المدني المنتخب الذي يضفي الطابع المدني للمجتمع، وهو في حال فتح المجال للتجمعات السياسية السلمية بممارسة نشاطاتها ودعمها سيؤدي إلى تعزيز الثقة لدى الأهالي بالفعاليات المدنية والسياسية، ومن هذا الدعم تأمين أماكن الاجتماع لهذه الفعاليات، وأن يكون لها تمثيل في المجالس المحلية، وأن تشارك في قرارات المجالس.
في حين يختلف رئيس المجلس المحلي لمدينة بنش “مصطفى حاج قدور” مع سابقيه بالرأي، إذ يعتبر أن دور المجالس المحلية في النشاط السياسي ضعيف، مضيفاً: “لعل اعتماد المجالس المحلية على دعم المنظمات وقلة أو انعدام وجود موارد مالية للمجالس المحلية، بالإضافة إلى الأوضاع الأمنية السيئة والقصف والدمار، والحالة الاقتصادية المتدهورة لدى الأهالي، السبب الأبرز في ضعف النشاط السياسي سواءُ على صعيد المجالس المحلية أو التجمعات السياسية أو الشارع”.

اختلاف في الصفة والعمل بين المجالس المحلية والتجمعات السياسية
اتهمت بعض التجمعات السياسية في مرحلة معينة المجالس المحلية بتحجيم عملها، وعدم إشراكها في العمل خوفاً من أن تكبر دائرة التجمعات السياسية وتأخذ دور المجالس المحلية، والتي بدورها تؤكد على عدم وجود مثل هذه التخوفات، وأن العمل المدني أحد نقاط قوتها.
وعلق رئيس مجلس مدينة إدلب سابقاً على ذلك بقوله: “لا يمكن للهيئات السياسية لعب أدوار خدمية وإدارية يومية، في حين أن المجالس المحلية تستطيع لعب أدوار سياسية بحكم الشرعية التي تمتلكها، وإن توصيف المجالس المحلية يتعدى كونها خدمية إلى أنشطة أخرى كالاجتماعية والسياسية وغيرها، بما معناه إن المجلس المحلي يأخذ دور حكومة محلية بكل اختصاصاتها، بينما تفتقر الأجسام السياسية إلى القدرة على ذلك”.
وقال رئيس المجلس المحلي السابق لمدينة سراقب: “لا توجد أي تخوفات من أن تأخذ هذه التجمعات دور المجالس المحلية، وذلك لأن للمجلس المحلي الدور الأهم والضامن لتوفير البيئة المناسبة لعمل ونشاط هذه التجمعات، ولآنه يحقق الحد الأدنى من الخدمات الأساسية لتحقيق حالة الاستقرار اللازمة لعمل هذه التجمعات وتحسين أدائها، كما أن المجلس ينتج بناء على عملية ديمقراطية عبر الانتخاب المباشر من قبل الأهالي وعبر صندوق الاقتراع”، مؤكداً على أن العمل المدني والمشاركة هي أحد أهم نقاط قوة عمل المجالس المحلية. 
بينما يرى رئيس المجلس المحلي لمدينة أريحا أن التجمعات سياسية ليس لها صفة المنافس الخدمي، ولذلك لا وجود للتخوفات من قبل الطرفين، ويجب عليهما أن يعملا معاً يجب أن يكونا في ذات الخندق لتحقيق مصلحة الأهالي خدمياً وسياسياً، وواجب المجالس المحلية أن تقوم بتعزيز عمل التجمعات السياسية ومؤسسات العمل المدني الذي من شأنه أن يعزز إدارتها للمدن، كما هو واجب على التجمعات السياسية أن تدعم عمل المجالس المحلية، مشيراً إلى أن هناك تعاون سابق بين المجلس المحلي في أريحا والهيئة السياسية في محافظة إدلب.

رأي التجمعات السياسية
لم يبتعد أعضاء التجمعات السياسية في إدلب بآرائهم عن رأي رؤساء المجالس المحلية، مؤكدين على دور المجالس ضمن المدن والبلدات التي تتواجد فيها بتعزيز العمل السياسي والمدني والتشجيع على المشاركة بهما، وعلى ضرورة التعاون فيما بينهما.
عضو مجلس الإدارة في البيت الإدلبي سابقاً، عضو تحالف قوى الثورة في إدلب حالياً “عبد الرحمن نجار” تحدث لزيتون عن دور المجالس المحلية في بداية تأسيسها بقوله: “كان هناك دور كبير للمجالس المحلية في تفعيل العمل السياسي والخدمي في المدن والبلدات، كما كان لها الدور الأبرز بصباغة المجتمع بصبغة مدنية أشعرت الناس بأن العمل المدني يمكن أن يصنع إنجازات دون الفصائل العسكرية، واستطاعت المجالس إعادة ولو جزءاً بسيطاً من الحياة المدنية وتقديم العديد من الخدمات للمجتمع”.
وعن دور المجالس المحلية حالياً، قال عضو مجلس الإدارة ورئيس مكتب العلاقات العامة والارتباط في تجمع أبناء إدلب سابقاً وعضو تحالف قوى الثورة في إدلب حالياً قال “صلاح غفير” لزيتون: “المجالس المحلية هي الخيار الوحيد لمحافظة إدلب، ولا سيما عندما تكون منتخبة من الأهالي، تعطي صورة للخارج بأن هناك حالة مدنية في كافة المدن، تنفي عنها صورة السواد والتطرف، والأهم هو ثقة الشارع في الداخل”.
ويرى رئيس اتحاد النقابات المهنية بإدلب “عبد الوهاب الضعيف” أن المجالس المحلية هي جهة خدمية لتأمين الحاجات اليومية للأهالي، وإدارة هذه الخدمات، ولكن غالباً ما يكون أعضاء المجالس المحلية هم نشطاء سياسيون أيضاً، وأن المجالس قد تكون جزء من الهيكلية السياسية في المستقبل، وذلك نتيجة للدور الهام الذي لعبته في حياة المجتمعات، ونتيجة لتوسع صلاحياتها في بعض الفترات، رغم ما تشهده حالياً من تحجيم لدورها.

ويعتبر المنسق العام في الداخل للملتقى الوطني السوري والناشط السياسي “ناصر الأعرج” أن المجالس المحلية يمكن أن تقوم بدور سياسي، إلا أنها لا تختلف عن التجمعات السياسية فهي لا تملك القوة اللازمة، وهي ذات صفة خدمية، ولا تخشَ من التجمعات السياسية، بل على العكس تحاول باستمرار التعاون معها على كافة الصعد.

من جانبه قال رئيس حركة نداء سوريا “سامي الخليل” لزيتون: “التجمعات السياسية مع أي عمل يخدم الأهالي، وليس هناك من عمل بدون أخطاء، ونحن مع تجربة المجالس المحلية، ولكن العمل يحتاج إلى قانون، والمجالس تعمل بالعاطفة في بعض الأحيان، رغم الاستثناءات التي تمتلكها بعض المجالس من أنظمة داخلية”.
في التجربة التي مرت بها المدن والبلدات خلال السنوات الماضية، بدا واضحاً التفاوت ما بين المجالس المحلية المعينة والمشكلة من قبل سلطات الأمر الواقع، وتلك المشكلة على أساس ديمقراطي وبعملية انتخابية يشارك بها الجميع، ففي الوقت الذي تحولت فيه المجالس المحلية المعينة إلى جزء من المشكلة في المناطق المحررة، نجحت المجالس المنتخبة في تقديم خدمات مميزة، كان منها إحياء العمل المدني والسياسي في بعض المدن وإخراجها من عباءة السلاح والفصائلية.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*