تمنت الموت في المعتقل ولم تخرج

خاص زيتون

“حين خرجت من المعتقل كنت أتوقع استقبالا مفرحا يرمم ما كسره المعتقل في داخلي، صدمتني الحقيقة، حين لمست التخلي من الأهل، وفقدت تماسكي بطلاق زوجي لي”.

هذا بعضا من حديث مريم وهي تروي ما حدث لها بعض خروجها من المعتقل الذي قضت فيه مدة شهر وعشرين يوماً، بتهمة معالجة جرحى الجيش الحر في مدينة حماه.

تقول مريم: “مجتمعنا الشرقي يخاف العار لكنه يخاف السلطة أكثر، وهما سبب تخلي الأهل عني وطلاقي، الخوف من النظام في أن يعتقل البعض منهم دفعهم إلى التبرؤ مني، وبدل أن يساندوني في محنتي سمحوا لمخاوفهم أن تكون أهم من سلامتي”.

وتضيف مريم: “في مجتمعنا يحملوننا مسؤولية اعتقالنا، لنشعر أننا مجرمات بعد خروجنا من المعتقل أكثر مما شعرنا بمسؤوليتنا داخله، فالكل يهرب من المفرج عنها، ولا أحد يريد أن يقف معها، كنت أنتظر لقاء زوجي وأمي لكن لم يكن هنالك أحد منهم، رغم أن اعتقالي هو شرف لي”.

فيما تروي رزان محمد في لقاء معها على قناة الجزيرة أنها كانت تتمنى أن تلقى حتفها في المعتقل على أن تخرج منه لأنها كانت تدرك ما ينتظرها خارجه من معاملة زوجها الذي سارع لطلاقها فور اعتقالها وحرمانها من أطفالها بعد خروجها.

وتشير رزان التي ظلت في الزنزانة المنفردة لمدة 40 يوما ذاقت فيها الموت، أن ما خفف من مصابها هو احتضان أهلها وتفهمهم لتجربتها.

وترى الناشطة في مجال حقوق المرأة “غادة باكير” أن خسارة المرأة المعتقلة والتي أفرج عنها لأسرتها وعملها، وهما عمادا حياتها يعتبر ضربة قاسية لها، ومن المهم أن يتم العمل على إعادة المكانة التي تستحقها المعتقلة اجتماعيا باعتبار اعتقالها شهادة تحسب لها لا عليها، دفعتها طوعا سعيا لانتصار مستقبل بلد.

وتضيف باكير: وإن كان من الصعب تغيير النظرة الاجتماعية فبإمكاننا أن نؤمن لها فرص العمل التي تحميها من الحاجة وتمكنها من الاستمرار في حياتها.

ومن المفارقات التي تحدثت عنها الكثير من المفرج عنهن هي تلك المتعلقة بالشريحة المثقفة والتي تدعي انحيازها لمبادئ الثورة قضية المعتقلين في سجون النظام السوري، فالتجارب التي مررن بها أثبتت أن قسما كبيرا من تلك الشريحة ما يزال يدور في فلك الثقافة القديمة التي ترى بضرورة إبقاء المرأة ضمن بيتها محرمة عليها المشاركة بأي نشاط كان.

يعيش المجتمع السوري في ازدواجية مزدوجة، الأولى تتعلق بالفارق الكبير بين ما يقال ويدعى، وبين ما يسلك في الواقع، والثانية عدم المساواة ما بين المفرج عنه والمفرج عنها، ففي حين يعامل الأول كبطل ويمجد، بينما تعامل المفرج عنها على أنها سقطت في درك الخطيئة باختيارها، متجاهلين كل الحقائق عن ضرورة الحراك الثوري وإجرام النظام السوري وعدالة ما قدمته تلك المرأة.

ويرى البعض أن الفوضى الفكرية وعدم الاستقرار الاجتماعي الذي رافق المحنة السورية طوال السنوات الماضية نال من الوعي في المجتمع السوري، تواكب ذلك مع تنامي الخطاب الديني الذي روجت له بعض التنظيمات الجهادية التي سيطرت بقوة السلاح على بعض المناطق كداعش والنصرة.

في كل الحروب تكون الشرائح الأكثر ضعفا هي الأكبر خسارة، وفي الحالة السورية تدفع الأنثى الثمن مضاعفا، ويتحول الحضن المرتجى بالرعاية إلى جلاد آخر، ينتظر المعتقلة خارج السجن، ليسومها عذابا لا يقل عما كابدته في أقبية الزنازين، وليس بمقدور أي امرأة مهما بلغت منها القوة أن تواجه ثقافة جمعية تشكلت في ظلام الحروب، لذا فإن أغلب المعتقلات تلجأ إلى العزلة والانطواء في صمت المظلوم، دون أن تجد من يساندها أمام تلك النظرة.

تتطلع معظم المفرج عنهن إلى السفر خارج سوريا للخلاص من حالة الازدراء التي يعيشونها، فيما تفضل الكثيرات ممن لم يستطعن الخروج إلى الانزواء في بيوتهن راضيات بقمع ذوي القربى، فيما اختارت القلة القليلة أن تبدأ حياتها بصلابة المواجهة على الرغم من وعورة الحياة المشاكسة.

تم انتاج هذه المادة ضمن حملة  #ناجيات_أم_ليس_بعد #Survivors_or_not_yet

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*