أمنية النازحين بعد حرمانهم من الزيارات: “العيد القادم في بيوتنا”

زيتون – رامي إبراهيم

برسالة مقتضبة ومخنوقة تكتب أم رامي المهجرة من مدينتها سراقب منذ شهور على مجموعة العائلة في الواتس آب في صباح يوم العيد: “ياله من عيد خال من الأهل، ليتني استطعت أن أزوركم”.

تبادل السوريون كافة، والنازحون خصوصا رسائل المعايدة على وسائل التواصل الاجتماعي، بعبارات مليئة بالأسى والشوق، فالأسباب التي تمنعهم من زيارة بعضهم كثيرة، ولم تكفي رسائل المعايدات أو اتصالات الفيديو رغبة الأطفال في معايدة أقاربهم في يوم العيد.

وتتصدر تكاليف السفر، وغلاء المحرقات، قائمة الأسباب التي حالت دون أن تتمكن العوائل والأقارب من تبادل الزيارات التي تعتبر أبرز طقوس وعادات الأهالي في سوريا، صباح يوم العيد.

وتكشفت مع قدوم العيد المزيد من الآلام لدى النازح والمهجر، في إدراكه استحالة الزيارة بعد أن شتت شمل العوائل بين مدن متباعدة، تتطلب مبالغ لا قدرة لهم على دفعها لممارسة ما اعتادوا عليه طيلة حياتهم، وخصوصا بعد وقوعهم فريسة للبطالة وترك الأرزاق في بلداتهم وقراهم.

لم تتغير عادة أبو عبد الرحمن النازح في مدينة الباب في جمع شمل عائلته في صباح العيد، بل سعى كي تتواجد ابنتيه المتزوجتين مع عائلتهما، إحداهما تقيم في جسر الشغور بينما تقطن الأخرى في مخيمات الشمال، لكنه عجز عن دفع تكاليف نقلهما جيئة وذهابا، ولم يستطع الضغط على ابنتيه للقدوم لعلمه المسبق ضعف حالهما وتكاليف النقل المرتفعة.

“أحمد عبود” سائق سيارة لنقل الركاب، يعمل على طريق بين مدينتي جرابلس والباب في ريف حلب الشمالي أفاد زيتون بأن أجرة الراكب الواحد ما بين المدينتين تقارب 40 آلف ليرة سورية، أي ما يعادل 25 دولار أمريكي، مبررا ارتفاق أجور النقل إلى وعورة الطريق الذي يتسبب بأعطال في السيارات وارتفاع أسعار المحروقات.

يحرص النازحون على الاقتصاد بمصروفاتهم نظرا لتوقف أعمالهم وغموض مستقبلهم، وهو ما اتبعه “عبد الله الأحمد” بعد تخليه عن زيارة أقاربه في مدينتي بنش وإدلب، مؤثرا توفير ثمن البنزين الذي ستستهلكه سيارته وهو ما يعادل قيمة إيجار شهر لمنزله في إعزاز، فضلا عن احتمالية عطب سيارته بسبب الطرقات الرديئة.

هبة” نازحة من مدينة سراقب وأم لطفلين، كانت أفضل حظا من غيرها، إذ تمكنت من زيارة أهلها في مدينة سلقين، وآثرت دفع مبلغ 80 آلف ليرة سورية أي ما يعادل 50 دولار كي تحظى بفرصة رؤية أهلها، بعد مضي خمس شهور على افتراقهم.

يبلغ إيجار نقل الراكب الواحد من جرابلس إلى مدينة إدلب 15 ألف ليرة سورية أي ما يعادل 8 دولارات، كما يبلغ إيجار نقل الراكب الواحد من مدينة الباب إلى مدينة إدلب 10 آلاف ليرة سورية وهو ما يعادل 6 دولارات، كذلك تبلغ أجرة النقل للراكب الواحد من سلقين إلى إدلب 3500 أي ما يزيد عن 2 دولار بقليل، وقد تبدو هذه الأجور بسيطة، لكنها باهظة على إمكانيات النازحين لا سيما إن أخذنا بالحسبان حجم العائلات وعدد أفرادها، وحجم الدخل المعدوم الذي يصلها.

