شبكة أنفاق معقدة ومدن تحت مدن.. أثارت جنون نظام الأسد ومواليه

زيتون – وعد البلخي

“تحت دمشق وفي محيطها، كان هناك مدينة أخرى من الأنفاق الطابقية والعرضية. توقع الكثيرون شيئا من هذا القبيل ولكن أحدا لم يطف بباله أن يقف على شبكة كهذه معقدة وممتدة ومتشابكة”، جاء هذا الوصف لأنفاق الغوطة في مقال كتبه قبل أيام، أحد المؤيدين لنظام الأسد لموقع العهد الإخباري، وأعاد نشره موقع العربي اليوم الموالي، تحت عنوان كان هذا الإعداد من أجل ليلة سقوط دمشق.

تلك الأنفاق المحفورة بعناية وتخطيط بالغين يدلان على مدى ذكاء وصبر وإيمان عناصر المعارضة بقضيتهم، وبذل أكثر مما يستطيعون لتحقيق غاياتهم بتأمين قسط ولو يسير من الغذاء والدواء لعائلاتهم وأهلهم المحاصرون، وتجنب خطر الطيران وتأمين عتادهم الحربي
ما أثار ذهول وجنون النظام والموالين له، إذ كيف يمكن لهؤلاء المحاصرين من الأرض ومن السماء أن يجدوا لهم منفذا من تحت الأرض يضربون به الحصار الذي فرضه عليهم العالم بأسره وليس فقط نظام الأسد، وكيف لهم أن يكونوا بهذا الذكاء، فباتوا يتذرعون بالحجج ذاتها التي تذرع بها نظامهم منذ بداية الثورة ضده، ألا وهي الخارج والتخطيط الخارجي وما إلى ذلك. 

كما تناسى وتجاهل نظامهم أنه المسؤول الأول والأخير عن اندلاع الثورة السورية، تناسى هؤلاء أنه أيضا المسؤول عن كل ما لحق بالسوريين مؤيدون ومعارضون، والمسؤول عن حصار تلك العقول التي أجبر أصحابها على حكها واستثمار كنوزها، لم يتحدثوا عن كل الإبداعات التي أبدعها هؤلاء الشبان المعارضون لنظام الإجرام، لم يتحدثوا عن تمديدهم شبكات للمياه، تعجز مؤسسات نظامهم عن تنفيذ ما يضاهيها خلال سنوات وليس خلال مدة قصيرة كما هؤلاء الشبان، نسوا كيف ولد أهالي الغوطة الكهرباء بواسطة الدراجات الهوائية وغيرها، وكيف صنعوا من الصواريخ والقذائف التي استهدفت بها عائلاتهم مواقد يتدفأ بها من بقي منهم على قيد الحياة، وكيف استطاع عامل بسيط أن يجري عملية لمصاب عندما لم يبق أطباء، وكيف افتتحوا مراكز طبية ومشاف تحت الأرض بعد أن تعمد النظام استهداف مشافيهم التي فوق الأرض، نسي هؤلاء الذين لا يختلفون عن نظامهم اللاإنساني كيف تمكن أهالي الغوطة والمناطق المحررة خلق منظومات للإسعاف وغيره، وتنظيم حياتهم بشكل عجز نظامهم عن تنظيم دولة خلال عقود، تناسوا الكثير الكثير من إنجازات أبطال سوريا الغوطة الشرقية وما انفكوا منذ أكثر من عام عن الحديث عن أنفاق الغوطة، ومنذ تهجير أهلها في آذار ونيسان الماضي، ولا يكاد يمر شهر إلا ويعود مؤيدو النظام للحديث عن تلك الأنفاق دونما أي فكرة جديدة، وإنما فقط للتشهير بهم ومحاولة التقليل من إنجازهم وشيطنته، دون أن يعوا أنهم بذلك يشهدون على مدى قدرات أولئك الشبان.

لم تترك طائرات ومدافع وصواريخ النظام لهم مكانا فوق سطح الأرض، فاختاروا لهم ملاجئ تحتها، منع النظام عنهم الماء والغذاء والدواء، فحفروا الصخر للحصول على بعض احتياجاتهم ولو كانت قليلة جدا ومكلفة للغاية.

