تسرب الأطفال وثلاثية القصف والفقر وانقطاع الدعم

طفل أمام مدرسة مدمرة في بلدة أبو الظهور في ريف إدلب الشرقي – أنترنت

زيتون – يمامة الأسعد

“لن أعود للمدرسة” بهذه العبارة يواجه الكثير من الأطفال العاملين في الأسواق والمناطق الصناعية في محافظة إدلب كل من يسألهم عن سبب انقطاعهم عن المدرسة.

ويرجع الأطفال سبب رفضهم للعودة للمدرسة إلى عدم جدوى التعليم في ظل الحرب، إضافة للحاجة الماسة لأسرهم لما يدخلونه من مردود، و”500 ليرة سورية في اليوم أفضل من تعليم لا يطعم خبزاً” بحسب قولهم.

يقول أبو علاء وهو رب أسرة في إحدى قرى جبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي إنه عجز عن تأمين ما يسد به رمق أسرته، فحمل ما استطاع حمله واصطحب عائلته المكونة من سبعة أشخاص، وغادر إلى تركيا بحثا عن عمل.

يعمل أبو علاء بما تيسر له من أعمال بمساعده أولاده الثلاثة، عمر أكبرهم 13عاماً، مستبعدا أن يلتحق أولاده بالمدارس التركية، لحاجته إلى مساعدتهم، ولانقطاعهم الطويل وتأخرهم عن أقرانهم في المدرسة، فضلا عن عدم إلمامهم باللغة التركية في المدارس.

ولطالما كان التعليم هو من أول القطاعات التي تهمل في زمن الحرب، ومن أكثر الظواهر فتكا بالتعليم هي ظاهرة التسرب التي تعود أسبابها بحسب معلم اللغة العربية  في قرية “فركيا” بريف إدلب الغربي “عصام عوض” إلى ثلاثية القصف والفقر وانقطاع الدعم.

طفل يعمل في ورشة إصلاح في سراقب – زيتون

وقدر مدير مدرسة تابعة لمديرية تربية النظام في سراقب أن نسبة التسرب تصل لديهم في التعليم الأساسي إلى 40 %، مشيرا إلى تفاوت هذه النسبة ما بين المدارس بحسب شروط السلامة والأمان والحالة المعيشية التي تتوافر في منطقة كل منها.

الأطفال النازحون لا يعودون للمدارس

 ويرى مدير المدرسة أن ارتفاع نسبة التسرب سببه الأول القصف الجوي وما يتبعه من نزوح، مؤكدا أن الطفل الذي ينزح خارج بلدته لا يعود إلى المدرسة حتى لو عاد إلى البلدة، وأن الأهل بعد نزوحهم الأول يفقدون الثقة بإرسال أطفالهم إلى المدرسة وسط إمكانية قصفها، ويزداد خوفهم بعد كل خبر عن قصف المدارس.

“أن أطعم أولادي، وأحميهم من الموت، أهم عندي من تعليمهم” ليست مقولة لوالد الطفل “حسن القدور” فقط بل هي لسان حال الكثيرين من سكان الشمال السوري، ولحسن ابن اثنا عشرة سنة التحق بإحدى ورش البناء بعد ترك مدرسته.

رئيس دائرة التعليم الأساسي في تربية إدلب “محمود باشا” يرى أن سنوات الحرب الطويلة وانعدام فرص العمل وارتفاع نسبة البطالة إضافة إلى الغلاء المتصاعد، أجبر العديد من الأهالي لدفع أطفالهم ممن هم في سن التعليم الأساسي والمتوسط للعمل”

وأضاف الباشا أن حال الكثير من المعلمين ذوي الخبرة ليس بأفضل حال من حال طلابهم المتسربين، إذ فضل البعض منهم العمل الحر على التعليم بعد عجزهم عن تأمين عيش كريم لهم بما يتقاضونه من أجر.

