الجامع العمري.. من مهد للثورة إلى مقتل لها

زيتون – ياسمين محمد
منه انطلقت شرارتها وأولى هتافاتها، وفيه صُلّي على أوائل شهدائها، وإليه أُسعف أول جرحاها، وعلى سطحه رُفع علمها لأول مرة في تاريخها، فكان بمثابة رمز لها، وكما أعلن عن مولدها منه وفيه، كان ينتظر الملايين أن تصدح منه بشائر نصرها، على الرغم من سنوات عجاف مرت عليه.
اشتعل أحياناً، وخبى أخرى، لكنه ظل رمزاً لها، فتذرعوا بولادتها فيه، وأعطوها صفاتاً لم تكن آنذاك تليق بها ولا به، وكثيراً ما حاول عدوها وقاتلها وداؤها تدميره، فكان عصياً على رشاشاته ومدافعه وصواريخه وبراميله وطيرانه، وأبى إلا الوقوف في وجهه.
كان شاهداً على أولى جرائم عدوه، من اعتقال للأطفال والكبار، إلى اغتصاب للنساء، وتشريد العائلات، وتدمير للمدن والأحياء، وقتل بالجملة، وغيرها الكثير الكثير.
خرج لمناصرته الملايين من السوريين، والآلاف من أمثاله، والمئات من المناطق، سقطت واحدة تلو أخرى، منها باتفاقيات وأخرى ببنادق حادت عن أهدافها، وغيرها لأسباب مختلفة، لكنه بقي شامخاً يعلق الكثيرون آمالهم بأن يصدح من جديد، فيما يراه البعض ساكناً متخاذلاً تجاه من آزره، ولكنهم مع ذلك لم يفقدوا إيمانهم فيه.
وكما تغنى به كل من ناصرها وأيدها وعمل بها، ها هم أعداؤها اليوم، وبعد 8 سنوات من عمرها، ومن التغني به من ثوارها، يتغنون برفع علمهم عليه، ويعلنون نهايتها فيه.
وعلى الرغم من وأدها في الكثير من المناطق السورية، وكل ما رافق هذا الوأد من وهن ويأس، إلا أنها بقيت حية على الأقل في نفوس أهلها، طالما أنها حية فيه، وموتها اليوم فيه يعني لهم موتها.
بعد 8 سنوات من الثورة السورية، وبعد كل ما شهده الجامع العمري بمدينة درعا مهد الثورة، أعلن الغزاة سيطرتهم عليه، رافعين أعلام نظام مجرم أمعن في قتل السوريين وتشريدهم.
لم يكن وحده شاهداً على جرائم ذلك النظام وجرائم من ساندوه، غير أنه عنى الكثير للثوار والمعارضين للنظام، كما عنت سيطرة النظام عليه مقتل الثورة بالنسبة لهم.
مهد الثورة، عاصمة الثورة، أكبر وأخطر معقل للثوار، وغيرها من الأسماء والألقاب، باتت كلها مجرد ذكريات مرارة ما وصلت إليه، وما تم فيها من قتل للثورة، تفوق كل مرارة، وتطغى على كل انتصار سابق وكل فرح رافقه، ليكتب التاريخ عن ثورة أول من ساهم بقتلها هم أبناؤها.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*