المبادرة الروسية وآفاق نجاحها

مهند النادر_95421

استمرار الصراع الدموي في سوريا وتأثيراته على مصالح الدول إقليمياً ودولياً، خاصة بعد انخراط المجموعات الجهادية العالمية وتأثير ذلك على مصالح الجميع سياسياً واقتصاديا وأمنياً، أدى إلى سعي بعض الأطراف إلى طرح مبادرات لإيجاد حل سياسي للأزمة بعيداً عن الحل العسكري، منها ما أبصر النور والتقى فيها اطراف الصراع على طاولة المفاوضات (جينيف 1,2) وأخرى بقيت في حقائب أصحابها، وآخرها المبادرة الروسية التي تسعى إلى جمع النظام والمعارضة في منتدى للحوار في موسكو.

يطرح القادة الروس مبادرتهم مستغلين الفراغ السياسي في ظل غياب أي دور للقوى الفاعلة في محاولة لحل الأزمة السورية، ولا يبتعد ما يقدمه الروس من أفكار لحل الأزمة عن خطة ميستورا ولا يرقى إلى مستوى مبادرة متكاملة حيث تغيب الأجندة الواضحة والضمانات الدولية أو الأممية, ويعمل الساسة الروس على تحييد العديد من القضايا التي كانت جوهر خلاف في مفاوضات جنيف كمصير رأس النظام وصلاحية ومهام هيئة الحكم الانتقالية وتغليب فكرة مكافحة الإرهاب. ولا يتعدى ما يطرحه الروس مجرد أفكار غائمة حيث تغيب الخطة المكتوبة التي من المفترض أن تشكل مستند قابل للدراسة من قبل الأطراف المختلفة, وتعتمد ما تتناقله وسائل الإعلام من تصريحات للرئيس الروسي ووزير خارجيته.

وتهدف الخطوات الروسية في ظاهر الأمر إلى جمع بعض قوى المعارضة مع النظام في أواخر كانون الثاني 2015، في محاولة لإظهار إمكانية روسيا لعب دور فيما يجري في سوريا خاصة بعد انحسار تأثيرها النسبي في مجريات الأحداث السورية وتغيبها عن التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، إلا أن هذه الخطوات ستؤول إلى الفشل بسبب غياب الرؤية السياسية والبرنامج الواضح لحل سياسي حقيقي، إضافة لعدم قابلية العديد من البنى للدخول في مفاوضات غير واضحة المعالم ولا يضمن لها مكاسب حقيقية, وكون روسيا راعي المبادرة طرفاً في الصراع السوري. غير أن الدوافع الحقيقية للحركة الروسية تتجلى في السعي لتنشيط الحركة الدبلوماسية الروسية بعد ما أصابها من شلل نتيجة أحداث أوكرانيا، والبحث عن حلول للازمة الاقتصادية التي تعاني منها نتيجة العقوبات الأمريكية والأوربية وانخفاض أسعار النفط، والسعي إلى تعزيز موقع النظام ودوره رغم كل ما أصابه من تراجع نتيجة الخسائر العسكرية التي أنهكته وعجزه عن تجنيد الشباب وتردي الأوضاع المعيشية. فما زال الروس وعلى مدى سنوات الأزمة يقفون سنداً لنظام الأسد وبقيت تصوراتهم للحل السياسي من خلال تقديم مصلحة النظام على أي شيء آخر مرددين مقولة “لا يوجد في الأفق أي حل سياسي بغياب الأسد”.

المبادرة الروسية محكوم عليها بالفشل كونها تقوم على مجموعة من الفرضيات الواجب القبول بها بمجرد الحضور في المفاوضات، حيث أكد الساسة الروس إلى أن الحوار الذي يسعون لإطلاقه غير محكوم بأي اشتراطات مسبقة،وتنطلق هذه الفرضيات من أن نظام الأسد ما زال متحكماً بمؤسسات الدولة ولديه التفوق العسكري والأمني، والعمل على تشكيل حكومة وطنية بصلاحيات تنفيذية واسعة يكون ثلث أعضائها من النظام وثلث من المعارضة الداخلية وثلث من المعارضة الخارجية، وبقاء الأسد على رأس السلطة التنفيذية خلال المرحلة الانتقالية لمدة سنتين وقد يبقى حتى نهاية فترته الرئاسية في حال فشلت العملية الانتقالية، والهدف من هذا كله توحيد الجهود الوطنية لمحاربة الإرهاب.إن هذاالطرح فيه تجاهل تام لعذابات السوريين، وللقتلى والجرحى والمشردين نتيجة ماقام به هذا النظام من أعمال قتل، ترقى إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب، حسب تقاريرعديدة لمؤسسات الأمم المتحدة، وبالتالي فإن الطرح الروسي يهدف إلى إعادة تأهيل النظام الأسدي، وإعادة الشرعية الدولية إليه، من خلال إشراكه في “الحرب على الإرهاب”.

ومن عوامل الفشل الأخرى غياب الموقف الواضح للولايات المتحدة الأمريكية من المبادرة الروسية، رغم امتلاكها للعديد من المفاتيح التي تساهم في حلحلة الأزمة مما يؤكد عدم جدية الولايات المتحدة في السعي للحل السياسي في المدى المنظور على الأقل، رغبة منها في استمرار إضعاف وانهاك الخصوم مثل ايران وروسيا وحزب الله وحتى الجماعات الجهادية العالمية.

كما أن غياب بعض الدول الفاعلة في الصراع كالسعودية وتركيا عن الحوار وحضور ايران فقط، يفسح المجال لهؤلاء اللاعبين بعرقلة أي حل لا يضمن مصالحهم الإقليمية.

وتلعب تعقيدات الواقع السوري الدور الهام في إرباك المبادرة نتيجة موقف الفصائل العسكرية الكبرى منها، وتهميش الروس لائتلاف المعارضة السوري ودعوة أعضاء منه كأفراد للمشاركة في لقاء موسكو1.

والملاحظ هنا أن ائتلاف المعارضة السورية يرى في عدم دعوة الروس له لحضور لقاء موسكو هو محاولة لنزع الشرعية عنه وطالب العديد من أعضائه عبر تصريحاتهم الإعلامية بضرورة دعوة الائتلاف المعارض كجهة ممثلة للمعارضة السورية معترف بها دولياً وليس دعوة أعضاء منه فقط، وكأن المشكلة تكمن في شكل الدعوة والمشاركة وليس في جوهر المبادرة الروسية، التي تجاهلت عذابات وتضحيات الشعب السوري ودماء شهدائه وجرحاه ومعتقليه، وتدمير المدن والقرى وتهجير الملايين من منازلهم، وكما تسعى المبادرة الروسية لبقاء النظام ورأسه دون أي محاسبة لمن ارتكب كل هذه المجازر وتورط في الدم السوري.

إن ارتباط حل الأزمة السورية بالعديد من الإشكاليات سيكون عائقاً أمام المبادرة الروسية لإنتاج حلول حقيقية، خاصة إشكالية مكافحة الإرهاب الذي يزداد تعقيداً نتيجة التأجيج الطائفي الذي تمارسه ايران وتغض النظر عنه كل الأطراف الدولية، إضافة إلى استعصاء الحل في الملف النووي الإيراني مما يعقد دورها في سوريا. وعدم رغبة العديد من الأطراف بمنح روسيا وايران أي نجاح في تقديم حل للصراع السوري وقدرة هذه الأطراف على عرقلة ومنع أي تقدم في هذا المجال في حال نجحت المبادرة في إنجاز ذلك.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*