متعاطفا مع نازحي بلدته.. عبد الملك ينشأ مخيما بتجهيزات غير مسبوقة

جريدة زيتون

بجهد فردي تمكن أحد أهالي مدينة سراقب من إنشاء مخيم ضم 60 خيمة حسنة التجهيز في مدينة الدانا، وذلك بعد موجة النزوح الأخيرة من ريف إدلب الجنوبي والشرقي.

“عبد الملك القاسم” نازح قديم في مدينة الدانا، اختار سلامة عائلته على البقاء في مدينته سراقب منذ عام وشهرين، شهد حالة الضياع التي عاشها النازحون وهم يبحثون عن بيوت للإيجار، ودفعته غيرته إلى التفكير بطريقة ما لتقديم المساعدة لهم، وبالتعاون مع مجموعة من الأصدقاء الموجودين معه، توصل إلى فكرة إنشاء مخيم يحتوي على خيم تحفظ كرامة النازحين مستهدفا العائلات الأشد حاجة.

 

عبر مجموعة على تطبيق الواتس آب جمع فيها معظم النازحين من مدينته أعلن عن البدء بتنفيذ فكرة المخيم، طالبا من الأهالي ممن يرغبون بالسكن في المخيم البدء بالتسجيل لديه.

يقول مؤسس المشروع ومديره سابقا “عبد الملك” لزيتون: “لم يكن الأهالي متحمسين للفكرة نتيجة أملهم بالرجوع إلى مدينتهم قريبا، واستبعاد فكرة الإقامة بالخيام، لكن الطلب على الخيام تغير بعد يأسهم من الرجوع، وحاليا لا يمكن وصف الأعداد التي تطالب بالخيام”.

قامت مجموعة مؤلفة من ستة أشخاص مثلت “لجنة مخيمات سراقب” بالتواصل مع المجالس المحلية وطلب مساعدتهم في الحصول على أرض مناسبة لكن الأراضي المقدمة لم تكن مناسبة للمشروع.

استمر البحث عن أرض مناسبة حتى تبرع أحد الأهالي في مدينة الدانا بقطعة أرض بمساحة 1500 متر مربع لإقامة المخيم عليها، ثم قامت لجنة مخيمات سراقب بالتواصل مع المنظمات لطلب المساعدة في تقديم الخيام، إلى جانب ذلك تم الشروع بحملة لجمع التبرعات، وتم جمع المبالغ اللازمة للبدء بتجهيز الأرض وتسويتها وإنشاء الصرف الصحي للخيام.

كما تم الحصول على قطعة أرض أخرى بمساحة مماثلة لا تبعد أكثر من 1،5 كيلومتر عن المكان الأول، وكان من حسن الحظ أن القطعتين مخدمتان بشبكة الصرف الصحي، فيما تكللت جهود الاتصالات مع المنظمات بتقديم منحة من منظمة (iyd) دعما للمشروع بـ 70 خيمة إضافة إلى سلة إغاثية لكل خيمة، استخدمت 60 خيمة منها في المخيم فقط بسبب حجم الخيام الكبير فيما وزعت 10 خيم على المحتاجين.

البدء بالمشروع

بعد الحصول على الأرض اللازمة وتجهيزها وتوفر الخيام بدأ العمل على تأسيس البنية التحتية للمخيم، وتم تجهيز كل خيمة على حدة بخزان مياه وحمام وتواليت ومغسلة، ما يجنب النازحين إحراج الحمامات الجماعية.

أصرت لجنة المخيم على توفير مرافق مستقلة لكل خيمة، عزلت عنها بحاجز ذو أرضية خرسانية لتصل مساحة كل خيمة إلى 20 متر مربع وهو أمر لم يسبق أن تم توفيره بالمخيمات سابقا، متجاهلين زيادة التكلفة مقابل منح النازحين حياة كريمة ولائقة قدر الإمكان.

وعن كيفية اختيار المخيم قال عبد الملك: “تم اختيار مكان المخيم بناء على معايير كنا قد ألزمنا نفسنا بها، من أهمها قربها من المدن الكبيرة لتأمين العمل للنازحين لكي لا يكونوا عالة على أحد، وللاستفادة من الخدمات المتوافرة في المدينة كالتعليم والمشافي، كما كان همنا أن يكون قريبا من الحدود التركية قدر الإمكان لزيادة مستوى الأمان، ولذلك كان المخيم الأول داخل مدينة الدانا”.

