بعد سراقب ليس كما قبلها

زيتون – عدنان صايغ

ليس للمدينة ما يميزها عن غيرها من مدن سوريا، لكن موقعها وزمان سقوطها بيد أصلف مجرمين في وقتنا الحالي هو ما يجعل من سقوطها علامة مؤلمة في تاريخ سوريا وثورتها.

ورغم سقوط معظم المناطق الثائرة قبلها في سوريا وتهاوي حواضر مهمة في ريف إدلب إلا أن الثورة كان يمكن لها أن تبقى مستندة على بوابة سراقب في تموضعها على عقدة لقاء ما بين حلب ودمشق وحلب واللاذقية، كما كان للثورة أن تجد حيزا وافيا من الجغرافيا التي تسمح لها بمساحة معقولة من المحيط الثائر، ولربما كان هذا هو السبب في مسارعة تركيا لإرسال أولى قواتها القتالية إلى إدلب للحفاظ عليها.

لكن شيئا ما سقط مع سقوط سراقب، التي كانت بمثابة بوابة صلبة لقلعة إدلب الرافضة، شيئا ما لا يمكن تلمسه بالقياس، له بعد رمزي يوجع أهلها ويفرح المحتلين.

وبشهادة مجروحة يمكن القول أن سراقب كانت العتبة التي أوصلت الثورة لكبرى مدن الشمال حلب، وكانت رأس الحربة لتحرير الريف المحيط البعيد عن الطريق الدولي، كما كانت ملتقى البادية واتساعها بأسواق المدن وغناها، وشكلت وسطا آمنا موثوقا للطرفين بواقعية الثورة وديمومتها.

ورغم ما دفعته المدينة من ضريبة السبق في تجربتها الثورية من تلاطم الأخطاء وتراكمها وما مر بها من عجز عن تقليم شوائبها، ورغم ما عانته من قوى عبثية ومظلمة لم تستطع الخلاص منها حتى سقوطها، إلا  أنها بقيت تحاول الخلاص في رفض دائم لكل من مر عليها.

سراقب التي شهدت خلال العشرين عاما الماضية ازدهارا تجاريا وتوسعا عمرانيا كادت أن تزاحم به مدناً أكبر كإدلب ومعرة النعمان وجسر الشغور، شكلت خلال الثورة ثلاثي احتجاج أمام قمع هيئة تحرير الشام بعد أن مزقت ثوب الطاعة للنظام.

ترقب الأهالي خلال الأيام الماضية ومازالوا حتى اليوم يترصدون أخبار مدينتهم، بعد أن انسحب ثوارها منها ليبقى مصيرها مجهولا وغامضا، فلا صور لقوات النظام تسربت من داخلها سوى مقطع مصور لمراسل روسي وحيد لم يكن برفقته أحد.

مع ساعات الهزيمة الأولى التي رفض الكثيرون أن يعترفوا بها، يتحول الغضب عند الجميع إلى حقيقة واضحة تقول إن ما يعيشوه ما هو إلا احتلال مصيره الزوال، وبعيدا عن الشعارات والأحلام تتنامى مشاعر الألم لتتحول إلى رغبة في القتال والثورة من جديد، فما حدث قل مثيله في التاريخ، فأي دولة تلك التي تستجلب أعتى جيوش القهر لتتوسع على حساب بلداتها وتدخلها فارغة بعد أن هرب أهلها، ليعود الإنسان السوري يطرح ذات الأسئلة المريرة حول معنى الوطن والسلطة والدم.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*