رحيل نوال السعداوي… ايقونة التمرّد النسوي

توفيت الطبيبة والكاتبة المصرية نوال السعداوي، عن عمر ناهز 90 عاماً، والنافل أن السعداوي تعرضت لشائعات كثيرة خلال السنوات، إذ نعتها الصحف أكثر من مرة وعادت واعتذرت. وتعدّ السعداوي من رائدات الحركة النسوية المصرية، ولقبت بـ”سيمون دي بوفوار”، وصاحبة الكلام “الخطر”، وكتابتها تناولت قضايا مثيرة للجدل مثل الدعارة والعنف المنزلي والأصولية الدينية والختان والقمع الجنسي، وتلقى أعمالها البحثية والأدبية الصدى على نطاق واسع خارج حدود مصر، واسمها كان متداولا بانتظام للترشيح لجائزة نوبل للأدب، و تُرجمت إلى أكثر من 30 لغة.

 في التسعينيات، كانت السعداوي مهددة بشدة من قبل الأصوليين الإسلاميين، ولهذا السبب اضطرت إلى الفرار لبعض الوقت إلى المنفى الأميركي. وكانت آخر انتقاداتها للدين قد أدت إلى محاولة قانونية غير ناجحة لإسقاط الجنسية عنها أو للتفرقة بينها وبين زوجها. اختارتها مجلة “تايم” الأميركية ضمن أهم 100 امرأة في العالم على مدار القرن الماضي، واختيرت للغلاف عام 1981، وهو العام الذي اعتقلت فيه، وأشارت المجلة إلى أن السجن كان بمثابة ميلاد جديد لنوال حيث أوحى لها بكتابة كتابها “النساء والجنس”، وسجنت لرفضها الآراء التي كانت ضد المرأة مثل الاتجاه نحو ختان الإناث، كما ذكرت تجربتها في كتاب “مذكرات من سجن النساء” التي نشرت عام 1983، وفي عام 2015، نشرت مجلة “أرابين بيزنس” صور أقوى 100 شخصية في العالم العربي، وجاءت السعداوي في المركز الحادي والستين في مجال الثقافة والمجتمع. وفي العام 2011، اختارت صحيفة “الغارديان” السعداوي ضمن أهم 100 ناشطة نسائية في العالم بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، وقالت إن السعداوي وهي في سن الثمانين نزلت إلى ميدان التحرير مع المصريين للمشاركة في ثورة 25 يناير، وهي الثائرة التي واجهت جبروت عبدالناصر، والسادات، ومبارك. وانتقدتْ كثيراً على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب مواقفها من السيسي اذ اعتبرت عهده افضل من العهود السابقة، وموقفها يأتي من معيار شخصي لأنها تعيش “رهاب الاسلاميين”، وتعرضت للاعتقال والمنع في عهديّ السادات ومبارك.

وُلِدت نوال السعداوي في «كفر طلحة» في محافظة الدقهلية عام 1931، لأسرة متوسطة الحال؛ فكان أبوها موظفًا بوزارة المعارف، أما أمها فهي ريفية بسيطة ورثَتْ عنها ابنتُها الجَلَدَ وتحمُّلَ المسؤولية.
حاولت أسرتها تزويجها في عمر العاشرة، لكنها حين رفضت، وقفت والدتها في صفها. وقد كتبت روايتها الأولى في عمر الثالثة عشرة. شجعها أبواها على التعليم، لكنها -كما كتبت في مؤلفاتها- أدركت منذ سن مبكرة أن البنات كُن يحظين بتقدير أقل من البنين. ووصفت السعداوي فورة غضبها حين قالت لها جدتها ذات يوم إن “الولد يساوي 15 بنتا. البنات آفة”. وثمة من قال إن ختانها سبب لها مشاكل كبيرة في حياتها، وهي كانت عرضة لتأويلات وشائعات كثيرة. وفي مذكّراتها “أوراقي… حياتي” (1995)، كتبت السعداوي “منذ ولدت حتى بلغت الستين من عمري، وأنا أعيش في مصر، أحاول أن أتذكّر يوم مولدي، لا أذكر شيئاً سوى أنني “ولدت أنثى””. كتبت عن تعرّضها للختان في السادسة من عمرها، وغيرها من التجارب التي تستعيدها في مذكّراتها.

تخرجت السعداوي في كلية الطب في جامعة القاهرة، عملت في البداية طبيبة نفسية، قبل أن تصبح أخيراً كاتبة، في طريق النضال من أجل حقوق المرأة. وكان عليها أن تدفع ثمناً باهظاً لذلك، فقد مُنعت من ممارسة عملها في مجال الطب، وظلت كتبها محظورة في مصر لعقود. جاءت شهرتها الحقيقية مع نشر كتابها “مذكرات طبيبة” 1960، الذي تضمن مشاهداتها، وكان أقرب ما يكون ليوميات كاشفة عن بؤس الوضع الصحي لفقراء المصريين. وفقدت السعداوي وظيفتها في وزارة الصحة المصرية عام 1972 بسبب كتابها “المرأة والجنس” الذي هاجمت فيه تشويه الأعضاء الجنسية للمرأة المعروف باسم الختان، وقمع النساء. كما أُغلقت في عام 1973 مجلة “الصحة” التي أسستها قبل ذلك بسنوات. وفي عام 1975 نشرت رواية “امرأة عند نقطة الصفر” المستوحاة من قصة حقيقة لإمراة التقتها وكانت تواجه عقوبة الإعدام. وعام 1977 نشرت روايتها “الوجه العاري للمرأة العربية” والتي وثقت خلالها تجاربها إذ كانت شاهدةً على جرائم اعتداء جنسي و”جرائم شرف” ودعارة خلال عملها كطبيبة في إحدى القرى. وقد أثارت الرواية حالة من الغضب، واتهمها النقاد بتعزيز الصور النمطية للمرأة العربية.

بعد فترة في المنفى الأميركي، عادت السعداوي إلى وطنها مصر عام 1996، سرعان ما أثارت ضجة في البلاد. ترشحت في الانتخابات الرئاسية عام 2004، واعتقلت في العام 2007، بحجّة “الإساءة للذات الإلهية” عن مسرحيّتها “الإله يقدّم استقالته في اجتماع القمّة”. المسرحيّة التي دفعت “مكتبة مدبولي” إلى إتلاف كل النسخ. ثم شاركت في الانتفاضة الشعبية ضد حكم  حسني مبارك عام 2011. 
تعتبر السعداوي أن “الحجاب والعري في كفة واحدة”، وتقول “حينما أعري جسدي أقول أنا مجرد جسد أو بضاعة معروضة للبيع، وحينما أغطي جسدي أقول أنا جسد لا بد أن أُغطي”، “الرجل لا يتغطي ولا يتعرى”.

تزوَّجَتْ ثلاثَ مرات وأثمَرَ زواجُها ولدًا وبنتًا، وكان زواجها الأخير من شريف حتاتة هو الذي دفَعَ بأعمالها إلى العالَمية بترجمتها إلى اللغة الإنكليزية.

حصلت الراحلة على مجموعة من الجوائز العربية والدولية من بينها جائزة الشمال والجنوب من مجلس أوروبا، وجائزة إينانا الدولية من بلجيكا عام 2005، وفي عام 2012 فازت بجائزة شون ماكبرايد للسلام من المكتب الدولي للسلام في سويسرا.

نقلا عن موقع المدن

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*