هبة التي كانت تقضي أياما بكاملها في بيت أهلها قبل النزوح، وضعت أمام خيارات صعبة، فإما أن تزور أهلها وترضي أبنائها برؤية جديهما، ورؤية شقيقتها الصغرى أيضا، وتتكلف المبلغ الذي هم بأشد الحاجة إليه، أو أن تتخلى عن الزيارة وتؤجلها إلى مناسبة أخرى قد لا تأتي.

لكنها عثرت على حل مناسب يقضي بأن يتخلى الأطفال عن لباس العيد الجديد لتسديد إيجار السيارة التي نقلتهم إلى سلقين، وهو ما وافق عليه الطفلين.

قد تكون هبة هي إحدى القلائل الذين تمكنوا من خرق صعوبة الزيارة في العيد، وهو ما يؤكده عدم الازدحام لدى سيارات النقل، التي ظلت بانتظار المسافرين بين المدن صباح العيد.

“باسل الأحمد” سائق سرفيس من مدينة الباب قال إنه لم يشاهد أي تزاحم في فترة عيد الفطر كما كان الحال السنوات السابقة، على عكس ماكان يراهن عليه السائقين من ترامي المدن وتباعد الأهالي، مضيفا أنه لم يقم إلا برحلة يتيمة واحدة إلى إدلب المدينة وغير مكتملة الركاب.

وتساهم وعورة الطرقات الشديدة في عزوف الأهالي عن الانتقال بين المدن في الشمال السوري، إذ يتخللها الكثير من الحفر والتلف ما تسبب في كثير من حوادث السيارات في ظل غياب أي جهة تقوم بترميم الطرقات أو صيانتها.

كذلك فإن الخوف الأمني، وانتشار الفوضى، إلى جانب الاشتباكات بين الفصائل المتكررة، جعل من السفر أمرا مقلقا وغير مريح، كما حدث في ثاني أيام العيد بالاشتباكات التي جرت في مدينة جرابلس بين عشائر المدينة.

إلى جانب ارتفاع أسعار المحروقات ووعورة الطرقات والفوضى الأمنية المزمنة، يكمن قلق كورونا ليزيل أي رغبة في الزيارات، وهو ذات الحال الذي عانى منه اللاجئون السوريون في دول اللجوء، ففي ظل الإجراءات المتخذة للحد من انتشار فيروس كورونا، تم حظر الخروج من البيوت أو الانتقال بين المدن، وهو ما حال بتبادل الزيارات في أوربا بين الأقارب واكتفائهم بتبادل التهاني عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

البدائل

وجد الكثير من الناس تعويضا لهم عن الزيارات ببدائل تختصر المسافات وتبعد المخاطر والتكاليف، من خلال وسائل التواصل الاجتماعي لا سيما محادثات الفيديو التي تسمح بها برامج الواتس آب، أو السكايب أو المسنجر، وهو ما بدأ ينتشر على شكل مجموعات عائلية، تجمع أفراد الأسرة، وتسمح لهم بتبادل الأحاديث والأخبار والتهاني.

كما سعى الكثير من النازحين إلى إنشاء علاقات اجتماعية لهم في مدن النزوح، وتبادل الزيارات مع عائلات تلك المدن، في تعويض نفسي لهم عن طقوس الزيارات في العيد التي حرموا منها مع أقاربهم.

تبقى عودة النازحين إلى مناطقهم تختزل الحل لكثير من المشاكل آخرها مشاكل العيد، وهي الأمنية الوحيدة التي تناقلتها رسائل التهاني والمباركات في العيد، “إنشاء الله العيد القادم في بيوتنا”.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*