عام الحرائق في دمشق.. إجماع على “المتهم ماس كهربائي”.. بينما

تشهد مناطق وأحياء العاصمة دمشق بشكل خاص، ومناطق سيطرة النظام بشكل عام، منذ عدة أعوام حوادث حريق بالمئات، وفي كل حادثة جديدة ترتبط مفردة حريق بعبارة واحدة اتفق عليها الجميع دون أن يتفقوا، فما يصدر عن النظام من تبرير لجميع هذه الحوادث دون استثناء، جعل منه ومن تبريراته محط سخرية الموالين قبل المعارضين، الأهالي قبل النشطاء والإعلاميين والمسؤولين، وما يثير السخرية أكثر هو ادعاءات النظام وأمنه وأجهزته المختلفة بقدرته على إعادة الأمن والأمان للسوريين كما في السابق، في حين لا يستطيع الحد من حوادث هو ذاته يتهم فيها الكهرباء ثم يعود ليؤكد بأنها مفتعلة.

تأكيده الأخير على أن الحرائق مفتعلة، وليست نتيجة ماس كهربائي أو سوء استخدام مدفأة أو كثرة هطولات مطرية وما إلى ذلك من مبررات ابتدعها للتغطية على عجزه وضعفه، أو تواطئه بتعبير أدق، لم يأت بأي جديد بالنسبة للسوريين والمراقبين، وإنما عزز أسئلتهم حول اليد التي تقف خلف تلك الحوادث، والغاية من حرق دمشق أو غيرها، ودور النظام فيها، أو أسباب عجزه عن الحد منها على أقل تقدير.

حرائق بالجملة

“المكتوب مبين من عنوانه” هكذا وصف السوريون سنة 2019، والتي لم يكد ينته الشهر الأول منها إلا متسبباً بنحو 20 حادثة حريق مأساوية هزت الشارع السوري، دون أن يهتز للحكومة جفن!!”، بهذه العبارة اختارت وكالة أوقات الشام الإخبارية الموالية للنظام، أن تبدأ مقالا بعنوان “الحرائق تجتاح الجغرافيا السورية.. والمتهم واحد!”، الذي نشرته في 23 كانون الثاني الماضي، عندما ضجت العاصمة على وقع نبأ وفاة 7 أطفال أشقاء في حي العمارة جراء احتراق منزلهم بسبب مدفأة كهربائية، بحسب مصادر في الدفاع المدني التابع للنظام.

وأضافت الوكالة: “وامتدت الحرائق التي تسبب بمعظمها الماس الكهربائي معظم الجغرافيا السورية، ما بين دمشق وريفها وحلب وحماة واللاذقية والحسكة ودير الزور”، مبينة أن أولى حوادث الحريق هذا العام كانت في دمشق في 8 كانون الثاني الماضي، ثم امتدت لمناطق متعددة، والسبب في أكثر من 90 بالمئة منها هو الماس الكهربائي.

تلفزيون الخبر، نشر على موقعه في الأول من آذار الماضي، مقالا بعنوان “الماس الكهربائي متهم من جديد.. حريقان في حيي المزة والزبلطاني الدمشقيين”، تحدث فيه عن حريقين نشبا في اليوم ذاته، في محل للمواد الغذائية في حي مزة خزان يرجح أنه ناجم عن ماس كهربائي، والآخر في محل لبيع اللحوم بسبب ماس كهربائي، وفقا لما نقلته وكالة سانا التابعة للنظام عن مصدر في مركز إطفاء دمشق.

وختم التلفزيون بالقول: “يذكر أن هذين الحريقين يأتيان ضمن سلسلة الحرائق التي طالت مدينة دمشق خلال هذا الشتاء واتهم ”الماس الكهربائي” بالوقوف وراءها”.

حيث نقلت صحيفة الوطن الموالية عن قائد فوج إطفاء ريف دمشق قوله بأن “الحرائق تكون بأغلب الأوقات مفتعلة لكونها تعود للاشتعال بعد ساعتين من إخمادها أو في اليوم الثاني، والدليل على ذلك أنها تشتعل ليلًا دون وجود أي عناصر مساعدة من شمس أو بلور أو مرايا عاكسة على الأرض”.

إلا أن ذكاء العميد وفطنته اللذين اعتقد البعض أنه يتمتع بهما، عادا للانهيار عندما برر سبب الحرائق المنتشرة بشكل كبير في الريف الدمشقي بأنه ناجم عن الهطولات المطرية الغزيرة لهذا العام، والتي تسببت بانتشار الأعشاب الطويلة في كل المناطق ما ساعد على اشتعال الحرائق، وقدوم فصل الصيف بجفافه وارتفاع درجة الحرارة، بحسب ما نقلته الصحيفة.

