المهجرون في إدلب ووحدة المصير

زيتون – تيسير أبو محمد
بعد وصولهم إلى مدينة إدلب، يشارك المهجرين إخوتهم الآلام والآمال والهموم، فقد أصبحوا جزءا لا يتجزأ من هذا النسيج، وعلى وقع تهديدات نظام الأسد وحلفائه بالتوجه إلى محافظة إدلب بعد الانتهاء من الجنوب السوري الذي باتت سيطرة الأسد عليه كلياً، محققة في وقت قريب حسب المعطيات على أرض الواقع.


وبات الشغل الشاغل حالياً لدى أهالي المحافظة والمهجرين إليها هو مصيرها ومصيرهم، وذلك بعد تكرار سيطرة نظام الأسد وحلفائه على العديد من المناطق، وتهجير من يرفضون المصالحة معه في دمشق وريفها ومناطق أخرى، ومؤخراً الجنوب السوري.
المقدم المنشق “عامر سعد الدين” الذي قاد العديد من المعارك ضد قوات النظام، وساهم في تنظيم بعض التشكيلات في جنوب دمشق تحدث لزيتون عن أبرز النقاط الواجب على فصائل الشمال أخذها بعين الاعتبار قائلاً: “يجب المسارعة في العودة إلى الحاضنة الشعبية فهي العامل الأساسي في نجاح أي ثورة وحتى اللحظة لم تستطع التشكيلات العسكرية كسبها إلى جانبها، بل على العكس يزداد الشرخ بينها وبين الشارع يوماً بعد يوم على خلفية ممارسات بعضها بحق الأهالي من اعتداء وفرض ضرائب إلى الفلتان الأمني في المنطقة، فضلاً عن تشرذم هذه التشكيلات والاقتتال المتكرر وانعدام الثقة فيما بينها”، مضيفاً:
“يجب على الجميع الاستفادة من التجارب التي مرت بها المناطق والتشكيلات الأخرى، فالأصل أن تكون هذه الفصائل منضوية تحت راية وتشكيل واحد، ولكن من الصعب جداً بل من المستحيل ضمن هذه الظروف والعقلية الفصائلية الحالية، ولذلك عليهم طرح الخلافات والنزاعات جانباً، وتأجيل تسويتها لوقت لاحق، وتشكيل غرفة عمليات حقيقية لجميع الفصائل، وتوزيع القدرات البشرية والعسكرية على الجبهات بشكل حرفي ومهني، على أن يتولى ذلك أصحاب الخبرة والكفاءات بناء على أعمالهم السابقة ونتائجها، ودون إقصاء أي طرف أو حتى شخص يمكن أن يساعد في ترتيب وتوحيد الجهود ووضع كل شيء في مكانه المناسب”.
ويتوجب على الشمال بما فيه من هيئات مدنية وفصائل عسكرية ومدنيين، عدم الاستكانة لوعود وضمانات الدول التي هي في الحقيقية مهما كانت صديقة أو شريكة لن تقدم مصلحة الثوار على مصالحها، ويترتب على ذلك أن تُعدَّ الدراسات، وتُرسم الخطط بناء على القدرات الحالية المتوفرة في المنطقة، بحسب سعد الدين. 
بينما يرى “معاذ مصطفى” أحد المهجرين إلى محافظة إدلب أن الحل لتجنيب المحافظة سيناريو السقوط، وكسب القليل من التأييد الدولي في حال إطلاق النظام لعملية عسكرية في الشمال، يكمن بالدرجة الأولى في حل هيئة تحرير الشام، وحل حكومة الإنقاذ التابعة لها، على أن تتولى الحكومة المؤقتة التابعة للائتلاف السوري المعارض زمام الأمور، بالإضافة إلى انتخاب مجالس مدنية ومحلية في المدن والبلدات، بحيث تكون هذه المجالس مستقلة وغير تابعة أو خاضعة لسلطة العسكر على الإطلاق، فضلاً عن دمج كافة التشكيلات العسكرية تحت راية الجيش الحر ضمن أي مسمى جامع لها.
ويعتبر “مصطفى” أن من الخطأ إسقاط ما جرى في الجنوب على إدلب، فتخلي أمريكا عن الجنوب لا يعني بالضرورة تخلي تركيا عن الشمال، إذ أن إسرائيل هي المتحكمة بوضع الجنوب، وأمنها فوق كل اعتبار بالنسبة لها، ولن تجد حارساً لحدودها أفضل من نظام الأسد، على حدّ تعبيره، مضيفاً: “تركيا الضامن في الشمال السوري لم تتخلَّ عنه حتى اللحظة، ومن الممكن أن تفعل ولكن ليس بشكل مطلق، فكل منطقة لها خصوصيتها وأهميتها لدى تركيا، وفي حال تخلت تركيا عن إدلب أتوقع أن تضحي بمعرة النعمان وخان شيخون وريف حماة الشمالي مقابل سيطرتها على “تل أبيض ورأس العين والقامشلي”، وربما تشترك ما يسمى “الدول الضامنة” مع بعض الفصائل في تسوية من شأنها القضاء على هيئة تحرير الشام عسكرياً أو سياسياً”. 
واستبعد مصطفى الحل العسكري في الشمال، بسبب الضغط الذي ستتعرض له تركيا من توافد مئات الآلاف من اللاجئين على حدودها على خلفية العمليات العسكرية، لا سيما في ظل عدم وجود مناطق جديدة لتهجير الرافضين لنظام الأسد إليها.

