العنف الجنسي أحد وسائل الحرب في سوريا

BFT689

تحدثت العديد من وسائل الإعلام العربية والدولية عن “العنف الجنسي” كنتيجة للحروب والنزاعات في البلدان العربية وللأسف فقد كان لسوريا الحصة الأكبر من تلك القصص الإعلامية حول أعمال وحشية ذات صلة بالجنس. ومعبداية العنف في سوريا بدأت التقارير حول عمليات الاغتصاب وانتشارها على نطاق واسع في سوريا وفي أحيان كبيرة توجهت التهم (في البدايات) إلى القوات الحكومية كأسلوب انتهجته تلك القوات لمعاقبة المجتمعات التي تميزت بحراك ثوري ضد حكومة الأسد ولم تجد تلك القوات صعوبة في إطلاق اسم جديد على العديد من الأحياء والمدن السورية “بيئة حاضنة للإرهاب” في سبيل كسب الدعم الشعبي لممارسات النظام القذرة في تلك المناطق. ولاحقاً تحدثت وسائل الإعلام عينها عن استخدام “قوات الدولة الإسلامية” للاغتصاب كوسيلة عقابية وكسلاح في الحرب وأداة للهيمنة الإثنية.

لا شك أن الحروب تنتج عنها الكثير من الأمراض والآفات الاجتماعية، ولكن تناول وسائل الإعلام-الغربي على وجه الخصوص-لروايات العنف الجنسي كسلاح في الحرب في سوريا تحيطه الكثير من الشكوك الصادرة عن مختصين وباحثين في قضايا العنف الجنسي. ويفند بعض الباحثين تلك الروايات بأنها وسائط نموذجية استخدمت بطرق علمية بحتة من حيث أنها انتقائية ومثيرة وتحجب الأنماط المرضية الكثيرة الأخرى التي يمكن أن تنجم عن أي حرب. وبعض تلك الروايات حملت افتراضات كاذبة حول الأسباب الحقيقية للصراع بالإضافة إلى أن بعضها ساعدت الجناة وأدت إلى نتائج مأساوية لمن تبقى على قيد الحياة في مناطق النزاعات.

يروي بعض النشطاء السياسيين والإنسانيين قصص كاذبة عن حالات اغتصاب وقعت لهم أو لأهلهم بغرض حشد التأييد أو تحفيز المانحين على تقديم الدعم. لربما كانت حكاياتهم مفيدة في بعض جوانبها ولكنها في نفس الوقت تهمش أشكالاً كثيرة من معاناة وأمراض الحرب الجنسية الأخرى كالتعذيب الجنسي وسفاح المحارم القسري والإجهاض القسري وغيرها الكثير من الأمراض.

سلمى-36 عام وهي ناشطة سورية في تركيا تقول: “لا تقدم المنظمات الدولية الدعم إلا لبرامج دعم المرأة ومراكز مكافحة العنف الجنسي”وتؤكد أن ذلك الدعم لا يرقى إلى أكثر من تقديم بعض الدعم النفسي لأولئك النساء وأحيانا إن كانت المرأة محظوظة فلربما استفادت بتأمين فرصة عمل أو ترشيح اسمها لمفوضية اللاجئين كحالة ملحة لتأمين بلد ثالث يقبل بها لاجئة. وتضيف سلمى بتهكم: “أختي حتى الحكومة المؤقتة الموقرة تتفهم وضع المغتصبات من اللاجئات وتنسى ملايين السوريين ممن تعبث بهم أيادي القدر في بلاد الغربة”.

ولا بد من التنويه بأن إثارة قصص الاغتصاب وتضخيمها لا يخدم الضحية بالضرورة، فقد ازدهرت في الفترة الأخيرة قصص كثيرة عن اغتصاب النساء الإيزيديات في العراق في معتقلات “داعش” وهذه الروايات بغض النظر عن مدى صدقها إلا أنها ركزت اهتمام الباحثين في هذا المجال نحو اتجاه محدد يمارس العنف و أبعدتهم عن البحث في التقارير الدولية “كتقرير لجنة الإنقاذ الدولية” الذي أوضح كيف يتم استغلال الملاك وأرباب العمل لضعف اللاجئين السوريين الاقتصادي في كل من لبنان والأردن. وهكذا يبقى الضحايا الحقيقيون بعيدين عن الاهتمام والموارد اللازمة ويكون الإعلام قد قام بتبرئة الدول الواجب عليها الاهتمام بقضايا اللاجئين المعوزين ليوجه أنظار الجمهور نحو متهم متفق عليه دوليا “الدولة الإسلامية”.

أبو أحمد-67 عام لجأ إلى الأردن مع عائلته المكونة من ست بنات ووالدتهم وولدين صغيرين وهم يعيشون في بلدة المفرق في بيت لا يتسع لشخصين يقول: “قبل أول كل شهر يأتي صاحب البيت ويقدم عرضه بأنه سوف يدعني أسكن في البيت مجاناً إن قبلت بتزويجه ابنتي (منى) التي لا تتجاوز الخامسة عشرة… إنه رجل لا يخاف الله لذا فإني أخافه وأخاف على بناتي منه”. صمت بعد حديثه وشرد ذهنه وكأنه يبحث في عقله عن عدالة ستتحقق يوما ما وسينتقم لنفسه وعائلته من تسلط مالك البيت الذي يهينه ويتسبب له بقلق يمنعه من النوم خوفاً على مصير عائلته في اليوم القادم.

وللخوض في استخدام التعابير الجنسية بالترافق مع انطلاقة ثورتنا لا بد لنا من الوقوف على مصطلحات روج لها النظام والإعلام الداعم له كقناة المنار والعالم اللبنانيتان وغيرهما عشرات القنوات الأخرى لفكرة “جهاد النكاح” أو “القتال طمعا بحور العين” مثلاً والتي أنتجت بكل براعة في استوديوهات غسان بن جدو. وبالطبع لم تكن تلك عبقرية غسان وإنما استشارة المختصين والباحثين الذين أفادوا بترويج تلك الأفكار كسلاح مضاد لفكرة الشهادة-التي تعتبر غاية كل مسلم مؤمن وبالفعل استطاع النظام وحلفائه أن ينجحوا بتشويه مبدأ الشهادة في وجدان الآلاف من جمهور مؤيديهم البسطاء.

أبو حسان-57 عام وهو مؤيد أعمى للنظام لا لشيء سوى أنه عاش حياته مقتنعا بأن القائد هو الوطن- يقسم بأن كل من تحدث إليه من عناصر الأمن عن مداهمات شاركوا بها في أحياء مدينة حمص عام 2012 قالوا له إنهم وجدوا في البيوت ذخائر وأسلحة غربية ودلوعات “وهي عبارة عن ملابس نسائية ترتديها المرأة في غرفة النوم”، والرجل مقتنع بان هؤلاء المقاتلين المعارضين جميعهم غيبت عقولهم وقد أقدموا على الموت في سبيل علاقة جنسية وحملوا معهم تلك الملابس أينما رحلوا.

لا ضير من الحديث عن الأمراض التي فتكت بمجتمعنا جراء الحرب التي مزقته وإنما لربما توجب علينا مساءلة من يتناولون أحد المواضيع ويضخمونه قصداً أو عن غير قصد. فالإعلام عموماً ساهم في زيادة تدفق اللاجئين السوريين بسبب الصور الوحشية التي نشرها وقصص الاغتصاب المرعبة كما ساهم في الحد من مشاركة المرأة في الحياة العامة. ولا شك أن ذلك الإعلام قد ساهم من حيث يدري ولا يدري بتعزيز مواقف المتحاربين.

مها الخضور