فيما بعد شجعت إدارة المخيم الشباب المقيمين فيه على البدء بمشاريع عمل وطرح أفكار قابلة للتنفيذ ومناقشتها معهم لا سيما أن مدينة الدانا تشهد حالة من النشاط العمراني نتيجة النزوح الكثيف إليها وتحولها إلى سوق استهلاكية كبيرة.

اعتمدت اللجنة في توزيع الخيام للمستفيدين على أسبقية الذين سجلوا أولاً، إضافة إلى التأكد من حالتهم المادية المتعسرة، وقد بلغ عدد العائلات المقيمة في المخيم 67 عائلة وهو ما يزيد عن عدد الخيام بسبب تمسك بعض العائلات بذويهم وعائلات قريبة منهم وإصرارهم على السكن معهم في ذات الخيمة.

حاجة متزايدة

مكنت التبرعات الكبيرة لجنة المخيمات من توزيع ما يقارب 108 خيام عدا خيام المخيم، بعضها قدم مجانا وبعضها تم شراؤه، ويؤكد القائمون على المشروع حجم حاجة الأهالي المتزايدة إلى الخيام بسبب عجز الكثيرين عن دفع إيجار بيوتهم بعد شهور من النزوح، مشيرين إلى أن لديهم الآن 120 عائلة بحاجة إلى خيام، في وقت اضطروا فيه إلى التوقف بسبب ضعف التبرعات نتيجة لتفشي فيروس كورونا في العالم، ما أغلق التسجيل على المخيم الجديد في قورقانيا قبل أن يتم افتتاحه.

على صفحته الشخصية في موقع فيس بوك بدأ “عبد الملك القاسم” بخطوته الأولى والطلب من الأصدقاء التبرع لتأمين خمس خيم بشكل مبدأي ثم أعلم المتبرعين بحصوله على قطعة الأرض، وبحكم ثقتهم فيه وعلاقاتهم القديمة، تمكن من إنجاز المشروع.

وحرصا من المشرفين على المشروع تم تدوين كافة التبرعات والمصروفات منذ بداية المشروع  وحتى نهايته بجدول محاسبة توضح فيه شفافية الحسابات للمتبرعين.

لم ينته المشروع بعد إقامة النازحين فيه، بل استمرت لجنة مخيم سراقب في السعي للمطالبة بـ خدمات أكثر للمخيم من نظافة ومياه وألواح طاقة شمسية وسلل إغاثية شهرية للنازحين مؤكدين على الحاجة القصوى والعاجلة للأسر الفقيرة.

مخيم جديد على وشك الانجاز

بعد زيادة الطلب من قبل النازحين للحصول على خيم استأنفت اللجنة العمل من أجل إنشاء مخيم أخر وتم شراء قطعة أرض في منطقة قورقانيا بريف مدينة حارم المحاذية للحدود التركية، بقيمة 12 ألف دولار وبمساحة 4،5 دونم، وتم الاتفاق مع منظمة الإحسان على إنشاء 80 غرفة بجدران بلوك تحتوي كل غرفة على نافذتين وباب مصنوعة من الحديد، مقامة على أرض خرسانية ومسقوفة بشادر، كما تم الاتفاق على موعد التسليم في منتصف شهر نيسان الحالي والتكلفة مدعومة كاملا من قبل المنظمة.

وبحسب اللجنة، سيتم تسليم 70 غرفة للنازحين واستخدام عشرة غرف كحمامات جماعية ونقطة تعليمية طبية ومرافق.

صعوبات في التنفيذ

لم يخلو تنفيذ المشروع من مشاكل كان أبرزها بحسب المدير المالي للمشروع هي معضلة مدة إيجار الأرض، فأصحاب الأراضي يرفضون تأجير أراضيهم لأكثر من سنتين وذلك لخوفهم من استعصاء المستأجر، في حين أن المنظمات تشترط أن يكون عقد الإيجار لمدة خمس سنوات لتقديم الدعم وضمان استمرارية نفع المستفيدين من المشروع، وهو ما استدركته اللجنة في المشروع الثاني وقامت بشراء أرض نظرا لكونها الفكرة الأفضل من الإيجار.

في حمى النزوح الذي عصف بأكثر من مليون سوري بعد تقدم قوات النظام السوري إلى مناطق واسعة من محافظة إدلب، تعاطف الكثيرون وحاولوا تقديم المساعدة العاجلة لكن بعض الأفكار أثبتت نجاعتها ونفعها بشكل أكبر حين مكنت النازحين من مأوى ولو كان مجرد خيمة، كما أكدت أن الإنسانية لا تحتاج إلا للتعاطف والاهتمام.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*