المهجرون في الشمال السوري وتحديات سوق العمل

زيتون – تيسير محمد
توجهت الأنظار في الآونة الأخيرة إلى الحالة الاقتصادية التي يعيشها الشمال السوري ومقارنتها بالمناطق الخاضعة لسيطرة نظام الأسد الذي يواجه ظروفاً معيشية سيئة بسبب فقدان المواد الأساسية كالغاز والمازوت وحليب الأطفال وغيرها في أسواقه، وصعوبة تأمينها إن وجدت في مقابل توفرها في المناطق التي بقيت تحت سيطرة المعارضة.
لكن هذه المقارنات لم تتطرق إلى الصعوبات التي تواجه سوق العمل في الشمال السوري وصعوبة ايجاد فرص عمل مناسبة خاصة للمهجرين إليه.

“بكر المحمود” مهجر من ريف دمشق مختص بأعمال الديكور والجبصين قال لزيتون: “عندما وصلنا للشمال كانت نظرتنا متفائلة للأسواق في المنطقة نظرا لكونها مفتوحة على معابر تركيا خلاف ما كانت تعيشه المناطق المحاصرة التي قدمنا منها في ريف دمشق والتي كان نظام الأسد يفرض الإتاوات على المواد القليلة التي يسمح بدخولها”.
ويضيف المحمود: “رغم أن الشمال كان يتعرض للقصف أنذاك لكن وضعه كان أفضل بالنسبة لنا من الوقت الحالي، اليوم ليس هناك مجالات كثيرة للعمل فيه، بعض المؤسسات تدعم الأعمال التنموية ولكن بشكل محدود وبشروط صعبة، في حين يطلب من العامل الكثير من ساعات العمل لقاء مردود قليل، وهذا ما يؤثر على نفسيته وبالتالي على قدرته الإنتاجية.
وتعيش المناطق المحررة في الشمال السوري ركودا في أسواق البناء بسبب انعدام ثقة الكثير من الأهالي في المستقبل، وما يمكن أن يحمله من قصف محتمل في ظل الهدن المضطربة والغير ثابتة، إذ تؤثر الأوضاع السياسية والأخبار التي تحملها النشرات عن مفاوضات تركيا وروسيا على رغبات الناس في صرف مدخراتهم على البناء من عدمه.
المحمود الذي يعمل في مجال الديكور والجبس وهو عمل مرتبط بالبناء بشكل رئيسي لم يتمكن من توفير فرصة عمل له، رغم مساعيه في عرض نماذجه على أصحاب الورشات الذين أكدوا ركود سوقهم وقلة الأعمال المعروضة عليهم، رغم سنوات خبرته وبراعته في هذا المجال، وقد عرضوا عليه أجر يومي لا يتجاوز 1500 ليرة سورية وهي لا تكفي بحسب رأيه للتنقل وثمن الطعام له فضلا عن أسرته، مؤكدا أن أجره العادل لا يقل عن خمسة آلاف ليرة سورية.
ويتسابق الكثيرون من طالبي العمل إلى الوظائف التي توفرها المنظمات الدولية العاملة في سوريا لما تقدمه من أجور جيدة، لكن بحسب البعض فإن تلك المنظمات راحت تضع الكثير من الشروط التي تتجاوز حاجة الوظيفة، وبحسب المحمود فإن صديقه الذي تقدم لعمل بوظيفة حارس قد طلب منه أن يكون من حملة الشهادة الثانوية ولديه خبرة سابقة وتقديم كل ذلك في بيان شخصي باللغة الإنكليزية.
واتهم “لؤي ياسين” مدرس الرياضيات في حديثه عن بحثه عن عمل المؤسسات التي تعلن عن حاجتها لموظفين، مؤكدا أن تلك المؤسسات لا تقوم بالرد على الطلبات الواردة إليها مهما كان ما يحوزه المتقدم من كفاءة، مشيرا إلى أن تلك الإعلانات هي وهمية تهدف إلى توفير شروط التمويل لديها وتلبية طلبات الداعم، خاتما حديثه: “ورغم ذلك لم أيأس وحتى اللحظة قدمت ما يقارب 60 طلباً ولكن دون جدوى”.
ويرى الياسين أن سوق العمل في الشمال السوري غير مستقر نتيجة لاضطراب المنطقة عسكريا وسياسيا، ونتيجة للتهديدات التي تتكرر باستمرار عن معارك وشيكة، وهي عاجزة بهذا الشكل عن استيعاب الخبرات والكفاءات الموجودة فيها لا سيما بعد وفود المهجرين من مناطق سوريا إليها، وضعف قدرة المشاريع المقامة على الاستمرار او غياب الديمومة عنها.
ويشير الياسين إلى أن عدد السكان قد بلغ في محافظة إدلب أكثر من أربعة ملايين سوري، لكنها تدار بمنطق المصالح والمحسوبيات من قبل “العسكر”، ومعظم سكان الشمال يعيشون على ما تقدمه المؤسسات وما يرسله أقاربهم في الخارج، أما من يجدون عمل مناسب لهم يكفي احتياجاتهم لا يتجاوز نسبتهم الـ 10%، وعلى عكس ما يروج له بعض المعارضين تبقى سوق العمل في مناطق نظام الأسد رغم سوئها وتفشي الفساد فيها، أفضل من الشمال السوري لأنها تقوم على أسس مؤسساتية بالأصل، إلى جانب وجود منشآت ومؤسسات ومعامل ضخمة كانت موجودة سابقا وحافظت على بقائها، في حين تعرض الشمال للهدم والقصف والنهب والسرقة، وفي أحسن الأحوال باتت تابعة لجهات خاصة بعد أن كانت تعود بالنفع على المجتمع ككل.
لقد تأثر سوق العمل بعد حشود قوات الأسد وتوعدها بمهاجمة المناطق المحررة بعد سلسلة هزائم منيت فيها المعارضة، ورغم التفاهمات التي حصلت بعدها لإبقاء المنطقة “أمنة” إلا أن معظم التجار ورجال الأعمال أوقفوا استثماراتهم بعيدة المدى وأبقوا على مشاريع ذات مردود وربح سريع، مما نتج عنه زيادة في نسب البطالة بين الشباب عن الأوقات السابقة، ومن المؤكد أن عامل الاستقرار المتأرجح في الوقت الحالي هو السبب الرئيسي وراء هذه المشكلات، وفي انتظار ما ستفضي إليه الأيام القادمة يبقى الركود الاقتصادي سيد الموقف.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*