التوسع الروسي في دمشق وعلاقته بمناطق الحرائق الأخيرة

قبل أيام، وبالتحديد الأحد الماضي، نشر موقع المدن مقالا بعنوان “دمشق: الروس يتوسعون.. على حساب الإيرانيين”، نقل فيه عن مصادر عسكرية وصفها بأنها رفيعة المستوى، قولها إن النفوذ والانتشار الإيراني وسط العاصمة دمشق وفي محيطها، انحسر بشكل كبير لصالح الروس منذ صيف 2018، وتقلص في عمق العاصمة بنسبة تزيد عن 70 بالمئة، لينحصر تواجد الميليشيات الإيرانية والموالية لها في “محيط السفارة الإيرانية، ومنطقة البحصة في محيط المستشارية الثقافية الإيرانية، وحي الفيلات في منطقة المزة، ومناطق يعفور والصبورة، ومحيط مقام رقية في دمشق القديمة، وغرفة عمليات بحي الشاغور”، بالإضافة لتواجد ضئيل للمقاتلين العراقيين في مدينة جرمانا شرقي دمشق.

وأوضحت المصادر أن الانحسار جاء بضغط روسي، وأن السبب في تراجع وجود الإيرانيين والعراقيين في سوق الحميدية الشعبي القديم، هو نقل معظم مقراتهم من الثكنات القريبة من دمشق، وعودة آلاف العناصر إلى بلدانهم مع انتهاء مهامهم العسكرية، وخروج آخرين إلى محيط دير الزور وحلب حيث يتوسع الوجود الإيراني هناك من دون مضايقات روسية.

في حين حل التواجد الروسي المدني والعسكري، محل الميليشيات الإيرانية والموالية لها في مناطق وأحياء دمشق وريفها، حيث شمل التواجد الروسي كلا من: “أسواق الحميدية والصالحية والشعلان، ومولات شام سنتر ودامسكينو في كفرسوسة، ومحيط حديقة الجاحظ في حي المالكي، وباب شرقي، ويعفور والديماس وقرى الأسد غرب دمشق”، وذلك كتوجد مدني ويومي ومساكن استثمرت بعضها السفارة الروسية، أما عسكريا فيتمركز الروس في “مبنى الأركان القديم، ومبنى مراقبة خفض التصعيد بالقرب من وكالة أنباء سانا، ومبنى الأركان بساحة الأمويين، ومبنى الأمن الوطني، ومحيط السفارة الروسية والمركز الثقافي الروسي في حيي المزرعة والعدوي، بالإضافة إلى فرع المخابرات الجوية في ساحة العباسيين، وتسيير دوريات مدنية في شوارع دمشق، ولا سيما في أحياء التجارة والقصور والخطيب وشارع بغداد”، وفقا لما نقله موقع المدن.

بمقارنة بسيطة بين مناطق الحرائق الأخيرة وبين مناطق التواجد الروسي الحالي، والذي أزاح منها الإيرانيين وحل محلهم، نجد أن كافة هذه الحوادث جرت في مناطق الروس.

الحوادث ذاتها.. والفاعل مختلف

قبل الروس كانت تتمركز الحرائق في مناطق تواجد الإيرانيين، فبالعودة للخلف قليلا، واستعراض أبرز حوادث الحريق التي نشبت في السنوات الماضية، وهي حوادث أكد محللون بأنها اندلعت على أيدي الإيرانيين، والسبب في رأيهم هو رغبة إيران باستملاك منطقة دمشق القديمة، المحيطة بمقام رقية، وإجبار أصحاب المحال التجارية هناك على بيعها، حيث استهدفت الحرائق أكثر من 83 محلا تجاريا في سوق العصرونية في 23 نيسان 2016، ونقلت سانا حينها عن مدير الدفاع المدني في حكومة النظام أن الحريق “ناجم عن ماس كهربائي تسبب بإشعال النيران في عدد كبير من المحلات وخلف فيها أضرارا مادية كبيرة”، وفي 2 كانون الأول من العام ذاته، شب حريق في سوق الحميدية بمنطقة دمشق القديمة، وأدى لاحتراق أكثر من 13 محلا تجاريا.

تبعه احتراق المحال التجارية في سوقي الهال القديم والمناخلية -المجاورين لسوق العصرونية-، في 11 و 12 أيلول 2017، والسبب أيضا أو المتهم -كما يفضل الموالون تسميته- هو “الماس الكهربائي”، على حد قول مصادر النظام، والنتيجة عشرات المحال والبسطات التجارية.

وشهدت الصفحات الموالية آنذاك، ومن بينها صفحة دمشق الآن، عشرات التعليقات التي اتهمت بشكل مباشر النظام وإيران بمحاولة إفراغ دمشق من سكانها الأصليين وتجارها عبر حرق محالهم، والضغط عليهم لبيعها، لا سيما أن رجل الأعمال المقرب من رأس النظام وإيران محمد حمشو، كان قد عرض على تجار سوق العصرونية بيع محالهم قبل الحريق، وحاول الضغط عليهم، وإعادة عرضه بعد الحريق، وفقا لما وصفها موقع اقتصاد بالتقارير المسربة.

