في دمشق: “الأحمر” قاسمٌ مشترك.. والـ”Valintine” يغوي عشاقاً ويُبكي آخرين

12715455_458725190985233_3893883523103017188_n

زيتون – أسامة العيسى

بين جدلية الرصاص والقصف والضحايا من جهة، والورد الأحمر الأفراح والأهازيج من جهة أخرى، لا زال لـ”عيد الحب” أو ما يعرف باسم “الفالنتاين Valintine day” مكانه في قلوب بعض قاطني المناطق المسيطر عليها من قبل النظام السوري، حيث عمّ شوارع محافظات عديدة منها، اليوم الأحد، اللون الأحمر، الذي رمز لديهم للفرح الكرنفالي، فيما ذكّر أخرين منهم بلون “الدم” لأخوة وأقارب وأصدقاء وأحباء رحلوا، والتوق لإهداء أحدهم وردة حمراء مماثلة.

وفي العاصمة دمشق، الواقعة بغالبيتها تحت سيطرة قوات الأسد وميليشياتها، اكتست شوارعها وواجهات محالها التجارية، اليوم، بهدايا العشّاق، فيما انتشرت، وفقاً لمصادر ميدانية، إعلانات لحفلات رقص وغناء في ملاهي ليلية، تدعوا لإحياء ليلة “العيد”!!

أصوات القذائف والصواريخ الخارجة من العاصمة ذاتها ومحيطها لمناطق أخرى قريبة، رافقتها في النقيض أصوات أخرى لأغانٍ اشتُقت مفرداتها من معاني الحرب التي يشنها نظام الأسد على السوريين منذ قرابة ست سنوات قاسية؛ “أنت معلم” و”متل الطلقة الروسية إن ماقتلتي بتشلي”، وغيرها الكثير، ما خلّف حسرة في قلوب بعض قاطني دمشق ذاتها ومناطق متاخمة كما كل السوريين المنكوبين بلا “عيد”.

تقول عبير، التي تسكن في جنوب دمشق في حديث لـ”زيتون”: “نعيش هنا وكل شيء بات علينا حسرة بحسرة، لقمة الطعام باتت طموح لأحضرها لأولادي الذين استشهد والدهم بقصف مدفعية بشار الأسد، أشعر بالرغبة بالبكاء عندما أرى شوارع في الشام (دمشق) مليئة باللون الأحمر، والناس تهدي بعضها هناك ورود وهدايا عيد ما يسمونه (الحب)، ونحن هنا نعيش الأمرّين.. إنها حقاً حياة تدعو للبكاء والبكاء هو فقط ما يريحني..!!”.

بينما ترى أم خالد يعقوب، وهي من أهالي مخيم اليرموك المحاصر، وممن اضطروا للنزوح إلى ضواحي ريف العاصمة، أنها صُدمت عندما رأت الأفراح تغزو الشوارع اليوم بكثرة، بمناسبة “عيد الحب”، وتضيف: “الحال أصبح لا يطاق، خسرنا كل ما نملك، نحن مجروحين من داخلنا ولا شيء يمكن أن يداوي هذا الجرح بكل أسف. أولادي جميعاً تركوني ورحلوا لاجئين لدول أخرى، وواحد منهم معتقل ولا أعراف عنه شيء، لم أعد أجد مكاناً للفرح في داخلي، كيف أفرح وكل إنسان عزيز علي رحل والحال يضيق كل يوم..!!؟”.

ناهد شامي، ناشطة من دمشق تقول: “لا يدرك كما أرى من يحمل الورود الحمراء اليوم فرحاً بعيد الحب ما حجم معاناة غيره من الناس، من أهله وأقاربه ربما، ومن أبناء وطنه حكماً، هؤلاء قسم كبير منهم مصطفون مع النظام بشكل أو بأخر، أو هم يرون في ديمومة النظام استمرار لوجودهم”.

وتتابع: “اليوم عشرات الضحايا سقطوا في سوريا، هل سمع عنهم المعايدون في عيد الحب؟ هل هم يشعرون فعلاً بسوريتهم وبأهلهم؟ هل تعني الأخوة ألا يحسّ المرء بأخيه؟ لسنا ضد الفرح لكن أن يكون له مكان! مناطق بلا غذاء ولا دواء، عشرات المدن والبلدات محاصرة؟”.

من جانبه، يروي أحمد خ. وهو طالب جامعي لا زال يدرس في العاصمة ما هو الحال عليه اليوم في دمشق، ويقول: “اللون الأحمر تجده اليوم في كل مكان من المناطق المسيطر عليها من النظام، في الشوارع وعلى الأرصفة، في المحال، وفي الحدائق، في الجامعات والمدارس، سعر الهدية البسيطة المكونة من دبدوب ووردة حمراء أو وردتين من 2000 إلى 3500 ليرة.. بينما هناك دبب وهدايا يصل سعرها إلى 50 ألف ليرة وأكثر!!”.

ويرى أحمد، أنه “لا مجال أصلاً لتلك الاحتفالات لأن البلد منكوبة، والناس تموت من الجوع والقصف يومياً، كل الناس مهمومة، ولا تعرف طريق الخلاص من أين، الحرب تقتل كل شيء، ومع ذلك تجد أناس يفرحون ويدفعون آلاف الليرات كي يشتروا وردة أو دب أحمر، ولنا أهل يعيشون بلا قطعة خبز هناك قريباً على بعد بضعة كيلومترات من مكان الاحتفالات..!!”.

بالمقابل، تعتبر أريج الطالبة الجامعية أيضاً، أنه لا حرج من الاحتفال بعيد الحب، وتضيف: “أنا أستغرب من الناقدين، ما المشكلة إذا أهدت الناس بعضها البعض وتحابت؟ وهل من المطلوب منا أن نموت كلنا؟ أنا أهديت خطيبي وهو أهداني، لم نقم بفعل جريمة..!!”.

وعند سؤالها عن شعورها لما هو الحال عليه في المناطق المنكوبة أجابت: “أنا لا أقول أنني مع تجويع الناس، ولا أرفض الشعور بهم، لكن هذا الأمر منفصل عن ذاك، لأنه لا يجوز مقارنة شيء بشيء آخر برأيي..”.

وبين “الحب” أو “اللاحب” تستمر النكبة السورية في ظل تعرض عشرات المناطق للقصف اليومي من قبل سلاحي جو النظام وروسيا، ما أوقع عشرات المدنيين ضحايا، فضلاً عن عمليات استهداف أخرى، تترافق مع عمليات حصار ممنهج للمدن والبلدات الأمنة من جانب النظام وميليشياته المحلية والأجنبية، ليبقى السوريون في انتظار أجواء “الحب” التي اعتادوا عليها في وطنهم، بعيداً عن الحرب، بعد تشرد الملايين منهم خارج ديارهم، بين نازحين ولاجئين، وفق اعترافات المنظمات ذات الصلة، وعلى رأسها الأمم المتحدة، فضلاً عن مقتل وجرح مئات الآلاف.