المسؤولية التركية عن سيطرة تحرير الشام على إدلب

زيتون – عدنان الصايغ
بعد تسعة أيام هدأ ضجيج المعارك التي أثارتها جبهة النصرة ضد فصائل المعارضة باتفاق استسلام وقعته الجبهة الوطنية للتحرير وهي تحالف لمجموعة من الفصائل المدعومة من تركيا، يخول ما يسمى “حكومة الإنقاذ” التابعة لجبهة النصرة السيطرة الإدارية والعسكرية على كامل إدلب.

ووصف الموقف التركي طيلة تسعة أيام سبقها أيام طويلة من حشودات النصرة حول مناطق سيطرة الفصائل المقربة منها بالمتفرج ميدانيا والغامض سياسيا، ففضلا عن امتناعها عن تقديم أي دعم للفصائل المقربة منها، خرجت تصريحات مسؤوليها عن اعتداءات النصرة وتقدمها على الأرض غامضة وقابلة لتأويلات مختلفة، رغم توصيفها السابق لجبهة النصرة بأنها إحدى التنظيمات الإرهابية في قوائمها.

وزير الخارجية التركي “مولود جاويش أوغلو” قال في مقابلة تلفزيونية تركية الخميس الماضي بأنه “ليس من السهل الحفاظ على الاتفاق المبرم مع روسيا لكنه ينفذ بنجاح حتى الآن” مضيفا أن تركيا تتخذ الإجراءات الاحترازية الضرورية.

ويرجع معارضون سوريون الموقف التركي الصامت إلى انشغال تركيا بالتحضير لمعركة شرق الفرات هو ما أتاح الفرصة لجبهة النصرة بالتقدم على الأرض، مستبعدين وجود مصلحة سياسية لتركيا بالتعامل مع عناصر يتبعون لتنظيم القاعدة.

ولتحليل الموقف التركي يجب الانطلاق من الأولوية القصوى في ضرب المشروع الكردي، ويمكن الفهم بأن حل فصائل الزنكي وأحرار الشام وصقور الشام لصالح النصرة سيمنحها قوة أكبر في التعداد على الأرض في المعركة المرتقبة شرق الفرات، بالإضافة إلى ما يمكن أن تمنحها سيطرة النصرة من أوراق ضغط ومساومات سياسية وخصوصا أن معركتها لم تبدأ شرق الفرات بعد.

ولربما تملك قيادة الفصائل المنحلة والمطرودة كالزنكي وأحرار الشام وصقورها إجابات أوضح عن سر الموقف التركي، وإن كان الظرف ليس مناسبا لاستعداء تركيا حاليا.

ومن اللافت أن ما تم الاتفاق عليه في المفاوضات الأخيرة التي جرت بين تركيا الضامن لفصائل المعارضة السورية وروسيا الضامنة لنظام الأسد قضى بأن حل جبهة النصرة وسحب سلاحها من المناطق الفاصلة وفتح طرق الرئيسية بين دمشق وحلب واللاذقية لم ينفذ، بل حدث عكس ذلك وهو توسع سيطرة جبهة النصرة.

ونتيجة لهذا التوسع فإن مناطق كانت تحت سيطرة أحرار الشام في سهل الغاب ومناطق أخرى في جبل الزاوية كانت تحت سيطرة صقور الشام وأخرى في ريف حلب الغربي تحت سيطرة حركة نور الدين الزنكي كلها ضمت إلى خزينة حكومة الإنقاذ الوجه المدني لجبهة النصرة.

ويرى محللون أنه من غير المستبعد أن يكون هذا الانسجام في الموقف التركي مع التقدم لجبهة النصرة على الأرض نتيجة لاتفاق يخدم كلا الطرفين، لا سيما أن سيطرة النصرة على إدلب أسهل على أنقرة وأقل تكلفة من شنها حربا عليها من خلال فصائلها المعارضة المقربة لها.

من جهة أخرى أثبتت جبهة النصرة بأنها طرف مرن يمكن الاعتماد عليه في تصريف الاتفاقات كما حدث في اتفاق شرق السكة ومرافقة أرتال نقاط المراقبة التركية وتأمين الحماية لها، وهو ما يشير إلى وعي قيادة جبهة النصرة بخطورة خروجها عن الإرادة التركية في السيطرة على إدلب، بمعنى أخر أنها لن تجرؤ على اتخاذ خطوات قد تغضب أنقرة، في وقت بدأت فيه خطوط التسويات السياسية تتجلى وبات على الجميع أن يأخذوا أماكنهم على طاولة المفاوضات، وهو ما ترغب فيه جبهة النصرة المستعدة لتقديم أي تنازل يضمن بقائها شكليا.

يذكر أن المفارقة في مأساة ضحايا اليوم هي أنهم قد شاركوا المجرم بالأمس، فحركة أحرار الشام ظلت على موقف الحياد أمام تفكيك النصرة لفصائل أخرى سابقا، في وقت كانت هذا الفصائل ترى فيها السند القوي الذي افتقدته حين هاجمتها قوات النصرة، كذلك حين تحالفت حركة نور الدين الزنكي وأبو عيسى الشيخ قائد صقور الشام مع جبهة النصرة دون أن يبادروا إلى إنقاذ الثور الأبيض، مأخوذين بالخطاب الإسلامي، ليأتي دورهم اليوم ويتخلى عنهم الحليف التركي الذي يستندون إليه، ومن المؤكد أننا سنرى عما قريب كيف ستتخلى تركيا عن جبهة النصرة وربما دون رحمة.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*