كيف يمكن لإدلب أن تتفادى السقوط؟

زيتون – أسامة الشامي
دفع التخلي الأمريكي عن فصائل الجنوب وسقوط أجزاء كبيرة من درعا تحت براثن قوات النظام والقوات الروسية، إلى رفع درجة الخطر لدى أهالي إدلب والمهجرين فيها وفقدانهم الثقة إلى حد كبير بمن كانوا يعتبرون أصدقاء الشعب السوري.


ومن هنا فإن سؤالا مؤرقا يطرحه السوريون في الشمال على أنفسهم: هل هناك خصوصية لمحافظة إدلب تدفع التركي إلى عدم التخلي عنها كما تخلي الأمريكان عن درعا؟ وإلى أي حد يمكن للتركي أن يذهب بالتمسك بهذه المنطقة في ظل الشره الروسي الأخير؟
وربما كان التهديد التركي الذي وجهه مسؤولون أتراك في حال تم ارتكاب تجاوزات في منطقة التصعيد هذه إلى سقوط اتفاق استانة وسحب نقاط المراقبة التركية هو موجه بالدرجة الأولى إلى مدنيي هذه المنطقة لا إلى النظام السوري أو الجانب الروسي، لأن هذا الانسحاب يعني ببساطة سقوط محافظة إدلب كمثيلاتها السابقة.
وبينما يعول البعض على الموقف التركي نظراً لخشيته من تدفق المزيد من اللاجئين السوريين إلى أراضيه جراء عملية عسكرية في المنطقة، يُذكّر آخرون بالموقف الأردني وإغلاق الحدود بشكل كامل أمام النازحين الذين فروا باتجاه الحدود الأردنية، كما يلفتون إلى السور العازل الذي أقامته تركيا على طول الشريط الحدودي مع سوريا، وصعوبة الوصول إلى الأراضي التركية في الوقت الحالي، فكيف بها في حال وجود عملية عسكرية في المنطقة، ويرون أن تركيا ليست بحاجة لتخاذ الإجراءات الاستباقية اللازمة لذلك، في الوقت الذي ما تزال فيه الكثير من الجهات والأهالي في حالة سبات وتعويل، وانتظار خطوات النظام وروسيا للبدء بالتجهيز للرد عليهما وفقاً لخطواتهما.
ورغم ذلك فإن البعض يتطلع إلى نتائج اللقاء المرتقب الذي سيجمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، والذي من المؤكد أن يتم فيه مناقشة الوضع السوري وقضية التواجد الإيراني في سوريا.
بالمقابل يدور الحديث الآن عما يمكن أن تقوم به القوى والأهالي في محافظة إدلب، من خطوات استباقية كنوع من التحصين والاستعداد، أو على الأقل ترتيب الوضع الداخلي بشكل يسمح بالصمود، فيما تتعالى بعض الأصوات التي تدعوا إلى وضع الرأس بالرمل، وتجنب الحديث عن سيناريوهات سقوط إدلب، خوفاً من إثارة الرعب والقلق لدى الأهالي، الذين لم ينسوا أبدا ما جرى في بداية العام الحالي، وكأن عدم الحديث بالأمر يمنع وقوعه.

ما بين الحرب الإعلامية والخطوات الاحترازية.. رأي سياسيي إدلب
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن مصير إدلب، والتي تحولت لمعقل للثوار ومعارضي الأسد، وعن سيناريوهات مختلفة لمصيرها، كان أسوأها سيناريو محاولة التقدم العسكري عليها ونية النظام بهذا الشأن، والذي ظهر بعد الغدر بمناطق التصعيد الثلاث الأخرى، ولا سيما منطقة درعا التي سقطت بمطب المصالحات الإجبارية، بصفقات دولية بين أمريكا وروسيا وإسرائيل.
ويشكك البعض في الجهات التي تبحث في سيناريو إدلب، إذ يرون أن هذه التهديدات لا تتعدَ الكلام والتصريحات الإعلامية، وأن كل من يروّج لها، هو بمثابة بوق للنظام، وذلك لأن في إثارة هذا الموضوع ترويع لأهالي إدلب، وزيادةً للضغط عليهم.
في حين يؤكد الكثيرون على أن هذا السيناريو حتى ولو كان مجرد تصريحات إعلامية، فلا بد من مناقشته وأخذ الحيطة والحذر منه، ووضع الخطط والإجراءات الاحتياطية اللازمة من أجل التصدي لقوات النظام، والتنسيق على كافة الصعد خوفاً من تنفيذ النظام لتهديداته، لا سيما في ظل فقدان الثقة الدول الضامنة والمجتمع الدولي، بعد كل ما لاقاه السوريون من غدر وتخاذل هذه الجهات.
رئيس مكتب إدلب في حركة نداء سوريا “عبد المجيد اليوسف” تحدث لزيتون عن الخطوات الاحترازية التي يجب أن تتخذ بهذا الصدد بقوله:
“الخيارات أمامنا محدودة جدا، وعلينا أن نعمل جميعاً وعلى عدة أصعدة، فمن الناحية العسكرية يجب أن نعزز خطوط الدفاع عن جميع المناطق المحررة، وأن ننشئ التحصينات، ولا نسمح بوجود أي ثغرة ضمن مناطقنا، بالتوازي مع العمل على الصعيد السياسي والتواصل مع الضامن التركي وممارسة الضغط عليه، وذلك على كافة المستويات سواء الأحزاب أو التجمعات أو المنظمات وحتى المجتمعات المدنية، كي يأخذ دوره كضامن لهذه المنطقة، ويمنع أي تصعيد عسكري تتعرض له المنطقة بحسب الاتفاقيات التي وقع عليها، بالإضافة إلى العمل على تعزيز الروح الاجتماعية، ورفع الحالة المعنوية للأهالي في المناطق المحررة بالشمال السوري”.

