هل ستغير القوة التركية في إدلب من تقدم النظام.. أم ستكون معزولة كنقاطها؟

يعيش أهالي محافظة إدلب أو ما تبقى منها ومن خلفها الثورة السورية أياما صعبة وحاسمة فرضها الحل العسكري الذي بدأت به روسيا والنظام السوري في تقدمهم العنيف في عمق أراضي المحافظة بعد أن سيطرت على معرة النعمان وخان السبل ومجموعة من البلدات الموجودة على طول طريق حلب – دمشق حتى باتت على مشارف مدينة سراقب وسيطرتها على المناطق الجنوبية والغربية المحيطة بها.

وضع التقدم الميداني الكبير لقوات النظام كلا من الرئيس الروسي والتركي بمواجهة مباشرة ليلقي كل منهم باللوم على الأخر في خرق اتفاق أستانة وسوتشي ليأتي إرسال التعزيزات العسكرية خلال اليومين السابقين ليتوج هذه المواجهة في تصعيد كبير بين الطرفين.

تركيا التي أرسلت عشرات الآليات العسكرية إلى مدينة سراقب بقوة عسكرية تعتبر الأولى من نوعها، تمركزت قواتها في طريق تقدم النظام غرب المدينة في قرية الترنبة، كما أحاطت المدينة بثلاث نقاط مراقبة إضافية، في رغبة واضحة منها لمنع تقدم قوات النظام في عمق المحافظة أكثر.

وبعد محاولة قوات النظام الالتفاف حول مدينة سراقب لحصارها كعادته في محاصرة المدن الكبرى كما فعل سابقا في خان شيخون ومعرة النعمان، سارعت القوة التركية إلى التمركز بطريق تقدمه، وبعد قصف لقوات النظام على نقاط تمركز القوات التركية وسقوط ستة عناصر من النقطة التركية قتلى وما يقارب عشر جرحى، ردت القوات التركية بقصف لمواقع قوات النظام البعيدة عبر مدفعيتها.

أعقب ذلك تبرير روسي لقصف النظام أرجعته إلى عدم إخطار الجانب الروسي بتواجد القوات التركية ما أعطى الحق لقوات النظام بقصفها، لكن التصعيد التركي في التصريحات التي أطلقها رجب طيب أردوغان طالبت الجانب الروسي بعدم الوقوف في وجه الرد التركي على قوات النظام، موضحا أن المقصود في الرد هو النظام السوري وليس الجانب الروسي.

وفي معركة مفاجأة شنتها فصائل محسوبة على الحكومة التركية تمكنت من التوغل في مدينة حلب وريفها الشمالي منطلقة من مدينة الباب، حاولت فيها تركيا الضغط على الجانب الروسي لإجباره على اعتبارها كطرف يجب التفاوض معه في حال قرر التقدم، هذا التقدم للفصائل لم يدم طويلا حتى تم الانسحاب من تلك المناطق بقرار تركي لم تعرف أسبابه.

بعد كل هذه الأحداث يبقى السؤال الأهم الأن: هل تنوي روسيا التوجه إلى مدينة إدلب أم ستكتفي بالسيطرة على الطريقين M5 حلب – دمشق مرورا بسراقب و M4 حلب – اللاذقية الذي يتفرع من طريق حلب – دمشق إلى اللاذقية عند مدينة سراقب.

وتشير الوقائع إلى أن مدينة إدلب والتي تضم اليوم ما يقارب المليون مواطن نزح أغلبهم من باقي المحافظة التي شهدت عمليات التقدم العسكري في الريف الجنوبي والشرقي إليها، ستشكل كارثة إنسانية كبرى في حال قررت روسيا الدخول إليها، إذ لم يعد هناك مكان يستطيع استيعاب العدد الهائل لأهالي المدينة، لا سيما وأن معظمهم لم يمر على وصولهم إليها سوى أسابيع قليلة.

من جهة أخرى يتساءل الكثيرون حول معنى استقدام تركيا لهذه القوة العسكرية التي لن تستطيع مواجهة الآلة العسكرية الروسية الهائلة، مع العلم أن تركيا تدرك أن لا قدرة لها على هذه المواجهة، لكن يرى البعض أن تركيا دأبت خلال الشهور الماضية إلى هذا السلوك الغامض في إرسال الأرتال وإنشاء نقاط مراقبة في مناطق مهددة بالسقوط كما فعلت قبيل سقوط خان شيخون ومعرة النعمان، دون أن تؤثر تلك النقاط على تقدم قوات النظام، لتبقى نقاط المراقبة هناك كجزر معزولة ومحاصرة دون أي فائدة انعكست على الأهالي الذين تفاءلوا بها.

وفيما تبقى القوات التركية تائهة في محافظة إدلب، تستمر قوات النظام ومعها الميليشيات الشيعية بدعم جوي كامل روسي في التقدم باتجاه طريق حلب – اللاذقية متجاوزة مدينة سراقب لتصل إلى بلدات النيرب والمسطومة وقميناس وهي بلدات تقع على طريق حلب – اللاذقية لكنها قريبة جدا من مدينة إدلب، ما يترك الباب مفتوحا حول خيارات روسيا فيما إذا قررت أن تتوجه إلى المدينة المكتظة، أو أنها ستكتفي بالطرق المتفق عليها في أستانة.

شكلت اتفاقية أستانة وسوتشي منذ البداية حالة من الغموض في مخرجاتها، هذا الغموض الذي تجلى في بنود كان واضحا أنها مستحيلة التطبيق على الأرض، لا سيما فتح الطرق ومحاربة هيئة تحرير الشام، كما كان واضحا أن المهلة التي وضعت لتنفيذ التعهدات لم تكن منطقية في ذلك الحين.

لكن جوهر الاتفاقات الحاصلة لم تكن في البنود التي تم الاتفاق عليها، بل كانت اتفاقيات مؤقتة تكتيكية من قبل الطرفين الضامنين، كل منهما كان يأمل بتحقيق إنجاز مرحلي يسمح له بتحقيق أهداف كانت مهمة له في ذلك الحين، فروسيا كانت بحاجة إلى الانتهاء من ملف محافظة درعا وبعض المناطق الأخرى، كما كانت تركيا تأمل بتحقيق كسر نهائي للمشروع الكردي عبر معركتها في غصن الزيتون ونبع السلام، دون أن ينتظر كل طرف الالتزام ببنود الاتفاقات من الطرف الأخر، حتى وصلت روسيا إلى المرحلة الحالية التي لم تعد بحاجة إلى الشريك التركي في حل المسألة السورية عبر القوة النارية.

في المقابل يحل الصمت الأمريكي بديلا عن الموافقة الصريحة عما يقوم به الروس في إدلب، مكتفية بتواجدها في مناطق الجزيرة السورية بالقرب من منابع النفط، ومطلقة يد روسيا في الملف السوري دون رغبة منها في التورط فيه.

يبقى الخطر على المدنيين قائما في القسم المتبقي في إدلب حتى ولو أكتفت القوات السورية والروسية بطريقي حلب – دمشق وحلب – اللاذقية في هذه المرحلة، وذلك نظرا لنواياها التي تكررها في إصرارها على الوصول إلى الحدود التركية في تقدمها اللاحق الذي يبدو غير مستبعد في هذا التقدم السريع والكبير الذي تحققه اليوم، ليبقى مصير ما يقارب 4 ملايين مدني في مهب الريح، يمكن أن يقعوا تحت رحمة حقد قوات النظام وتعطشها للنيل من المحافظة الرافضة لحكم الأسد.

 
 
 
 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*