أما الناشط الميداني “محمد الحوراني” أحد مهجري الغوطة الشرقية فقد بدا متشائما من قدرة الفصائل والتشكيلات على وضعها الراهن من مواجهة التهديدات والأخطار المحدقة بالشمال السوري، وقال: “الجميع يعرفون الحل ويدركون المخاطر ولكنهم غير مستعدين لتقديم التنازلات لمواجهتها، فالواجب حل جميع التشكيلات العسكرية فوراً، وتشكيل جيش موحد بناءً على المعايير المعتبرة في العرف العسكري، بالإضافة إلى تشكيل كيان سياسي من الداخل يتصدر الحالة بشكل دائم وليس آنياً فقط، ولا بأس بالاستعانة بالشرفاء في الخارج الذين لم يحيدوا عن مبادئ وأهداف الثورة، ولا ننسى أهمية الإعلام في هذه الظروف فكلنا يعلم كم يعمل نظام الأسد وحلفائه في هذا الجانب، وتأثيره على معنويات الثوار وحاضنتهم بنشر الأكاذيب وتضخيم الحقائق وتزوريها”.
ويتساءل الناشطون بعد حصر ناشطي الجنوب وثوارها الرافضين للمصالحة مع نظام الأسد في بقعة صغيرة ربما يصل النظام إليها اليوم أو غداً، ورفض الأردن السماح لهم بدخول أراضيها، والشروط المجحفة في مصالحات الجنوب، والتي اختلفت عما كانت عليه في المناطق الأخرى، خصوصاً بما يتعلق بمحاكمة المطلوبين والمنشقين والثوار، ما هو المصير الذي ينتظر هذه الفئات سواء في الجنوب، أو في الشمال في حال أقدم النظام على مثل هذه الخطوة، وهؤلاء الذين هجروا من مناطقهم رفضاً لإجراء تسوية مع نظام الأسد، هل سيكون مصيرهم الاعتقال بعد التهجير والتشرد؟.
أما السؤال الأهم لدى الأهالي والمهجرين على حدّ سواء، بعد كل هذه الأحاديث والنقاشات والاقتراحات، هل هناك أذناً صاغية؟، ومن هي الجهات التي من الممكن أن تتحرك وتبدأ باتخاذ إجراءات احتياطية أو خطوات احترازية؟، هذا إن وجدت مثل هذه الجهات!.
المهجرين في الشمال السوري يخشون من تكرار تجربة النزوح، والوقوع مرة أخرى في فخ التجاذبات الداخلية والصفقات الدولية، مع علمهم أن لا مكان جديد من الممكن أن يلجأوا إليه، ولا ضامن حقيقي لحياتهم أو كرامتهم سوى الأمل في الثوار الشرفاء والمخلصين لمبادئ ثورة الحرية والكرامة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*