الجولاني وجولان الأسد.. وجهان لمأساة واحدة

عدنان صايغ – زيتون

في آخر ظهور له، قال زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني خلال مقتطفات نشرتها شبكة “front line” الجمعة الماضية، لمقابلة معه كان قد أجراها الصحفي الأمريكي مارتن سميث، مطلع شباط الماضي، في إدلب، “إن تنظيمه لا يشكل أي خطر على الولايات المتحدة، وإن عليها رفع اسم هيئة تحرير الشام من لائحة التنظيمات الإرهابية”.

الظهور آثار الجدل في الشارع السوري لعدة أسباب، أهمها طريقة الخطاب الذي قدمه للصحافة الأمريكية، والبعيد كل البعد عن الخطاب الإسلامي الذي اعتاد السوريين سماعه من قيادات تحرير الشام، ولا عيب في ذلك لولا أسلوب الاسترضاء الفج للولايات المتحدة في مقارباته التي أوردها في اللقاء، إضافة إلى كم المغالطات والادعاءات المكشوفة التي لا تخفى على أحد في الداخل أو الخارج.

وعلى صعيد الشكل، لفت مظهر الجولاني السوريين بارتدائه بزة رسمية، إضافة إلى لحية مشذبة، وشعر مصفف بعناية، لكن كان واضحا أن هناك تردد وجل في صوته، مع ارتجاف خافت وبسيط، وله العذر في ذلك فالصحافة الأمريكية لا ترحم ضيوفها، مقابل وصول صوت هؤلاء الضيوف للعالم أجمع، وهو ما حاول الجولاني استغلاله في تقديم صورة مغايرة وغير موضوعية للغرب.

يتحسر السوري على ما ابتلي به من تسلط زعماء الحرب عليه، الذين مارسوا كل وحشية يمكن تخيلها، وفي ذات الوقت يراهم يداهنون غيره من شعوب ودول أخرى ليتحولوا إلى منتهى الرقة واللطافة والتمدن، فما يفعله الجولاني في غياهب سجونه، وما يفعله الأسد في دهاليز معاقل قواته وحلفائه، يتحول بمنطق فاجر ومضحك إلى فكر خلاق لمحاربة الإرهاب أمام الغرب، وإلى جهود عظيمة في تخليص الغرب من غول التطرف والتوحش، ومن المضحك المبكي أن أكثر شخصيتين مارستا القهر على الشعب السوري، يتشدقان بمحاربة الإرهاب استرضاء لغير السوريين، السوريون الذين لم يروا من الأسد والجولاني سوى العين الحمراء.

كلاهما حاربا بشجاعة داعش، وكلاهما لا يمارسان التعذيب في سجونهما الخمسة نجوم، وكلاهما يتساءلان حول مفهوم الإرهاب، ويلمحان بأكثر من معنى عن استعدادهما لتقديم خدماتهما للغرب في هذا المجال، كلاهما يعترف بالأخطاء السابقة، ولو اختلفت شماعة الأخطاء، كلاهما متحرر وثائر على طريقته، ومن هنا لك أن تتخيل حسرة السوري العارف أن لا فرق بينهما سوى اللحية.

لا ينسى من أجبروا على التصالح مع النظام وتسوية أوضاعهم والرضوخ لقوات الأسد ما فعله الجولاني بهم، بأولى حججه من التعامل مع الغرب والولايات المتحدة، كما لن ينسى النازحون في الخيام والشتات كيف حولهم صاحب النصرة من ثوار منتصرين إلى نازحين مهزومين، لا لشيء إلا ليمارس عقدة السلطة لديه.

يندب السوري حظه حين يرى تهافت الجولاني على الغرب، وهو يدرك كم جسد هذا الرجل ومن خلفه فكر تنظيمات القاعدة من أسباب لتخلي العالم عن مد يد العون للثورة السورية بسببه، وبخطابه الإسلامي الذي غاب عن المقابلة، توعد السوريين بالحد والقصاص والضرب بيد من حديد والقتل طيلة سنوات توسعه وقضم تفكيك فصائل الجيش الحر.

وكيف لذاكرة السوريين أن تنسى كيف مارس الجولاني ألاعيبه في التقلب ما بين التشدد والثورة، وما بين داعش والحر، وما بين حراس الدين وخرسان، وما بين تركيا والنظام، مستترا بالدين حينا والتلويح بالقوة حينا، وبمعارك طويلة من الاعتداء على الثوار وجلسات المصالحات بين الفصائل التي لم تغب عنها النصرة أبدا.

فيما يمضي زعماء العالم فترات قيادتهم في خدمة شعوبهم، يرهق الزعماء في سوريا كل وقتهم في محاولة إثبات شرعيتهم، وتسويق شخصياتهم، وتغدو قضية استمرارهم في السلطة شغلهم الشاغل، في استعداد منهم لتقديم كل ما يلزم من غال ونفيس مقابل ذلك الضمان والرضى الغربي لهم.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*