حرق المساجد في السويد …ظاهرة أم شبهة

640

منذ عقود بدأت السويد باستقبال اللاجئين من شتى أنحاء العالم ومنحتهم جميع الحقوق السياسية والدينية والفكرية، ومن بين هؤلاء المهاجرين عدد لا بأس به من المسلمين الذين شكلوا أقلية في المجتمع السويدي وأسسوا منظمات وتجمعات لحماية حقوقهم التي ينص عليها القانون السويدي. ولم يشعر هؤلاء المسلمين بأي خطر أو تهديد قبل أقل من عام بل على العكس لطالما تغنوا بأخلاق هذا الشعب الذي احتضنهم بكل إنسانية وتقاسم معهم لقمة عيشه حبا وكرامة وقد درج تعبير بين غالبية المهاجرين المسلمين هنا وهم يصفون السويديين بأنهم يتحلون بأخلاق الإسلام الحقيقية ولا ينقصهم سوى نطق الشهادتين. ولكن العام 2014 شهد نحو 14 اعتداء ضد المساجد ثلاثة منها وقعت في الشهر الماضي وحده مما يبعث الخوف في نفوس المسلمين ويدفعهم للقلق حول مستقبل وجودهم في هذا البلد.
أكدت تقارير الشرطة السويدية أن الاعتداءات والهجمات الأخيرة تمت باستخدام قنابل مولوتوف يدوية الصنع أو باستخدام مواد حارقة وأخرى سريعة الاشتعال أي أن الجناة ليسوا محترفين أو متمرسين في الإرهاب، وفي اعتدائهم على مسجد أوبسالا وسط السويد ترك المعتدون بصمة كراهية للمسلمين جميعهم وطالبوهم بالرحيل. وقع الاعتداء على مسجد أوبسالا بعد ثلاثة أيام فقط من الهجوم على مسجد في مدينة إيسلوف الواقعة في جهة الجنوبية بالقرب من مدينة مالمو وقبلها بأسبوع فقط تعرض مسجد في مدينة إيسكيلستونا بالقرب من العاصمة استوكهولم لهجوم مشابه.
يعتقد بعض المراقبين أنه هناك تنامي واضح لما اصطلح على تسميته «اسلاموفوبيا» بين أعداد لا بأس بها من المواطنين السويديين لأسباب كثيرة سنأتي على ذكر بعضها لاحقا، ولكن المظاهرات والاحتجاجات التي عمّت شوارع وساحات المدن الثلاث الكبرى استوكهولم ومالمو ويوتوبوري أثبتت أن عددا كبيرا جدا من السويديين يرفضون رفضا تاما التعرض للحريات التي ينعمون بها منذ عقود ويرفضون المساس بها تحت أي عنوان كان ومن تلك الحرية حرية المعتقد التي تضمن لجميع السكان ممارسة شعائرهم الدينية ضمن دور العبادة الخاصة بهم دون التعرض للإهانة أو الاعتداء بأي شكل من الأشكال وبغض النظر عن الدين الذي يعتقدون به. انطلقت تلك الاحتجاجات في الثاني من شهر كانون الثاني الحالي وحمل المحتجون عبارات التأييد للمسلمين ووعودا بالحفاظ على حياتهم ومساجدهم.
محمد-19 عام وهو طالب في المرحلة الثانوية شارك في اعتصام يوتوبوري وقد قال: «لقد تمت دعوتي من قبل شخص ينشط في المجمع الاسلامي في السويد وقد شرح لي أن مساجدنا انتهكت حرماتها ومهددة بالزوال من قبل سويديين متطرفين وعلينا أن نرفع أصوات احتجاجنا ليسمعها جميع السويديين، ولكني تفاجأت كثيرا عندما وصلت إلى ساحة الاعتصام فقد وجدت أن غالبية المعتصمين كانوا من السويديين وليسوا عربا أو حتى مسلمين وقد صرح بعضهم أنهم مسيحيون أو يهود أو حتى ملحدون ولكنهم ضد أي اعتداء على مساجد المسلمين»
