إعدام الصحفي الأمريكي جيمس فولي ذبحاً على يد تنظيم الدولة الإسلامية

cd1c48a3-67a2-43ba-a34b-9964979fc559_4x3_690x515

جثا على ركبتيه في أرض موحشة في مكان ما من العراق أو سوريا ليوجه كلماته الأخيرة لحكومته الأمريكية حسبما طلب منه قاتلوه ثم ودع حياته دون أدنى فرصة للاختيار. لكن العالم كله أذهلته شجاعة هذا الرجل وهو ينظر بكل ثبات إلى الكاميرا وحين سحب قاتله السكين لم يحاول ثنيه بأية كلمات أو حتى بإيماءات في وجهه، لقد مضى إلى موته غير آبه لا بل إنه أثبت للسوريين أن حياته كأمريكي ليس أغلى من حياة أي طفل سوري. مشهد إعدام فولي انتشر على المواقع الالكترونية مثيرا الرعبلدى ملايين الناس من هؤلاء الوحوش الذين انفلتوا من كل عقال ليعملوا في الناس قتلا وذبحا. أخذ الرجل الملثم سكينه ثم أعلن أنه من عناصر تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام ثم وجه اللوم من جديد إلى الإدارة الأمريكية التي رفضت التفاوض على حياة مواطنها جيمس فولي واستمرت بتوجيه ضرباتها العسكرية ضد مواقع التنظيم في العراق. ثم أقدم على عملية الذبح بحماسة من يقوم بعمله خدمة لله والإنسانية فلم ترتجف يداه اللتان تعودتا على القيام بمهمة كهذه.

عرف عن جيمس فولي أنه صحفي أمريكي اختطف في سوريا بتاريخ 22 تشرين الثاني عام 2012، وهو الأخ الأكبر لخمسة إخوة من ولاية روشستر. تخرج من كلية التاريخ في جامعة ماركيتي ومن ثم انتقل لدراسة الصحافة في جامعة نورث ويستيرن وحصل على شهادة ميدل سكول. عمل مدرسا للمحرومين في أمريكا لفترة ولكن مهنة الصحافة وكشف الحقائق استهوته أكثر من أي شيء آخر. لذا لم يتردد في الذهاب إلى مناطق التوتر لتصوير معاناة المدنيين في الحروب التي تطحنهم فذهب إلى أفغانستان لتغطية الأحداث هناك ومن ثم ذهب إلى ليبيا عام 2011فاختطفته مجموعة من الموالين للقذافي واحتجزوه مع ثلاثة صحفيين آخرين مدة 22 يوم. ولم يثنه اختطافه في ليبيا عن الذهاب إلى سوريا للمشاركة في تغطية الأحداث التي تحاول الحكومة السورية وقوى إعلامية ضخمة في العالم التعتيم عليها وكانت آخر مقالاته حول معاناة المواطنين السوريين في مدينة حلب جراء العنف الذي يدمر البلاد والذي جعلها أخطر مكان يتواجد فيه الصحفيون وفق تصريحات مجلس حماية الصحفيين، ففيها قتل 70 صحفيا واختطف ثمانون آخرون منذ اندلاع أحداث العنف.

دان وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند الاربعاء “الاعدام الوحشي” للصحافي جيمس فولي فقال بعد إعدامه وردا على سؤال لـ “بي بي سي” عن شريط الفيديو، انه “الرعب، الرعب المطلق امام ما يبدو اعداما وحشيا”. واضاف انه “مثال اضافي لأشكال وحشية هذا التنظيم”، في اشارة الى “الدولة الاسلامية” الذي سيطر على اجزاء واسعة من سورية والعراق. في الواقع لم يعد المواطن العربي وخصوصا في سوريا والعراق يعول على الموقف الغربي وتصريحات قادته حيث تعمّ الكثير من الشكوك والارتيابات عربياً حيال الموقف الدولي عموماً والاميركي خصوصاً. وبالفعل فقد صم العالم آذانه عن صرخات الاستغاثة من السوريين وهم يقتلون بكل أشكال القتل المعروفة والغير معروفة في العالم ولم يجد هذا الشعب اليتيم من يلبي نداءاته.

فالضربات الجوية تبقى محدودة الفاعلية في تغيير الأمر الواقع الذي خلقه «داعش» في أقل من شهرين. بالإضافة إلى أن الصمت الغربي طوال سنوات حيال الجرائم التي ارتكبها مقاتلو داعشفي سوريا ولد مشاعر الخيبة لدى السوريين الذين فاجأهم كثيرا تشكيل الجيش الكردي ودعمه بسرعة فائقة بينما بقيت كتائب الجيش الحر تقاتل وهي تستصرخ العالم لإمدادها بالسلاح لمواجهة طاغية دمشق دون أي رد لأكثر من سنتين وبعد انهيار الكثير من الكتائب بسبب نفاذ ذخيرتهم وشح أموالهم انضم عدد كبير من مقاتلي تلك الكتائب إلى جبهة النصرة ولاحقا إلى تنظيم الدولة الإسلامية. فهل كان عدم الرد الغربي وسيلة للضغط نحو تشكيل هكذا تنظيم في المنطقة يمتلك القدرة على تفتيتها وتشظيها لإعادة خلقها من جديد حسبما يتناسب مع المصالح الغربية والإيرانية.

لا يزال تنظيم داعش يستقطب المزيد والمزيد من الجهاديين من شتى أصقاع المعمورة، ولا يزال جميع من يدعون محاربته يكيلون الاتهامات لبعضهم البعض حول من يسانده فعليا، وللحق نقول جميعهم متورطون بلا استثناء. فالنظام السوري الذي بدأ بكيل التهم لدول إقليمية وغربية بأنها تدعم الإرهاب وتهدد كيانه، لكنه وبرغم ذلك صمت طويلا عن جرائم داعش ولم تسجل أية معارك بين الطرفين إلا في الآونة الأخيرة. ولعله ربط مصالحه بمصالح العراق واعتبر الفرصة مناسبة ليعود شريكا دوليا في مكافحة الإرهاب. ويندرج الأمر ذاته على إيران التي رأت في وجود التنظيم عدوا “سنيا” يسهل التجييش “الشيعي” ضده لبسط نفوذها على المنطقة كما حلمت طويلا، فيما لم نشهد أية معارك بين الميليشيات المدعومة من إيران وبين تنظيم الدولة الإسلامية بل ركزت تلك الميليشيات حربها ضد كتائب الجيش الحر طوال الوقت وتجاورت في بعض المناطق مع مقاتلي داعش دون أي اعتداء يذكر من أحد الطرفين على الآخر.

استطاعت القاعدة اغتنام ما يقارب 125 مليون دولار خلال السنوات الخمس الأخيرة عبر عمليات اختطاف لرهائن أوروبيين، لكن فولي وزميله-السيد سوتلوف المهدد بالقتل بنفس الطريقة-كانا أقل حظا من بقية الرهائن لأن حكومتهم الأمريكية رفضت دفع الفدية لتحريرهما وفي خطابه الأخير علق أوباما على مقتل فولي بأنه سيعمل على اجتثاث الإرهاب من منطقة الشرق الأوسط وأن حكومته لن ترضخ لابتزاز الخاطفين.

إن مقاتلي الدولة الإسلامية ليسوا بحاجة لإعلاميين ينشرون قصصهم وفظائعهم التي يرتكبونها بحق الشعب السوري. لا بل إنهم وفي عصر التطور التكنولوجي هذا يستطيعون التوجه مباشرة إلى جماهيرهم وبث ما يرغبون من بيانات ومقاطع فيديو.

مها الخضور