“لا تشكيلي ببكيلك” شكوى الأهالي من ألعاب أطفالهم الإلكترونية

زيتون – مجد الأحمد 
تجذب الألعاب الإلكترونية في العالم الافتراضي الأطفال، وتأسرهم بسهولة وسرعة فائقة، ورغم إيجابياتها في جوانب عديدة إلا أن ثمة انعكاسات سلبية نفسية واجتماعية وصحية على الطفل، ما يتطلب تدخلاً وحذرا من الأهل، فقضاء ساعات طويلة أمام الهواتف الذكية وألعاب الإنترنت دون مراقبة يزيد من مخاطر الانطواء والميل للعدوانية والعزلة لدى الأطفال وربما تتطور للتتحول لأمراض نفسية.

أصوات وضحكات عالية، حركات غريبة، انفعالات وصراخ، انعزال عن الحياة وابتعاد عن الطعام والشراب واستعجال في كل شيء، هذا هو حال الطفل “أمير” منذ أن غرق بألعابه الالكترونية على الموبايل مثل “ببجي، فري فاير، وفورتنايت”.
تقول أم أمير أن ابنها البالغ من العمر 12 عاما، تعلق بألعاب الموبايل، وتسببت له بحالة من العصبية، وانعدام الحياة الأسرية، فهو لا يأكل ولا يشرب، حتى أنه يبقى واقفا أثناء اللعب، مستخدما حركات سريعة بيديه، وسماعات بأذنيه وصراخ متواصل مع أصدقائه، على اللعبة ومسارها.
وتضيف إنه “لا يعيرنا أي اهتمام، حتى أنه لا يخرج معنا، فاللعب لا ينتهي ولا وقت لديه، نومه قليل جدا، ولا نجتمع على الطعام، وحجته في عدم تناول الطعام هي عدم اهتمامه بالطعام، وعدم طبخ ما يحبه”.
وتخشى الأم القلقة من أن تجد نفسها أمام مشكلة كبيرة، وهي أن هذه الألعاب سوف تقضي على ابنها جسديا وصحيا وحتى عقليا، نتيجة ما يعانيه في الفترة الأخيرة من آلام في الرأس والعينين، حتى أن ردود فعله مع والدته اختلفت كثيرا.
منظمة الصحة العالمية أدرجت للمرة الأولى “اضطراب ممارسة الألعاب الإلكترونية” على قائمتها التي تحدد اضطرابات الأمراض النفسية في العام 2018، لما له من تأثيرات سلبية على صحة الناس النفسية والجسدية.
وعرفت منظمة الصحة العالمية اضطراب ممارسة الألعاب الإلكترونية بأنه “نمط من سلوك ممارسة الألعاب الإلكترونية المستمر أو المتكرر”، وتأتي هذه الخطوة في ظل ما تشهده ألعاب الموبايل والفيديو والألعاب الإلكترونية من شعبية كبيرة، واعتبرت المنظمة أن المكوث ساعات طويلة أمام شاشات الحاسوب والتلفزيون والموبايل للتفاعل مع عالم افتراضي له آثار وخيمة على نمو الدماغ وتطوره.
التكنولوجيا الحديثة التي أحدثت تغييرا جذريا على حياتنا بسيطرتها على مفاصل سلوكنا وطريقة عيشنا وعلاقاتنا وما فرضته من قيم وواقع صار من المحال التملص منه فعلى الرغم من جعل الحياة أسهل وقضاء الأمور والحاجيات أسرع إلا أنها أحدثت فجوة كبيرة بين الناس على أرض الواقع، وهذا ما يمكن أن نلاحظه ببساطة في البيت الواحد، فنرى كل فرد من أفراد العائلة ممسكا بهاتفه الشخصي كأن له عالمه الخاص، ولا يتوقف هذا الأمر على المراهقين والشباب بل تخطاها ليشمل جميع أفراد العائلة باعتبارها مجتمعا مصغرا، فالأم أصبحت مدمنة والأب وحتى الأطفال، والأمر الطبيعي هو جلوس العائلة مع بعضها البعض وتداولها الحديث في موضوع معين أو قضاء أجواء عائلية لطيفة، والوضع الطبيعي للطفل هو اللعب أو مشاهدة برامج الأطفال، ولكن ما نراه اليوم هو العكس تماما فالطفل أصبح متعلقا بالهواتف الذكية، فأصبحنا نرى أطفالنا أكثر براعة منا في التعامل مع هذه الأجهزة بما تتضمنه من تطبيقات وألعاب.
وإذا تطرقنا إلى الأسباب التي تجعل من الطفل أسيرا لهذه الألعاب الإلكترونية سنجد أن هناك العديد من الأسباب على رأسها حالة القوة والنشوة التي يشعر بها الطفل من خلال ممارسة هذه الألعاب، والتي يفتقدها في الحياة اليومية، كذلك فإن هذه الألعاب تعمل على التجديد والتحفيز الدائم للطفل، والإحساس بروح الجماعة والفريق التي يشعر بها أثناء ممارستها، الأمر الذي باتت تتقنه شركات إنتاج تلك الألعاب الإلكترونية.

