موتنا الحاضر دائماً

535193_738896929579964_5990751005337525392_n

رائد رزوق – زيتون

مع كل خبر مفجع وفي كل صورة تمر أمامك تتبلد أحاسيس الحزن لتصبح اعتيادية، تزداد مهارتك بتجاهل الموت المحيط بك كل يوم، تخرج لتمشي تتصفح وجوه الناس ولافتات المحلات أو تجري حديثاً مع أحد الأصدقاء، طرق الهروب هذه صارت عادات لكثرة التكرار.
لكن الموت الساكن في كل زوايا النهار يأتيك كوخز ضمير في الليل، وكمهارتك في تجاهله صار له مهارة في اقتحام شرودك ولحظات هدوئك قبيل النوم وفور استيقاظك أيضاً، المعتقلون يقرؤون معك الكتاب بعيونهم المطفأة، يحدثك المقتول فجأة عن شوقه لطفليه، عن حرقته حين سيأتي النصر في غيابه، عن سبب خروجه مرغما من تلك البلاد.

البلاد التي تمضغ ابنائها وتبصقهم في جميع المنافي مازالت تسمى وطن ومن أجلها مازالوا يموتون.
لعنةٌ هذه الارض منذ البدء، لم تتوقف لحظة عن ابتكار الأكاذيب التي تجر ساكنيها الى الهلاك، لم تتوقف عن بث سمومها في صغارهم “وفي موتي حياة ما”.
لاحنطة للجائعين بعد اليوم فالزارعون قضوا تحت نار الطحين، ليس للأبناء أباء يحملونهم الى بلاد الشمس والأمان، والخال الضحوك سقط في الطريق بطلقة كاتمة وضاع حلم الصغيرات بين عجلات الحياة.
موجعُ وداع الحبيبة والأم للسوري وهي ترتب فوضى رحيله:
” لو أنّك كنت تنام باكراً..لو أنك كنت أقلّ فوضى وأقلّ ذكاءاً
لو أنهم أعطوني ثيابك ودماءك لأهرب بها لعلّها تنبت لي القمح وأحيا
لو أنك لم ترسم لنا حيرتنا ثم تركتنا مبلّلين بك.. مطالبين بأن نصفّق لذهولنا ورحيلك..
لو لم تكن والد يمّ
لو أنك لم تعدني بغير هذا الحريق
لو أنك وسّعت لكي مكاناً قربك.. واسعٌ هذا القبر.. وقلبي (بيجي على قدّك)
لو نظر في عينيك من قتلك.. ما قتلك.. كان سيحمل عنك بعض الأكياس.. وستقول له (يخليلي روحك يا خالو)”.
لتلك البلاد أبناء عاقون، كفروا بكل مقدس بها، تحدوا طغاتها، مسحوا بأحذيتهم حدود القبيلة والعقيدة، سخروا من حاقديها ومدوا أيديهم للبعيد، هم السوريون الأوائل، أبناء العنقاء المستكشفين للحياة.
لغيابهم ينكسر القلب وتتلعثم الأفكار وبغفلة عنك يعود صوتهم “بس لو كان صوتي حلو .. كنت صرت مطرب شعبي قد الدنيا”.
كم حسدتك على موتك أيها المعجون بحنطة سَلميتك، لم تخرج عن طيشك قيد أنملة، وقضيت كما تحب، بل حسدناك كلنا نحنا الجبناء والمتنازلون عن طيننا، كم حلمنا أن نكون نحن بذلك النعش أو بجمال من فيه أو نشبهك على أقل تقدير، بضحكة يالئيم جمعت الجميع، مبتسماً تراقب المودعين ساخراً منا على بؤسنا وعبوسنا وقلة ايماننا بسوريتك التي بطلقة كاتمة حققتها.