رغم أن لدى المعلم “محمد عثمان” ثلاثين عاما من الخدمة في مجال التعليم والإدارة إلا أن راتبه لا يكفي قوت أسرته، مشيرا إلى أن رواتب المعلمين لا تزيد عن المائة دولار، بينما يتقاضى من له 20 عاما 90 دولارا فقط”.

الدعم

أوقفت مجموعة من الجهات المانحة دعمها المقدم للتربية الحرة في محافظتي إدلب وحلب في شهر أيلول الحالي، تبع ذلك توقف الكثير من رواتب المعلمين ما أثر بشكل مباشر على التعليم في المدارس التابعة للتربية الحرة.

يأتي إيقاف الدعم على خلفية سيطرة هيئة تحرير الشام المصنفة أرهابيا عبر حكومة الإنقاذ التابعة لها على القطاعات الخدمية في المحافظة ومنها قطاع التربية.

مدير المكتب الإعلامي في مديرية التربية الحرة بإدلب “مصطفى الحاج علي” أكد لزيتون أن منظمة “كومينكس” والتي تدعم مديرية التربية الحرة منذ سنوات أوقفت دعمها عنهم، مشيرا لتوجه المنظمات الدولية والأممية لتقديم الدعم لمديرية التربية التابعة للنظام السوري، والتي تحصل على المنحة المالية عن محافظة إدلب بشكل مستمر ومتزايد.

وأضاف “الحاج علي” أن مديرية التربية الحرة مهددة بالإغلاق اليوم مع /1100/ مدرسة تشرف عليها، منوها إلى أن الدعم المقدم كان قد توقف منذ تشكيل حكومة الإنقاذ التابعة لهيئة تحرير الشام وسيطرتها على المحافظة.

منسقو استجابة سوريا حذروا في بيان لهم بتاريخ 16 أيلول من خطورة تسرب 350 ألف طالب وطالبة وانضمامهم إلى سوق عمالة الأطفال، بسبب توقف الدعم عن 840 مدرسة تعمل في الشمال السوري مهددة بالإغلاق.

وذكر منسقو الاستجابة أن أكثر 115 منشأة تعليمية دمرها قصف طائرات النظام السوري والروسي في الحملة الأخيرة على إدلب.

أطفال في مرحلة التعليم الأساسي في الشمال السوري – زيتون

ومع غياب المعلمين وتعاقب إغلاق المدارس بسبب القصف، إضافة للحالة الاقتصادية المتردية للسكان يتغيب الطلاب عن مدارسهم ليصبح الدوام استثناء والغياب قاعدة بحسب المعلم “عصام عوض”.

وينوه المعلم عثمان إلى صعوبة بقاء المعلمين على رأس عملهم بشكل تطوعي، لا سيما وأنهم يضطرون للتنقل يومياً إلى أماكن عملهم، ما يفرض التزامات مادية إضافية غير قادرين على الوفاء بها”.

رئيس دائرة التعليم أوضح ما قامت به التربية الحرة من إجراءات للتخفيف من حدة ظاهرة التسرب، منها إلزام المعلمين بالتعليم المنزلي وفي مكان آمن نسبيا من القصف للأطفال المتسربين والنازحين.

كما قامت بتوفير النشاط الصيفي، والذي يعنى بالأطفال الضعفاء والمتسربين، وتعليمهم القراءة والحساب العلاجي، وتنظيم الطلاب والمعلمين بمناطق النزوح، وتنفيذ جلسات توعية للأهالي بضرورة عودة أولادهم للمدرسة، وتشجيعهم بإتباع طرق التعلم باللعب”.

ما بين تربيتين وطيارين وانتظار لمخرجات اجتماعات سياسية، ليس للسوري فيها من مكان واضح، لا يبدو أن التسرب هو خيار أمام الطفل السوري بقدر ما هو واقع فرض عليه.

تم انتاج هذه المادة بالتعاون مع منظمة fpu

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*