آثار كارثية
يشير أخصائيو علم النفس، إلى أن تمضية اليوم أمام الألعاب الإلكترونية والأجهزة الذكية، يتسبب بالأنانية والعدوانية، والعنف والتنمر، والانعزال عن الآخرين، والاضطرابات النفسية المزمنة والعصبية المفرطة، واضطرابات النوم، وعدم القدرة على التواصل مع الآخرين، والاضطرابات التي ترتبط بالسمنة وأمراض القلب، وآلام الظهر والمعصم، وإجهاد العين، والصداع.
وينوه الأخصائيون إلى دور الأسرة في حماية الأطفال، إذ تقع على عاتقهم مسؤولية وضع قواعد للاستخدام السليم للألعاب الإلكترونية، فضلا عن إشراك أبنائهم في الألعاب الحركية والنشاطات الاجتماعية والرياضية التي تنمي مهارات التواصل الاجتماعي، وتعزز مهاراتهم اللازمة لنموهم وتطورهم الجسدي والعقلي السليم، وضرورة التحدث مع الطفل عن اللعبة التي يحبها واكتشاف سبب تعلقه بها، وتخصيص أوقات للعب معه واختيار ما ينمي الحس الفكري والذكاء عنده.
أما عن الأضرار الصحية، فتشير دراسات طبية إلى أن وضعية جلوس الأطفال غير المريحة والجلوس لفترات طويلة أمام الجهاز الإلكتروني قد يؤديان إلى حدوث شد عضلي في الظهر والكتف، فضلا عن شعورهم بالتعب الشديد والإرهاق الناتج عن البقاء في وضعية واحدة لفترات طويلة، وما قد يصاحب ذلك من ضعف حركة الدورة الدموية والضغط على العضلات والمفاصل.
وتقول الدراسة إن الاستخدام المفرط للأجهزة الذكية يصيب الطفل بعادات الميل إلى الوحدة، ويعرضه لمشكلات نفسية وصحية مثل التوتر والقلق وضعف الشخصية والخوف من مواجهة الآخرين، أما المشكلات الجسدية فهي إصابة العين بالجفاف وارتفاع ضغط العين، ما يؤثر على مستوى نظر الأطفال، ويصيبهم بأمراض في الشبكية إضافة إلى نمو مشوه لجسد الطفل بتخليه عن الحركة واللعب ونحول مرضي نتيجة لفقدانه شهيته للطعام.
وتنصح الدراسة بضرورة تقليل فترة جلوس الأطفال أمام هذه الأجهزة إلى أقل وقت ممكن، وأن يكون هناك إشراف أسري على ذلك حفاظا على صحتهم.

النصف الممتلئ من الكأس
لا شك في أن بعض الألعاب الإلكترونية تنمي قدرة الطفل على تحليل المعلومات وتحسين الوعي والإدراك والتفكير بصورة أفضل، وتخلق لديه ثقافة البحث العلمي والإبداعي وتفتح مداركه وتوصله بالعالم من حوله، وهناك ألعاب تعتمد على العقل والتفكير المنطقي وتحتاج إلى مجهود عقلي بما يجعلها مفيدة للأطفال مثل لعبة الشطرنج، وهناك ألعاب أخرى تعتمد في حلها على المعلومات العامة.
الألعاب الإلكترونية سلاح ذو حدين منها النافع ومنها الضار، فقد كانت البوابة للدخول إلى العالم الخاص ببعض المصابين بمرض التوحد، ومحاولة استكشاف ما في داخلهم، وبدأوا يتعلمون من خلالها النطق والكلمات، وساهمت في شفائهم وتفاعلهم مع أهلهم.
كيف يمكن أن نخفف من الضرر
الأطفال هم الأكثر تأثرا وإدمانا على ألعاب الفيديو، وغالبا لا ينتبه الأهل لهذا الأمر فيبدو الطفل هادئا عندما يمسك الهاتف ويبدأ اللعب لساعات، وهذا ما يريح الأهل في بعض الأحيان.
ويجب أن يكون التخلص من ذلك الإدمان تدريجيا من خلال تخصيص وقت معين للطفل لكي يلعب هذه الألعاب، بحيث تكون بمثابة المكافأة له على إنجاز معين ولوقت محدد، يجب مراقبة نوعية هذه الألعاب ومشاركة الوالدين لطفلهم في اللعب لشرح وتوضيح الاختلاف بين اللعبة وما يحدث علي أرض الواقع، كذلك لابد من تعويض وقت فراغ الطفل بأشياء أخرى مفيدة كالرياضة وقراءة الكتب أو مشاهدة برامج الأطفال، ويجب على الأهل الاقتراب من الطفل في هذه المرحلة، وتفهمه والاستماع لمتطلباته، وينصح بعدم استخدام العنف لإبعاد الطفل عن هذه الألعاب حتى لا يلجأ إلى أشياء أخرى أكثر منها خطورة.

يميل الطفل للعب بشكل فطري، فهو من الأنشطة المهمة في حياته والتي تكشف عن مكنوناته وعواطفه وجوانبه الخفية، وباللعب تتكون شخصية الطفل، وتظهر اتجاهاته وميوله الفكرية والعاطفية والاجتماعية. في السابق كان مفهوم اللعب يرتبط بالنشاط البدني أو الحركي، إلا أنه وبتطور العلم والتكنولوجيا التي رافقته تغير مفهومه عن السابق، فظهرت الألعاب الإلكترونية التي سرعان ما جذبت انتباه جميع فئات المجتمع، وانحرفت بمفهوم اللعب من التعليم إلى الترفيه بالدرجة الأولى، وبات صناع الألعاب أكثر خبرة في شد المراهقين والأطفال إلى ألعابهم لقضاء أكبر وقت دون الشعور بالملل، بالإضافة إلى الاستعانة بأخصائيين نفسيين لضمان إدمان اللاعب على هذه الألعاب.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*