وفي مدينة أوبسالا حمل المئات من المحتجين ورودا وقلوبا صغيرة ووضعوها على باب المسجد الذي تعرض للاعتداء ليؤكدوا تضامنهم مع المسلمين وحرصهم على العيش المشترك بين جميع أطياف المجتمع السويدي، وبالفعل كانت تلك التظاهرة في أوبسالا هي الأكثر تميزاً لأنها استطاعت إيصال الكثير من المشاعر الإنسانية التي عرف بها السويديون الذين أدهشوا الكثيرين ممن وصفوا تلك التظاهرة بأنها «انفجار الحب ردا على تفجير المساجد».
إلا أن الكثير من الحب الذي أظهره السويديون لا ينفي وجود وتنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا لدى البعض منهم وعلى الخصوص في السنوات الأخيرة حيث شهد العالم أفظع الجرائم ضد الإنسانية باسم الإسلام والمسلمين. وقد استطاع الحزب الديموقراطي السويدي الفوز في الانتخابات الأخيرة مستفيدامن هذه الورقة وقد دغدغ مشاعر جمهوره بتصريحات حول برنامج الحد من الهجرة إلى أبعد حد أي نحو 90% حسب الحزب. وقد وجه البعض أصابع الاتهام إلى هذا الحزب في مسألة الاعتداء على المساجد لكن أحد أعضائه-ماتياس مولار يقول: «إن حرق المساجد أضرّ بنا أكثر من غيرنا، من الطبيعي أن نناهض الحكومة التي فتحت الأبواب للمهاجرين من شتى أنحاء الأرض وبدون برنامج واضح مما أثر سلبا على اقتصاد بلدنا وأضعف هويتنا. لكننا نعرف تماما أن مشكلتنا سياسية بحتة ولا يمكن حلها من خلال الاعتداء على دور العبادة كما أننا لم نحدد يوما دين المهاجرين الذين نرفض قدوم المزيد منهملمحاصصة المتقاعدين في مستحقاتهم وطمس هويتنا وتراثنا لدرجة صرنا نشعر بالغربة في وطننا».
تتوجه أصابع الاتهام نحو أطراف كثير في قضية الاعتداءات على المساجد، فهناك من يعتقد أنها مدبرة من قبل أجهزة أمنية لخدمة الصهيونية التي شغلت العديد من المواقع التي تبث أخبارا كاذبة عن الاسلام وتنشر الآلاف من الصور والأخبار اليومية عن تنظيم داعش لتخويف الغرب من البعبع الاسلامي. وهناك من يتهم أفرادا من الفريق الموالي للنظام السوري الذي دأب على ملاحقة السوريين أينما حلوا وخلق لهم الكثير من المشاكل في البلدان التي اضروا إلى الفرار إليها. ويوجه البعض أصابع الاتهام إلى جهات وأفرادا من المسلمين أنفسهم لاستدرار مشاعر التعاطف معهم أو بسبب الخلافات المذهبية.
يعيش نحو 450000 مسلم في السويد وهم يشكلون أقلية مهمة وفق إحصاءات حول مكونات المجتمع السويدي، لكنهم وفي اغلب الأحيان يعزلون أنفسهم ضمن مجموعات صغيرة، حفاظا على هويتهم الاسلامية التي تتناقض في بعض الأحيان مع قيم ومبادئ المجتمع السويدي. ففي حين يمنع القانون تعدد الزوجات مثلا طلق بعض المسلمين إحدى الزوجتين في المحكمة ولكنهم حافظوا على العلاقة الأسرية بحجة أن (الطلاق السويدي) شكلي فقط وليس شرعي. وفي حين يجرم القانون ذبح الحيوانات قبل صعقها بالكهرباء، يتنفع بعض المسلمين من ذبح تلك الحيوانات في مذابح غير نظامية ومخالفة للقوانين بحجة ضرورة (توفير اللحم الحلال) وغير هذه الأمثلة هناك الكثير الكثير مما يمكن التوقف عندها لرصد عوامل ضعف اندماج المسلمين في مجتمعات أخرى لجأوا إليها ولتقصي أسباب الكثير من المشاكل التي قد تعترضهم.

 

مها الخضور