نسوا كيف ولد أهالي الغوطة الكهرباء بواسطة الدراجات الهوائية وغيرها، وكيف صنعوا من الصواريخ والقذائف التي استهدفت بها عائلاتهم مواقد يتدفأ بها من بقي منهم على قيد الحياة، وكيف استطاع عامل بسيط أن يجري عملية لمصاب عندما لم يبق أطباء، وكيف افتتحوا مراكز طبية ومشاف تحت الأرض بعد أن تعمد النظام استهداف مشافيهم التي فوق الأرض

في أواخر عام 2012 نفذت قوات النظام ما يسمى بالاجتياح الكبير للغوطة، ودمرت فيه خلال شهرين، كل ما يمت للحياة بصلة، شبكات المياه والاتصالات وأعمدة الكهرباء، وكل ما استطاعت أن تدمره قبل أن تندحر على أيدي أولئك الشبان، إلا أنها بقيت تسيطر على ما يعرف بالمتحلق الجنوبي الذي يفصل حي جوبر الدمشقي عن بقية أرجاء الغوطة، وذلك نظرا لتواجد قطع عسكرية متجاورة وكبيرة ومتطورة، مثل ثكنة كمال مشارقة التي استعصت على الثوار، لا سيما بوجود مركز الثامن من آذار بالقرب منها، وامتدادها إلى قلب العاصمة في حي الزبلطاني، والذي يعج ليل نهار بالمدنيين وخصوصا بوجود سوق الهال الذي يمتد ما بين الثكنة والمركز الذي حوله النظام إلى مركز عسكري. 

في بداية الربع الثاني من عام 2013، فرض نظام الأسد حصارا محكما على الغوطة الشرقية وأهلها أملا منه بأن يستسلم له المحاصرون تحت وطأة حصارهم، إلا أنهم أبوا واستطاعوا الصمود 5 سنوات كاملة، أنهوها نهاية مأساوية بالتهجير إلى الشمال السوري في العام الماضي 2018، ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم ما يزال النظام ومؤيدوه لا يسأمون من الحديث عن أنفاق الغوطة، التي بدأ الثوار بحفرها بعد بدء الحصار بنحو شهرين، وكانت فكرتها إيجاد ممر آمن في البداية إلى حي جوبر المتصل بحي القابون الدمشقي، إذ كان كل من يمر عبر المتحلق ترصده أسلحة الثكنة المتطورة.

ثم تطورت الفكرة لتصل الأنفاق إلى حي برزة، ومن ثم إلى داخل حي القابون، تلك الأحياء المنتمية إداريا إلى العاصمة دمشق، والتي تآخى أهلها وتوحدوا في آلامهم وأهدافهم. 

تلك الأنفاق بدأت وتطورت بأفكار شبان الغوطة، الذين كانوا يحفرونها بأيديهم وبأبسط الأدوات في البداية، في صيامهم وإفطارهم، لم يستطيعوا استعمال آلات الحفر عندما بدأوا خشية أن يثيروا ضجيجا ويكتشف أمرهم من قبل النظام، ولكنهم مع تطور الفكرة وتطوير شكل النفق واختلاف الغاية منه، وبعد نجاح التجارب المتواضعة الأولى، طوروا أساليب الحفر وأنواع الأنفاق لتصل إلى ما وجدها عليه النظام بعد التهجير، ولتبقى شوكة في حلق النظام وكل من يسانده، تظهر لهم ضعفه وفراغه من الداخل، في الوقت الذي كان يفكر فيه فقط بكيفية الإمعان بأساليب التعذيب ليجبرهم على الاستكانة والخنوع، كانوا هم يثبتون له وللعالم أجمع بقدرتهم على إعادة بناء دولتهم لو توفرت لهم أبسط مقومات الحياة، ولو لم تقف في وجههم أعتى آلات وجيوش العالم، ولو أن العالم اكتفى بصمته تجاه ما يتعرضون له لكان النصر حليف الثوار في الغوطة وسوريا بأكملها، وما شبان الغوطة إلا نموذج ينطبق على شبان سوريا المعارضون للأسد.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*