عائلة سورية هاربة تفتك بها الألغام

372

الصورة تعبيرية

زيتون – محمد علاء

يضيق تنظيم الدولة ويفرض المزيد من القيود لمنع خروج السكان المدنيين الخاضعين لسيطرته بريف حلب الشرقي والشمالي الشرقي الى مناطق الجيش الحر والأراضي التركية.

فبعد الضربات الجوية على التنظيم من قبل التحالف الدولي في سوريا بتاريخ 19 أيلول / سبتمبر 2014، بدأ مقاتلون من التنظيم بالهروب من تلك الضربات المركزة الى الأراضي التركية بحسب أهالي المنطقة، هذا ما جعل التنظيم يلغم الحدود بينه وبين تركيا في منتصف العام الجاري، وحصر الخروج للأراضي التركية من معابر معينة أقام عليها مخافر ونقاط حرس، وذلك بديل عن نشر قوات على الشريط الحدودي الكبير الذي بقي للتنظيم مع تركيا والممتد من بلدة جرابلس وحتى بلدة الراعي حسب شهود عيان.
القرار الصادر مؤخراً من التنظيم بمنع خروج المدنيين من مناطق سيطرته، أجبر الكثيرين للبحث عن طرق آمنة للخروج لمناطق الجيش الحر ومنها لتركيا، واصبح الكثير منهم يسيرون ليلاً في الأراضي الزراعية الفاصلة بين الجيش الحر والتنظيم.
أسامة البكور القيادي في الجيش الحر الذي قال:”التنظيم انتبه مؤخراً لذلك الطريق، فبعد هرب أحد القياديين تونسي الجنسية سلم نفسه لنا،  سيطر التنظيم على تلك الأراضي الزراعية وطرد أصاحبها منها وزرعها بألغام أفراد وألغام أليات، ما أدى لمقتل وجرح العشرات، كان أخرهم  7 اشخاص من مدينة الرقة بينهم 4 أطفال من عائلة واحدة، كانوا يعبرون تلك الأراضي”.

وقال البكور “سير التنظيم دوريات ضمن تلك الأراضي لاعتقال المواطنين الهاربين منه وتم اعتقال عائلة مؤلفة من عدة أطفال ونساء ورجال، لم يعرف مصيرهم حتى الأن، كانوا قدموا من ريف دير الزور الى ريف حلب للخروج الى تركيا، لا يعلم مصيرهم حتى الأن، وسياسة زرع الألغام هي قديمة واشتهر بها التنظيم، واستقدم كتيبة مختصة من العراق لتلغيم تلك المناطق، علماً أن الألغام هي أمريكية الصنع اغتنمها التنظيم من الفرقة العسكرية الثالثة في العراق، ولا يزال التنظيم يملك أعداداً هائلة منها، ولم يتأثر مخزونه منها رغم المسافات الكبيرة التي يقوم بزرعها بالألغام، وهي سابقة عسكرية غير معهودة لدى الجيش الحر وحتى قوات النظام، التي خسرت مناطق واسعة من أنحاء سوريا دون أن تستخدم أي نوع من تلك الألغام”.
محمد عثمان قتل أفراد من عائلته أثناء مرورهم بحقل ألغام قرب حربل بريف حلب، تحدث لـ “زيتون” من أحد المشافي التركية قائلاً:

“بعد تضرر عملي في مدينة الباب الخاضعة لحكم التنظيم، أردت الخروج بعائلتي الى تركيا، بحثاً عن لقمة العيش، لكن منعنا التنظيم من الخروج، ما أجبرني على البحث عن طرق أخرى، حاولت العبور مع عائلتي من الحدود، لكن أحد أبناء المنطقة أخبرنا أن المنطقة مزروعة بالألغام، ويستحيل المرور منها، ودلني على طريق أخر يوصلني لمناطق الجيش الحر، وبمقدوري الخروج منها لتركيا”.
وأضاف محمد: “خرجنا ليلاً من مدينة الباب عبر أراضي زراعية مبتعدين عن حواجز التنظيم بأطراف المدينة، ووصلنا الى مكان أبلغنا فيه السائق، المسؤول عن تهريبنا، أنه لا يمكن ان يستمر بالقيادة أكثر من ذلك، خوفاً من استهدافها من الجيش الحر الذي سيعتبرها من مفخخات التنظيم، ويتوجب علينا المسير غرباً لنصل الى قرية مقابلة للمكان الذي كنا فيه، وهناك سيقوم اشخاص أخرون بايصالنا ،الى تركيا”
يقول “محمد” محاولاً امساك دموعه متحدثاً عن تجربته القاسية والتي انتهت بوفاة طفليه وزوجته، وبترساق ابنته التي تبلغ 15 عام بانفجار عدة ألغام بهم:

“ما أن قضينا ربع ساعة سيراً على الأقدام حتى سمعت صوتاً قويا، وأحسست بضغط كبير، ومن شدة الظلام لم أرى شيئاً، صرخت على زوجتي التي كانت تسير خلفي برفقة طفلي، دون سماعي لرد منهم، وما أن اقتربت أكثر برفقة ابنتي واذ بانفجار آخر، رماني بعيداً عدة أمتار، وغبت عن الوعي، ولم أستفق حتى طلوع الفجر، لأجد أشلاء زوجتي وأطفالي، وابنتي قد بترت قدمها ولازالت فاقدة وعيها، ومن حولي أناس ينظرون إلينا ويخافون الاقتراب، فنحن في حقل الغام”
ويتحدث محمد بمرارة واضحة في عينيه، عن كيفية خروجه من حقل الألغام ووصوله الى مناطق الجيش الحر فقال: “حاولت الوقوف على قدمي لأقوم بجمع أشلاء أطفالي، لم أستطع فقد أصابت إحدى الشظايا قدمي الاثنتين، الى أن جاء أحد الرعاة، وقام بتسيير الأغنام أمامه، الى أن وصل إلي، ما شجع الأخرين على التجرؤ لمساعدتنا، ونقلوني مع ابنتي وأشلاء عائلتي الى مستشفىً قريب في اعزاز، وتم دفن أطفالي أثناء خضوعي لعمل جراحي، قبل نقلي الى تركيا”.
قصة “محمد” ليست القصة الوحيدة التي تحصل بشكل يومي في مناطق سيطرة تنظيم الدولة، وليست الأخيرة ولكنها من القصص التي تجرأ أصحابها على البوح بمأساتهم والحديث عنها علهم يجدون آذاناً صاغية لمن يستطيع أن يوقف هذا الموت العبثي.