والجدير بالذكر أن الأسواق الأربعة تقع في محيط مقام رقية بمنطقة دمشق القديمة، والتي تعج منذ عشرات الأعوام، بالسياح أو كما يطلقون على أنفسهم “الحجاج” الإيرانيون، حيث تعتبر منطقة ذات اعتبار ديني بالنسبة لهم، وهي إلى جانب منطقة السيدة زينب من أولى المناطق التي فرضت الميليشيات الإيرانية والعراقية سيطرتها عليها بعد بدء الثورة، ويفصلها عن المستشارية الإيرانية فقط شارع الثورة الممتد بين المنطقتين، ضمن مسافة سير على الأقدام تستغرق أقل من 10 دقائق.

حرق المحاصيل.. من المستفيد؟

الإعلامي السوري فيصل القاسم كان له رأي في حوادث الحريق التي اندلعت قبل يومين، والتي استهدفت أراض ومحاصيل زراعية، لا سيما أنها تزامنت مع حرائق المحاصيل في محافظتي درعا والسويداء، بالإضافة إلى تعمد النظام استهداف المحاصيل الزراعية وإحراقها في حملته العسكرية الحالية على مدن وبلدات الشمال السوري.

واتهم القاسم بشكل صريح، الجهات المسؤولة عن استيراد القمح في مناطق النظام، بأنها هي من يقف خلف حرق المحاصيل، حيث قال السبت الماضي، في تغريدة له على حسابه في تويتر: “من دمشق..على ضوء حرق المحاصيل في مدن سورية عدة.. لازم ينشاف مين المسؤول عن استيراد القمح بسوريا لأن هذه الجهة هي وراء حرق المحاصيل”، مضيفا: “تعرضت آلاف الدونمات من حقول القمح والشعير في سوريا للحرق خلال موسم الحصاد الذي يستمر حتى منتصف يوليو/ تموز”.

وكان الإعلامي السوري قد سبقها بتغريدة أخرى قال فيها: “عندما دخلت القوات الأمريكية إلى العراق ٢٠٠٣…هجمت على صوامع الحبوب وبنوك البذور الزراعية وأحرقتها لماذا…كي يصبح العراق لاحقا عبداً للحبوب المستوردة… والعلم عند الله يفعلون الآن الشيء نفسه في سوريا من خلال حرق المحاصيل السورية في عموم المحافظات”، كما لم يبتعد القاسم في رأيه حول حوادث الحرائق التي استهدفت سابقا أسواق دمشق القديمة الأثرية.

والجدير بالذكر أن روسيا احتلت المرتبة الأولى في العالم خلال الأعوام الأخيرة، في تصدير القمح، والثانية عالميا في تصدير الحبوب بشكل عام، وفقا لتقارير صادرة عن وزارة الزراعة الروسية، وتقديرات مجلس الحبوب الدولي، واللذين توقعا ارتفاع صادرات روسيا من الحبوب والقمح للعام الحالي.

هذا وكانت مراكز الإطفاء والدفاع المدني التابعة للنظام، قد أعلنت في تقارير صدرت عنها قبل أيام، بأن أكثر من شهر أيار الماضي، شهد اندلاع أكثر من 300 حريقا في حمص، و 272 حريقاً في ريف حلب، و 271 حريقا في ريف دمشق، و 223 حريقا في السويداء، و 200 حريق في درعا، و 85 في دير الزور، كما قدرت المراكز المساحات التي طالتها الحرائق في حماة بأكثر من 125 ألف دونم من الأراضي الزراعية، تركز معظمها في منطقة سلمية، وفقا لما نقلته إذاعة شام إف إم الموالية.

وأكد قائد فوج إطفاء ريف دمشق على أن كم الحرائق منذ بداية العام حتى الآن لم يحدث منذ ثلاثين عاما، مبينا أن عدد الحرائق في هذه المدة بلغ 830 حريقًا، ووصل عدد الحرائق في شهر أيار فقط إلى 270 حريقا بريف دمشق، بحسب صحيفة الوطن الموالية.

 

وبملاحظة بسيطة، نجد أن النظام برر كافة الحوادث السابقة بأنها ناتجة عن الماس الكهربائي، وأن كافة المصادر والوسائل الإعلامية اعتمدت على عبارة “المتهم”، بينما في الواقع المنفذ هو قوى الاحتلال التي استقدمها رأس النظام السوري، وأفسح لها المجال لنهب سوريا والسوريين، وتحقيق مآربها الاقتصادية والسياسية والعقائدية ثمنا لتثبيت كرسيه، ومكافأة لها على الإمعان في قتل السوريين وتجويعهم.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*