في عهد أسد تافه.. ليس للسوري غير الريح

زيتون – وعد البلخي

إمبراطوريات تحاول أن تستعيد أمجادها، وأخرى تسعى لبناء نفسها، وجمهورية تعمل لجعل هدفها الطائفي حقيقة على أرض الواقع، ودول تحاول أن تعود للواجهة كدولة عظمى وقطب أحادي في هذا العالم، بينما لا يكلف ترامب نفسه وجيشه أي عناء، ولا حتى التفكير بأن بلاده كانت القطب الأوحد في هذا الكون، ربما يكون هو الأذكى، وكما يقول المثل “خذوا الحكمة من أفواه المجانين”.

بينما يسحب ترامب جنوده من سوريا، دون أن يرسلها لمكان آخر، سوى إبقائها في العراق، ويعلن أنه سيستغل النفط السوري، تزج روسيا جنودها وآلياتها العسكرية وتجري التجارب على أسلحتها وتطورها على حساب الشعب السوري، منتظرة الحصول أخيرا ليس فقط على حصتها من الكعكة السورية، وإنما على الكعكة كلها.

بهدوء وصبر، يتعامل بوتين مع الموقف، يشكل الأحلاف، ويعقد المؤتمرات والمصالحات، ويتماشى إلى حد ما مع إيران التي يفعل كل ما بوسعه لإنهاء تواجدها كمنافس له في سوريا.

يسعى أردوغان لاستعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية، وربما عثمان بن أرطغل مثاله في ذلك، وقد يفكر أردوغان في قرارة نفسه أن إمبراطوريته التي يحلم بها ويعمل على بنائها، لن تحمل مجددا اسم عثمان، وما المانع في أن تكون الإمبراطورية الأردوغانية، ولماذا يبقى اسم عثمان ملاصقا لها بينما هو من يبنيها اليوم على دماء السوريين والليبيين وغيرهم، محاولا التحلي بالحنكة السياسية، والحظوة برضى بوتين في سبيل أطماعه.

انتهازية يمارسها على السوريين والليبيين، ويذهب متوددا للجزائر الهشة، مستغلا وضعها الحالي، مغرقا إياها بالوعود والأحلام الوردية، عله يمدد تمركزه في المتوسط، لا سيما مع شروعه في بناء قناة اسطنبول التي يرى الكثير من الأتراك فيها دمارا وربما موتا لاسطنبول.

يضرب أردوغان العصافير كلها بحجره، فقد تخلص من أعدائه الأكراد في سوريا، وموقفه معهم في العراق جيد، ولم يكتف بالتخلص منهم بأيدي الشباب السوريين الذين غرر بهم على أنه ضامن للسلم والأمن في شمال وشرق سوريا، ومخلصهم من ظلم وسيطرة وإرهاب النصرة، بل غرر ببعض منهم للقتال عوضا عن جيش بلاده في ليبيا، التي جدد التذكير بأنها كانت فيما مضى ولاية عثمانية.

أما الإمبراطورية التي تحاول بناء نفسها، وفي كل مكان على سطح الأرض تحدث فيه اضطرابات أو حروب أو حتى أقل مستوى من ذلك، تجد اسمها يبرز كعامل في ذلك الحدث، فما إن أغلق باب طائرة أردوغان معلنا نهاية زيارته للجزائر، حتى فتح باب طائرة وزير خارجيتها، في زيارة للتشويش على ما أراد أردوغان من زيارته للجزائر،لا أحد يعرف ما يحمل في جعبته، ولكن الإمارات على استعداد لضخ مبالغ ضخمة لا يجرؤ لسان الحكومة الجزائرية على مجرد لفظها، في سبيل تثبيت قدمه وورود اسمها هناك أيضا، على طريق بناء إمبراطورية الوهم تلك.

رفعت الأقلام وجفت الصحف. لم يعد ذلك الدماغ قادرا على التفكير ولا اللسان قادرا على النطق، فلم يعد لديه ما يقوله رغم أن في جعبته رحلة أعوام. أما اليدين فترفضان أن تعترفا بأن النهاية قد حانت. لا مجال للإبداع الأدبي ولا الحنكة السياسية. منذ أن ماتت مي سكاف وأنا شخصيا وأعتقد أن الكثير من السوريين كذلك، نحسدها أن دماغها قرر أن يكتفي بما رآه في السنوات الأخيرة من عمر الثورة السورية.

منذ سنوات، وبالتحديد منذ أن بدأت التسويات والمصالحات، ونحن نشعر بالحسد والغيرة من كل من رحل وهو يحمل حلما معه إلى حيث ذهب، رحل قبل أن يتشوه حلمه ويفجع بما آل إليه حال ثورته.

التدخل الروسي في سورية في بداية الأمر رغم خسارة المعارضة لمواقع كثيرة إلا أنه كان نصرا للثوار رغم الخسارة والتراجع بالمساحات المحررة، ولكن أستانا وسوتشي والمصالحات كانت سبب وأد الثورة، إلى جانب التنظيمات الإسلامية وحياد بعض الفصائل عن أهداف الثورة ومسارها.

اليوم، اقتراب بداية العام التاسع للثورة، وبعد كل الفقد والموت والجوع والتشرد والخسارة، توشك الثورة على نهايتها، ونوشك نحن السوريون على العودة إلى ما دون نقطة الصفر بمئات الدرجات.

طيلة تلك السنوات، كنا نحلم بانطلاق ساعة الصفر لنهاية نظام مجرم، ولكن الواقع انقلب علينا وعلى أحلامنا وآمالنا، لنهاية كل شيء بعد كل ما عشناه وناضلنا لأجله، ولكن بأيدينا وكثرة أخطائنا وتفاقمها بدل تفاديها والعمل على الاستفادة من كل خطأ.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*