الحواجز الأمنية كابوس سيتذكره السوريون طويلا

10390409_710714302382582_1668944444000293571_n

لم تخطر ببال الشاب محمد. أ وهو يرتدي بدلة عرسه ويجهز نفسه لحفل عقد قرانه أنه ذاهب للقاء الموتفي جميع الأفرع الأمنية الموجودة في دمشق وليس للقاء العروس التي انتظرته طويلا. ومشكلته الوحيدة كانت أنه لم يستطع التمييز بين حاجز النظام وحواجز الجيش الحر.

ذهب محمد-28 عام وهو خياط من إحدى قرى ريف إدلب إلى دمشق في آذار 2013 بقصد عقد قرانه على ابنة خاله وفي الطريق اعتاد رؤية حواجز الجيش الحر، ولكن سائق الباص اضطر لتغيير طريقه بالقرب من بلدة معربا ودخل بعدها إلى مدينة حرستا بالقرب من دمشق وهناك أجبرهم عناصر أحد الحواجزعلى التوقف بإطلاق النار في الهواء ثم صعدوا إلى الباص وأنزلوا جميع الشبان والرجال وأمروهم بالوقوف على نسق واحد مما أوحى لهم بأنهم سيقتلون جميعاً. ولأنه كان يسمع عن تواجد مقاتلي الجيش الحر في حرستاظن أنهم من المعارضة فبدأ من خوفه يصيح مستغيثاً: “يا شباب أنا لي إخوة معكم في الجيش الحر ولم أكن يوما مع النظام، إخوتي ثلاثة في كتيبة الفاروق اسألوا عنهم لماذا تريدون قتلي؟” جُنّ جنون جميع العناصر وبدأوا بالصراخ على أجهزة اللاسلكي وهم يشرحون حالة المتهم الواقف أمامهم لمسؤوليهم في فرع المخابرات الجوية واجتاحتهم حالة من الهستيريا حيث بدأ الجميع بضربه بكل مالديهم من أدوات وفي نفس الأثناء تابع بعضهم اتصالاتهم بقيادتهم لإخبارهم بحالة الموقوف”.

يتحدث محمد عن حادثة اعتقاله قائلاً: “أخذوني إلى فرع المخابرات الجوية وغطوا عيناي بقطعة قماش ولكني استطعت سماع أصواتهم وهم يتحدثون عني ويصفونني بالإرهابي، بعدها وضعوني في زنزانة لا تتجاوز مساحتها متر مربع واحد،شعرت بعطش شديد فبدأت أتسول منهم شربة ماء وبكيت وأنا أشرح لهم مدى عطشي الذي زاده خوفي من التهمة التي ألصقت بي، بعد ساعات أحسست بهلع شديد وأيقنت أني سأموت هناك لذا قررت أن أحاول شرب الماء وليفعلوا بعد ذلك ما يريدون، فبدأت الطرق على باب الزنزانة بشدة وأصرخ بأني أريد الماء وبعد قليل جاء واحد منهم فقام بربط يداي وقدماي بإحكام ثم جرّني إلى غرفة مجاورة فيها خرطوم مياه وصلت إليه زاحفا متلهفا لقليل من الماء أرطب به حلقي الذي أحسست أنه أصبح جافاً كأنه من خشب، ولكني وبعد وصولي إليه صعقني منظر السلك الكهربائي الذي أدخل فيه فلم أتجرأ على الاقتراب فسألني العنصر إن كنت لا أزال عطشاً وأجبته على الفور بأني لا أريد الماء”.

عُذّب الشاب بالعطش لثلاثة أيام متتالية بالإضافة إلى اقتياده كل يوم لساعات طويلة إلى غرفة التعذيب حيث يثبت جسده النحيل داخل إطار سيارة معلق بالسقف لينهال عليه المحقق بالضرب مستخدما عصا أو سلك كهربائي رباعي وحين يتعب يبدأ بصعقه بالكهرباء.ولم يقوى المسكين على فعل شيء سواء طلب النجدة والخلاص من الله فكان الرد يأتيه بالمزيد من الصعق والضرب وكان المحقق يتذكر بغيظ: “إخوتك الثلاثة في الجيش الحر؟ الله أمرني بأن أستخدم هذه العصا”.