ويرى نائب رئيس تجمع سورية الثورة “علي السلطان” أنه لا بد من العمل على توحيد المنطقة سياسياً وعسكرياً وخدمياً، ووضع خطة استراتيجية لكافة الاحتمالات المتوقعة، وتجهيز كافة الجبهات على حدود التماس مع قوات النظام، وتشكيل غرفة عمليات مركزية تكون صاحبة الصلاحية باتخاذ القرارات على الجبهات، بالإضافة إلى الاستعداد الكامل لتفادي الضربات الجوية، من خلال العمل على تدشين الجبهات وحفر الأنفاق والاعتماد على التمويه، وفتح عدة جبهات معاً، فضلاً عن الحشد الشعبي الثوري، وتعبئته ليكون رديفاً للقوات الثورية على الجبهات، وتوحيد الخطاب الإعلامي، والتركيز على الإعلام الثوري الهادف.

كما لا بد من العمل على ضبط الأمن من خلال التنسيق بين كافة المناطق، واستنفار الطاقات من مجالس محلية وهيئات ونقابات وتجمعات سياسية وثورية، وتحملها لمسؤولياتها أمام الأهالي، وتفعيل دور الشرطة الحرة، والاستعداد النفسي لأي طارئ، وفي الوقت ذاته رفع الروح المعنوية لدى الأهالي، وذلك من خلال بث خطابات ترفع من معنويات الحاضنة الشعبية، لأن الأمر ينعكس بشكل إيجابي على قوة الثورة العسكرية، المتمثلة بالفصائل الموجودة، بحسب السلطان.
أما بالنسبة للسيناريوهات المطروحة بشأن إدلب قال مؤسس الهيئة السياسية ورئيسها الأسبق الناشط السياسي “رضوان الأطرش” لزيتون:
“تتجه أنظار السوريين عامة نحو إدلب والشمال السوري ككل، وذلك بعد التطورات الأخيرة في درعا وما سبقها في جنوب ووسط سوريا، وانحسار الفئات الثورية والمعارضة للنظام في الشمال، وهناك اليوم خيارين أمام المنطقة، الأول استمرار العمل باتفاقية خفض التصعيد، والانتقال لوقف إطلاق نار شامل، يبدأ بعدها مسار الحل السياسي، أما الخيار الثاني فهو انتهاء العمل بخفض التصعيد واللجوء للعمل العسكري، وعندها تكون الخيارات مفتوحة، ويمكن لتركيا أن تنسحب من الاتفاقية، وتسحب نقاط مراقبتها من الشمال السوري، لتكون نتيجة العمل العسكري هي من تحسم الأمر”.

وعن دور الفعاليات الثورية والسياسية، قال الأطرش: “المطلوب منها تنظيم الحراك الثوري والمدني، بحيث يكون عملها متلازماً مع الخيارين السابقين، لأن الوقوف دون أي حراك، لن يزيد الوضع إلا تعقيداً”.
فترة مصيرية ومفصلية بواقع الثورة، إما أن تفضي لحل سياسي، لا يرقى لحجم تضحيات الشعب السوري، لكنه ينهي مظاهر الحرب، كما يرى بعض المحللون، والذين يعتبرون أن هناك جزئيات مخبأة من اتفاقيات أمريكا وروسيا، قد تصل لتحول سياسي شكلي، يبعد الأسد، أو أن هذه الفترة ستكون فترة تنحصر بها الثورة بالشمال السوري، تحت المظلة التركية في الوقت الحالي، ولكن مستقبلا تبقى الأمور بحكم المجهول، وهذا ما يدعو كل النخب الثورية من نشطاء وسياسيين ومفكرين بالشمال السوري، للتنبيه وإعداد العدة لكل خيار وارد، رغم كل التطمينات التركية حول هذه المنطقة حاليا.ً

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*