استمرت حالة التعذيب هذه لمدة تزيد عن الشهر لينُقل بعده إلى غرفة أكبر-حوالي 9متر مربع ولكنها احتوت على ما يقارب 70 معتقل. جميعهم متهمون بتهمة الإرهاب وقد اعتقلوا على الحواجز أو أثناء مداهمة الأمن لأحيائهم وبيوتهم. أصغرهم كان فتى في الثالثة عشرة من حي القابون الدمشقي يبكي ليل نهار، اعتقل أثناء عودته من فرن ابن العميد في حي ركن الدين الدمشقي لأن عناصر الحاجز الموجود بالقرب من الفرن أوقفوه وأخذوا هاتفه النقال فوجدوا صورا لمظاهرات القابون.

يصف محمد المعتقلين جميعهم وكيف كانوا يتضورون جوعا حيث تقدم لهم وجبة واحدة يوميا وهي عبارة عن قطعة خبز والقليل من الماء. وفي الساعة الرابعة عصراً من كل يوم تبدأ ساعات التعذيب التي تستمر حتى منتصف الليل وأحيانا في بعض الحالات الخاصة ربما استمرت حتى الصباح. ولم يتورع عناصر الأمن عن استخدام أية وسيلة لتعذيب وإذلال المعتقلين لكن أشهر وسائلهم كانت الصعق بالكهرباء و”بساط الريح” المعروف لدى جميع الأفرع الأمنية في سوريا. ويتألم محمد وهو يقول: “عندما كنا نسمع بوفاة أحد المعتقلين تحت التعذيب كنا نبكي جميعا بصمت ونقرأ له الفاتحة في قلوبنا ولكننا كنا أيضا نحسده لأنه انتقل إلى رب رحيم لأنه ومهما كانت سيئاته في هذه الدنيا فإنه لن يلقَ ما لقيه من هؤلاء الوحوش في فرع المخابرات”.

وبعد فترة اختير محمد وثلاثة معتقلين آخرين من قبل فرع المخابرات العسكرية للعمل في الحفر في منطقة جبلية قريبة جدا من حرستا ربما تكون في جبل قاسيون أو بلدة معربا. في منتصف الليل اقتيد المعتقلين الأربعة بعد تقييد أرجلهم بسلسلة حديدية مع بعضهم البعض بحيث لا يستطيع أي منهم التفكير بالفرار لوحده وغطيت أعينهم أثناء خروجهم من سجن الفرع ليجدوا انفسهم بعد دقائق في منطقة جبيلة وطلب منهم البدء بالحفر، يعتقد الشاب أنهم كانوا يحفرون حفراً لقبور جماعية لأنهم أثناء الحفر عثروا على بقايا لجثث بشرية لم يمر على دفنها زمن طويل وكان الحفر يستمر حتى السادسة صباحا حيث يغطون أعينهم من جديد ويعيدونهم إلى الفرع.

ويذكر محمد أنه في إحدى الليالي هاجم مقاتلو الجيش الحر مبنى فرع المخابرات الجوية واشتبكوا معهم لساعات وكادوا يقتحمون الفرع ولكن عناصر الأمن أخرجوا المعتقلين واستخدموهم كدروع بشرية مما أجبر المهاجمين على التوقف والانسحاب، لكن انسحابهم أغضب بعض العناصرالذينأيقنوا أن لهؤلاء المعتقلين إخوة أو أصدقاء بين المهاجمين فأطلقوا النارعليهم على الفور مما تسبب بمقتل ست معتقلين وإصابة عدد كبير بجراح خطيرة وأصيب محمد بطلقتين في الفخذ والبطن. نقل على إثر ذلك إلى سجن المزة وبقي ثلاثة أيام دون أن يراه أي طبيب او حتى أن يحقق معه أحد وبعدها نقل إلى الشرطة العسكرية ليتحول بعدها إلى القصر العدلي. وعن العدل في القصر العدلي يقول محمد: “وصلت مع معتقلين آخرين إلى القصر العدلي فأخذوني إلى قاضي لأجد أنه كتب حكمه مسبقا ولم يسألني أي سؤال فقط نظر إلي وقال (إرهابي) وأحالني إلى سجن عدرا الذي أطلق سراحي منه بعد ثلاثة شهور.

مها الخضور